ما يزال العديد من اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا في حيرة من أمرهم حيال الرغبة في العودة للوطن بعد سقوط نظام الأسد، وما بين خيار البقاء في تركيا، فما هي التحديات التي تواجه عودة السوريين من تركيا لسوريا؟
وفي هذا السياق رصد فريق منصة كوزال نت تقريراً أعده موقع الجزيرة نت، حول المعوقات التي تحول دون عودة اللاجئين السوريين من تركيا لبلادهم المُحررة.
وتحدّث المواطن أحمد رسلان، الحاصل على الجنسية المزدوجة، للجزيرة عن التحديات التي تحول دون عودة السوريين من تركيا لسوريا، مشيرًا إلى عدة معوقات، من أبرزها: عدم القدرة على العودة إلى تركيا بعد مغادرتها، وارتفاع تكاليف السفر، فضلاً عن صعوبة إعادة تأهيل المنازل المدمرة داخل سوريا.
ومن جانبه، واجه السوري محمد الريس تجربة مشابهة، إذ لم يتمكن من العودة إلى تركيا رغم حصوله مسبقًا على إذن رسمي من دائرة الهجرة في إسطنبول يسمح له بزيارة سوريا ثم العودة لاحقًا.
وأوضح الريس أنه سافر إلى سوريا ومكث فيها نحو شهرين، لكنه عند محاولته العودة عبر معبر الراعي في 21 يونيو/حزيران 2025، أُبلغ من قبل الموظفين هناك بأن بيانات إقامته في تركيا لم تعد موجودة ضمن النظام الإلكتروني.
وأضاف أنه بعد تواصله مع دائرة الهجرة، تبيّن أن إقامته قد أُلغيت بدعوى وجود مشكلة تتعلق بعنوان سكنه المسجل، وطُلب منه تسليم بطاقة الإقامة، قبل أن يُمنع من الدخول ويُطرد من المعبر، على حد قوله.
أشار الريس إلى أن عائلته لا تزال تقيم في المنزل نفسه بتركيا، ورغم تقديمه عقد الإيجار الموثّق من كاتب العدل لإثبات صحة عنوانه، فإن الموظف تجاهل الوثيقة ولم يأخذها بعين الاعتبار.
تحديات تُعرقل عودة السوريين من تركيا لسوريا
وبعد سنوات من النزوح القسري ومشقة الغربة، تلاشى حلم العودة إلى الوطن لدى كثير من السوريين الذين دفعتهم مأساة النزوح إلى مغادرة بلادهم هرباً من بطش نظام الأسد البائد.
فالأشهر الستة التي تلت سقوط النظام السابق لم تكن كافية لإزالة العقبات التي لا تزال تحول دون عودة السوريين من تركيا لسوريا.
ويشرح أحمد رسلان، الحاصل على الجنسية التركية، التحديات التي تعترض طريق عودة السوريين من تركيا لسوريا، مشيراً إلى أنها تختلف باختلاف وضع السوريين القانوني:
الفئة الأولى: حاملو بطاقة الحماية المؤقتة (اللاجئون)
هؤلاء، كما يقول رسلان، غير قادرين على الذهاب إلى سوريا ثم العودة إلى تركيا، إذ تُسجّل مغادرتهم تحت بند “العودة الطوعية”، وهو تصنيف يُفقدهم حق العودة لاحقاً إلى الأراضي التركية. ويواجه كثير من هؤلاء واقعاً قاسياً في الداخل السوري، إذ إن منازلهم مدمرة وقراهم تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة والخدمات الأساسية.
ويضيف أن السلطات التركية منحت بعض أرباب الأسر إذناً خاصاً لزيارة سوريا مرة واحدة بهدف ترميم منازلهم تمهيداً لنقل عائلاتهم لاحقاً. إلا أن هذا الحل يصطدم بتحديات مالية ضخمة، منها تكلفة نقل الأثاث، وصعوبة الترميم نفسها، خصوصاً لمن قضوا سنوات في تركيا يعملون كعمال بـ”اليومية” دون دخل ثابت أو مدخرات كافية.
الفئة الثانية: مزدوجو الجنسية التركية
هؤلاء يُسمح لهم بالسفر فقط عبر المطارات الدولية إلى دمشق أو بيروت أو عمّان، ما يفرض أعباء مالية هائلة على العائلات الكبيرة. فتأمين جوازات سفر سورية لكل فرد، إلى جانب تذاكر الطيران، قد يكلّف الأسرة الواحدة ما يزيد على 5 آلاف دولار، وهو مبلغ يفوق قدرة معظمهم.
ويتابع رسلان موضحاً أن واحدة من أكثر المشكلات تعقيداً تتعلق بغياب الوثائق الثبوتية السورية، إذ إن كثيراً من العائلات خرجت من سوريا دون أن تحمل معها أية أوراق رسمية، كما أن أطفالاً كُثر وُلدوا في تركيا دون أن يُسجّلوا في السجلات المدنية السورية، ما يعني عدم وجود مستندات أساسية مثل إخراج القيد أو الهوية أو دفتر العائلة، وهي وثائق ضرورية لأي إجراء قانوني في سوريا.
دمار وقانون ومنع
في ظل تزايد أعداد السوريين العائدين من تركيا إلى وطنهم عبر المعابر الحدودية، تبرز أمامهم تحديات عديدة تعيق استقرارهم وتهدد استمرارية عودتهم، وهي تتوزع بين عوائق ميدانية وقانونية:
أولاً: التحديات الميدانية
الكثير من السوريين يعودون إلى بلدات وقُرى مدمّرة تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، ما يجعل العودة الفعلية إلى منازلهم شبه مستحيلة في ظل الخراب الهائل الذي خلّفه النظام السابق، وانعدام البنية التحتية والخدمات الأساسية.
ثانياً: العوائق القانونية
بالنسبة لحاملي الجنسية المزدوجة (السورية–التركية)، فإن السلطات التركية لا تسمح لهم بدخول سوريا براً، بل تفرض السفر حصراً جواً إلى مطارات دمشق أو بيروت أو عمّان، وهو ما يضيف أعباء مالية وتنظيمية ثقيلة على كاهلهم.
ورغم هذه التحديات، عملت السلطات التركية على اتخاذ بعض الإجراءات لتيسير العودة، خصوصاً لحاملي بطاقة الحماية المؤقتة “الكِملك”، حيث سمحت لهم بالعودة مع أمتعتهم وأثاث منازلهم عبر المعابر البرية، كما منحت رب الأسرة إذناً لزيارة سوريا أكثر من مرة، في محاولة لتمكينه من تهيئة سكنه قبل نقل عائلته.
في المقابل، يشير اللاجئ السوري محمد الريس، الذي مُنع من العودة إلى تركيا، إلى أن ما يحدث لا يخلو من شبهة سياسية. ويرى أن الأسباب الرسمية المعلنة، مثل مشاكل “عنوان السكن”، قد تكون مجرد غطاء لخطة غير معلنة تهدف إلى دفع السوريين نحو “العودة الطوعية” قسراً، من خلال منع من غادروا سوريا من الدخول مجدداً إلى تركيا.
ويضيف الريس أن رحلته إلى سوريا بعد ست سنوات من الغربة كانت بهدف دراسة الواقع المعيشي وفرص العمل في مجال الإعلام، تمهيداً لترتيب عودته النهائية لاحقاً من تركيا. لكنه فوجئ بعدم السماح له بالعودة رغم حصوله على إذن رسمي، مما أجبره على ترك جميع ترتيباته غير مكتملة، ليُضطر لإلقاء عبء تصفية التزامات المنزل ونقل الأثاث وسداد الفواتير على زوجته وطفله الصغير.
ترتيبات العودة: تنظيم واستجابة متزايدة
وأكد مدير العلاقات في الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية السورية، مازن علوش، أن عدد السوريين العائدين من تركيا عبر المنافذ البرية منذ سقوط النظام وحتى منتصف يونيو/حزيران 2025، تجاوز 275 ألف شخص.
وأوضح علوش أن النسبة الكبرى من هؤلاء العائدين—نحو 95%—دخلوا من خلال معبري باب الهوى في محافظة إدلب وباب السلامة في ريف حلب الشمالي، بينما توزعت النسبة المتبقية على المعابر الأخرى.
وأشار إلى أن المعابر الحدودية السورية التركية تشهد تزايداً ملحوظاً في حركة العائدين من حاملي بطاقة الحماية المؤقتة “الكملك”، وذلك في سياق ما يُعرف بـ”العودة الطوعية”، والتي اختارها آلاف السوريين تماشياً مع التغيرات الأمنية والإدارية التي شهدتها البلاد، بعد استعادة مؤسسات الدولة دورها في بسط الأمن وتأمين مقومات الاستقرار.
وأضاف أن الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية تبذل جهوداً كبيرة لضمان عبور آمن وسلس للعائدين، بدءاً من استقبالهم في المعابر المعتمدة، مروراً بسرعة إنجاز معاملاتهم، وصولاً إلى توفير الكوادر الفنية والإدارية لتيسير الإجراءات ومرافقة العائدين خلال دخولهم إلى البلاد، بما يشمل تأمين نقل الأمتعة والأثاث الشخصي.
أعاد تحريرها: عبد الجواد أمين حميد
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.