نشر الكاتب التركي أحمد جان كارا حسنان أوغلو مقالة جديدة تتناول التطورات الأخيرة في سوريا، مسلطاً الضوء على الآثار المترتبة على مغادرة السوريين لتركيا.
وقد نقل لكم فريق كوزال نت ترجمة كاملة للمقالة التي نُشرت على صحيفة “yeniakit” التركية
،والتي هاجم فيها الكاتب العنصريين الأتراك حيال احتمالات مغادرة السوريين لتركيا المتزايدة بعد سقوط نظام بشار الأسد.
مغادرة السوريين لتركيا.. كاتب تركي يهاجم العنصريين!
تخيل، أن تستيقظ ذات صباح فلا تسمع في الشوارع صوت طفل، ولا تجد حتى مبرراً للذين كانوا يلعنون اللاجئين ويصبّون عليهم غضبهم.
في كل صباح، تهمس أولى أشعة النهار بأصداء ذكريات الماضي في أذنك، ولكن إن خفت صوت الحياة فيك وفي شوارعك… تتردد في عقلك تلك العبارات المألوفة: “لا شيء كما كان”، ولكن حقاً لم يعد شيء كما كان؛ فقد فقدت المدينة سحرها.
تتذكر أغنية لفرقة “غروب يوروم” تبدأ بعبارة: “ذات صباح عندما استيقظت…”، وفي ذلك الصباح ستسأل نفسك: “هل كان مجرد حلم؟ هل اختفوا فعلاً؟”.
أيها الإنسان المتخبط ذو القبعة العتيقة! كنت غارقاً في غضبك على الدوام؛ ربما تجد راحتك الآن. لكن أخبرني، من أين جئت؟ هل قلت: “من ما وراء أدرنة أو وان؟”.
رؤوسكم الفاشية، العنصرية، والانفصالية مليئة بالعناكب وآخذة في التعفن. شعاراتكم مثيرة للسخرية بشكل مبالغ فيه. إن كنت لا تزال تحمل قلباً، أنصحك بأن تحاول فهم صمت هؤلاء الذين رحلوا. لأن هذا الفهم سيترك جرحاً عميقاً في أعماق قلبك.
هل تستطيع رؤية ما يختبئ خلف وجوه الناس الذين يحملون آثار الحرب؟ ستقول: “لدي عقل فارغ استهلكته المسلسلات المسائية ونتائج المباريات”. إذاً يا سيدي، أنت تشاهد المعاناة، الأمل، والفقدان فقط على شاشة السينما. ولكن ألا تعتقد أنك لن تؤمن حقاً إلا إذا أذبت الصخر الذي يسكن قلبك؟
فكر قليلاً؛ ماذا يمكن أن يُفقد برحيل شخص نشأ وترعرع على هذه الأرض؟ حتى ضحكات أولئك الأطفال الفقراء أكثر صدقاً من شمبانياك، وأنت تعلم ذلك جيداً… تقول: “هربوا خوفاً”، ولكن هل تدرك ما معنى أن يضطر الإنسان إلى مغادرة وطنه من أجل أطفاله؟ تتحدث كما لو كنت بطل امتحان لم تعشه، لأن الدماء “النقية” التي تجري في عروقك لم تُشفِ عجز عقلك عن التفكير.
تقضون اليوم بأكمله في البرامج تقولون: “الناس المتميزون يهربون إلى الخارج، الأطباء يذهبون إلى أوروبا، وهجرة العقول هكذا وهكذا”. ولكن عندما يتعلق الأمر بلاجئ، تختلف المعايير، أليس كذلك؟ لأنكم اختزلتم معنى الإنسانية طوال حياتكم في مجرد أن تكونوا أتراكاً، أن تكونوا “مجتهدين”، وأن تحترموا مؤسسكم. لكن الإنسانية الحقيقية كانت تكمن في القدرة على التعاطف حتى مع أعدائك.
ستقول: “هذه الكتابة مليئة بالمبالغات غير الضرورية”، أليس كذلك؟ بالطبع ستقول ذلك، لأنك لم تكن يوماً لاجئاً. لم تخرج يوماً من منطقة راحتك… لم تجد نفسك فجأة وسط حرب… لم تسِر جائعاً مع أطفالك لمئات الكيلومترات. هل تعرف ما معنى أن تُجبر على ترك وطنك إلى وطن آخر؟
أولئك اللاجئون الذين تحتقرهم وتنتقدهم باستمرار، أليس أنت أو أمثالك من دفع لهم إيجارات بأضعاف أسعارها الطبيعية؟ بالطبع لا، لأن من فعل ذلك لم يكن تركياً، بل كان سورياً، أليس كذلك؟
من الذين تعرضوا للإهانة في الشوارع والتحرش في الحافلات والمترو؟ أليسوا أولئك الذين أُلقيت كل جريمة على عاتقهم من قِبَل العنصريين وأعضاء حزب “النصر” التركي الكمالي؟
هناك طفل صغير، سوري، يسكن في حي قريب من منزلي. أزورهم أحيانًا وأتعرف على عائلته. تخبرني والدته كيف يُهان طفلها باستمرار في المدرسة، تلك الصدمة النفسية التي يعاني منها ذلك الطفل، لا تستطيع أمة بأكملها أن تداويها.
مسألة التهميش هذه أعمق مما يمكن أن يفهمه العنصريون وأصحاب الفكر الفاشي القائم على التمييز.
سوريا اليوم أرض غرست فيها جذور الألم. ونحن، عندما لجأ أولئك الذين هربوا من هذا الألم ومزقوا أنفسهم للنجاة إلى بلادنا، عاملناهم بظلم لا يصدق. بالطبع، ليس الجميع يردد نفس الخطاب العنصري، وأستثني هؤلاء من حديثي. لكن مغادرة السوريين لتركيا ورحيل اللاجئين يعني في الواقع فقدان جزء من أنفسنا، وهذه الحقيقة يجب أن تدركوها جيدًا.
التركية، العربية، الكردية، الفارسية… لكل لغة هنا صرخة. وإذا غابت إحدى هذه الصرخات، قد تخسر هذه الأرض جزءًا من جوهرها. ولكن ماذا عن الاقتصاد؟ هل ستختفي مساهمة السوريين في المصانع، والمزارع، وقطاع البناء؟ هل سيتوقف دوران عجلة التجارة في حال مغادرة السوريين لتركيا.
في النهاية، أكثر ما سيبقى في الأذهان عند رحيلهم هو أنهم لم يكونوا مجرد ضيوف، بل كانوا جزءًا لا يتجزأ من هذه الأرض.
وإذا رحل اللاجئون، فإن الكماليين سيكونون الأكثر فرحًا بمشاهدة مغادرة السوريين لتركيا. لكن فقط رؤية فرحتهم تلك كفيلة بأن تُثقلنا بالحزن.
إعداد وتحرير وترجمة: عبد الجواد أمين حميد
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.