حجم الدمار في غزة بالخرائط: كيف تغيرت غزة خلال 15 شهراً؟

جرى التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة أخيراً، لكن حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة التي استمرت 15 شهرًا تسببت في دمار هائل في الأراضي الفلسطينية، إذ أن حجم الدمار في غزة لم يسبق له التاريخ في فلسطين أبداً.

ووفقاً لتقرير رصده فريق كوزال نت نقلاً عن “BBC“،يأمل سكان غزة أن يُمهِّد وقف إطلاق النار الطريق لتحقيق السلام في النهاية، لكن الأمم المتحدة تحذر من أن تعافي المنطقة قد يستغرق عقودًا بفعل حجم الدمار في غزة الذي يؤرق الغزيين.

يكشف دليل مرئي أعدته فريق الصحافة البصرية في “بي بي سي” عن التغيرات الصادمة التي طرأت على الحياة في غزة منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

حجم الدمار في غزة بالخرائط

وبالادعاءات الصهيونية التي ثبت كذبها بأن مقاتلي حركة المقاومة الإسلامية حماس كانوا مختبئين بين السكان المدنيين، ركزت حرب الإبادة الجماعية أولاً على مناطق شمال قطاع غزة.

وكانت بيت حانون، التي تقع على بعد 2 كيلومتر داخل الحدود الشمالية لشمال قطاع غزة، من أوائل المناطق التي تعرضت للقصف الإسرائيلي وتعرضت لقصف شديد.

وواصل الكيان الصهيوني قصف مدينة غزة ومراكز المدن الأخرى في الشمال قبل بدء العملية البرية في نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول 2023.

كما طلب الجيش الصهيوني من المدنيين الانتقال إلى ما أسماه زورا وبهتاناً بـ “المناطق “الآمنة” جنوب وادي غزة.

ومع ذلك، شنت طائرات الكيان الصهيونية غارات جوية أيضًا على المدن الجنوبية التي اضطر مئات الآلاف للنزوح إليها من سكان غزة.

وبحلول نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2023، تحول جزء كبير من شمال غزة وبعض مناطق الجنوب إلى أنقاض.

وبحلول شهر يناير/كانون الثاني 2024، تعرضت أكثر من نصف المباني في غزة للتدمير أو الأضرار.

وفقًا لتقديرات خبراء قاموا بتحليل بيانات الأقمار الصناعية من مركز الدراسات العليا بجامعة مدينة نيويورك (CUNY) وجامعة ولاية أوريغون في الولايات المتحدة، فإن حجم الدمار في غزة يُقدر بحوالي 60% من مباني قطاع غزة خلال 15 شهرًا من الصراع.

وكانت مدينة غزة الأكثر تضررًا من الدمار بحسب حجم الدمار في غزة الذي تُظهره الخرائط الحديثة

ومن الإحصاءات الأخرى التي تكشف حجم الدمار في غزة، تُقدِّر الأمم المتحدة أن أكثر من 90% من الوحدات السكنية في غزة تقع ضمن المباني المتضررة، مع تدمير 160 ألف منزل وتعرض 276 ألف منزل لأضرار جسيمة أو جزئية.

مدينة الخيام الضخمة

ويلفت التقرير الانتباه إلى أن الحياة في غزة كانت صعبة حتى قبل اندلاع الحرب، مبيناً أن الحصار الذي فرضه الكيان الصهيوني ومصر من الشرق والجنوب، أدى إلى تقييد كبير على حركة الدخول والخروج من غزة.

ويدافع  الطرفان عن هذا الحصار باعتباره ضرورة أمنية.

وفقاً للبنك الدولي، يعيش ما يقرب من ثلثي سكان غزة تحت خط الفقر.

حتى قبل الحرب، كان الآلاف يعيشون في مخيمات اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. ورغم ذلك، كانت هناك مستشفيات ومدارس وأماكن عمل في القطاع.

لكن قطاع غزة، الذي تبلغ مساحته 41 كيلومتراً طولاً و10 كيلومترات عرضاً، أصبح إلى حد كبير غير صالح للسكن، إذ أن بعض الأحياء تم تدميرها بالكامل.

شوارع غزة في حالة خراب ودمار.

كما أن الأراضي الزراعية، التي كانت تحتوي على البيوت البلاستيكية، دُمرت بفعل العمليات العسكرية الإسرائيلية التي شملت استخدام المركبات الثقيلة والدبابات.

 

قبل الحرب، كان معظم سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة يعيشون في أربع مدن رئيسية.

في الجنوب، مدينتا رفح وخان يونس، وفي الوسط دير البلح، بالإضافة إلى مدينة غزة التي كانت تضم 775 ألف نسمة. ومع ذلك، فقد نزح معظم هؤلاء السكان.

ومع تغير محاور العمليات العسكرية الإسرائيلية، اضطرت العائلات للنزوح المتكرر.

في المرحلة الأولى، طلب من سكان الشمال الانتقال إلى جنوب وادي غزة الذي يقسم القطاع إلى جزأين. ثم بدأت عمليات إخلاء بعض المناطق الجنوبية.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2023، أعلن الكيان الصهيوني منطقة “إنسانية” على ساحل البحر المتوسط في منطقة المواصي، والتي أظهرت صور الأقمار الصناعية وجود العديد من الخيام التي أقامها النازحون.

وفي مايو/آيار 2024، شن الكيان الصهيوني هجوماً برياً اجتاح مدينة رفح بالكامل، حيث كان فيها حوالي مليون شخص معظمهم من النازحين. كما أعلنت بعض مناطق خان يونس ودير البلح مناطق “موسعة لتقديم المساعدات الإنسانية.”

لكن مع توسع الهجمات الصهيونية بحجة اختباء مسلحين من حماس بين السكان، تقلصت هذه المناطق الإنسانية.

وبحسب الأمم المتحدة، في أغسطس/آب 2024، كان أكثر من 1.2 مليون شخص يعيشون في منطقة المواصي.

لم تكن البنية التحتية الأساسية والخدمات الحيوية متوفرة، كما أن حجم المنطقة ازداد من 7 كيلومترات مربعة إلى 72 كيلومتراً مربعاً خلال هذه الفترة، فيما بدأت الأمم المتحدة بالإبلاغ عن خطورة الاكتظاظ السكاني في المخيمات، كما لم تسلم هذه المنطقة من هجمات طائرات الاحتلال الصهيوني التي ارتكبت العديد من المجازر بحق النازحين في خيامهم.

أزمة المجاعة!

مؤسسة IPC، التي تعمل على تحديد المناطق التي تعاني من المجاعة، أعلنت أن 1.8 مليون شخص في غزة يعانون من مستويات عالية من نقص الغذاء، وأن 133 ألف شخص يعانون من صعوبة خطيرة في الوصول إلى الغذاء مع تأثيرات مدمرة محتملة.

ووفقاً لتحليلات IPC للفترة بين سبتمبر/أيلول 2024 وأغسطس/آب 2025، ارتفعت مستويات نقص الغذاء الحاد في غزة بمقدار 10 أضعاف مقارنة بفترة ما قبل الحرب.

قبل الحرب، كان حوالي 80% من سكان غزة يعتمدون بالفعل على المساعدات الإنسانية، أما بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أدى إغلاق الحدود من قبل الكيان الصهبيوني ومصر إلى توقف شحنات المساعدات لمدة 10 أيام تقريباً.

فيما استؤنفت الشحنات بمستويات أقل بكثير، وبحسب الأمم المتحدة، دخل غزة في يناير/كانون الثاني 2024 ما معدله 50 شاحنة مساعدات يومياً.

ورغم أن  الكيان الصهيوني يعارض بيانات الأمم المتحدة، فإن بياناتها الخاصة تظهر أنه في يناير/كانون الثاني 2024 دخلت غزة 140 شاحنة فقط، وأن أكبر عدد يومي من الشاحنات كان في أبريل/نيسان 2024، حيث بلغ 226 شاحنة يومياً.

وفي مارس/آذار 2024، أشار برنامج الغذاء العالمي إلى أن غزة تحتاج إلى دخول ما لا يقل عن 300 شاحنة يومياً لتلبية الاحتياجات الأساسية من الغذاء، مؤكداً أنه لم يتم دخول مثل هذا الرقم من الشاحنات منذ بداية الحرب.

مسؤولو الأمم المتحدة يلقون باللوم في منع دخول شاحنات الغذاء على القيود التي تفرضها القوات الصهيونية، واستمرار العنف، وانهيار القانون والنظام.

في المقابل، يتهم الكيان الصهيوني مؤسسات الأمم المتحدة ويدعي أنه لا يعرقل دخول المساعدات. كما يتهم حركة حماس بسرقة المساعدات، وهو اتهام تنفيه الحركة.

الفقر في تزايد مستمر

كما كان لحرب الإبادة الجماعية تأثير مدمر أيضاً على اقتصاد غزة.

ووفقاً لتقرير البنك الدولي، انكمش اقتصاد غزة بنسبة 86% في الربع الأول من عام 2024، مما يجعله “أكبر انكماش اقتصادي مسجل” في التاريخ.

وأشار البنك الدولي إلى أن ما يقرب من 100% من سكان غزة يعيشون الآن في فقر مدقع، بعد أن كانت النسبة 64% قبل الحرب، كما ارتفعت أسعار الاحتياجات الأساسية بنسبة تقارب 250%.

وقدّر تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD) التكلفة الإجمالية للأضرار الناتجة عن الحرب بـ 18.5 مليار دولار بما فيها حجم الدمار في غزة لكافة المنشآت، وهو ما يعادل سبعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لغزة في عام 2022.

المناطق الخطرة في قطاع غزة باللون الأحمر!

وأكد البنك الدولي أن استعادة اقتصاد غزة إلى مستوياته في عام 2022 قد يستغرق 350 عاماً إذا استمرت القيود المفروضة منذ عام 2007، مشيراً إلى إمكانية تحسين الوضع إذا تم رفع هذه القيود.

 

كما أصبحت العديد من المؤسسات الصحية غير قادرة على العمل بسبب الأضرار ونقص المواد والمعدات والوقود.

كما تعرضت العديد من المستشفيات للمداهمات من قبل القوات الصهيونية، التي زعمت أن هذه المباني تُستخدم من قبل حماس لأغراض عسكرية، رغم عدم وجود أدلة على ذلك أو إثبات حقيقي من جهات مستقلة.

مستشفى “الشفاء” في غزة، الذي كان يعدّ من أكبر المؤسسات الطبية في القطاع، تعرض للدمار. ولم يبقَ منه سوى قسم الطوارئ الذي ما زال يعمل.

وادعت القوات الصهيونية أنه خلال عمليتين استهدفتا المستشفى، تم “قتل أو أسر مئات المقاتلين من حماس” في كافة أرجاء المستشفى، إضافةً إلى مصادرة أسلحة ومواد استخباراتية، دون أن تُقدم دليلاً حقيقياً على ذلك.

وبحسب منظمة الصحة العالمية (WHO)، فإن 18 فقط من أصل 36 مستشفى في غزة تعمل بشكل جزئي، إلى جانب 11 مستشفى ميدانياً ما زالت تقدم خدماتها.

مشفى الشفاء بعد تدميره

 

عملية إعادة إعمار طويلة

إلى جانب الحصيلة الإنسانية وحجم الدمار في غزة، يشير برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) إلى أن عملية إعادة الإعمار في غزة ستستغرق وقتاً طويلاً.

وقد أوضحت المنظمة أن أنظمة المياه والصرف الصحي أصبحت “شبه معطلة تماماً”، مسلطة الضوء على أكوام النفايات المتراكمة بالقرب من المخيمات والملاجئ.

كما حذرت من أن المواد الكيميائية المنبعثة من الألواح الشمسية المتضررة والذخائر المتفجرة قد تلوث مصادر المياه.

وقدرت UNEP أن حجم الدمار في غزة الناتج عن الحرب خلف 50 مليون طن من الأنقاض.

وتشير التقديرات إلى أن إزالة الأنقاض والمواد المتفجرة التي خلفتها الحرب قد تستغرق 21 عاماً.

وقالت المديرة التنفيذية لبرنامج UNEP، “إنغر أندرسن”، إن “الأضرار البيئية الجسيمة والمتزايدة في غزة قد تُجبر السكان على خوض فترة طويلة ومؤلمة من التعافي”.

مخيم جباليا- شمال قطاع غزة بعد تدميره

 

إعداد وتحرير: عبد الجواد أمين حميد

التعليقات مغلقة.