إعادة إعمار سوريا تحتاج إلى ما هو أكثر من الإسمنت والطوب!

إصلاح النسيج الاجتماعي الذي يجمع الشعب السوري شرط أساسي، وهذه المهمة تتطلب استثمارات كبيرة من جميع الأطراف المعنية. هناك حاجة إلى “عقد اجتماعي جديد” بالتوازي مع إعادة إعمار سوريا، كما يجب رفع العقوبات وإيقاف هجمات الكيان الصهيوني.

في سوريا، كما يُقال في التعبير الشائع حديثًا، “نحن في اليوم صفر”، فبعد سقوط نظام الأسد، لا بد من إعادة بناء الدولة والمجتمع حيث أن البلاد ستتحول إلى ورشة عمل ضخمة، ولكن كما أوضح تامر قرموط، أستاذ السياسات العامة في معهد الدوحة للدراسات العليا، في مقال نُشر على موقع الجزيرة، فإن هذه العملية لن تكون باستخدام الأسمنت والطوب، بل ستكون إعادة بناء للجانب الإنساني.

فيما يلي أبرز ما ورد في المقال الذي نقله لكم فريق تحرير منصة كوزال نت نقلاً عن موقع “fikirturu“:

“بعد أكثر من عشر سنوات من الصراعات المدمرة، فإن إعادة إعمار سوريا ليست بالمهمة السهلة. الدمار الذي أصاب البلاد لم يقتصر على البنية التحتية المادية فحسب، بل امتد إلى الأنظمة الإدارية والنسيج الاجتماعي الذي كان يجمع الشعب. ورغم أن حلم سوريا مزدهرة وقوية وموحدة بعد سقوط نظام الأسد يبدو ممكنًا، فإن تحقيق هذا الحلم يتطلب تلبية مجموعة من الشروط الأساسية ليتمكن البلد من النهوض من تحت الرماد.”

قبل إعادة إعمار سوريا لا بد من عقد اجتماعي جديد

أولاً، لضمان انتقال سلس نحو الديمقراطية، يجب تشكيل حكومة انتقالية تتمتع بسلطة معترف بها من جميع الأطراف المعنية، إذ لن تنجح محاولات وجهود إعادة إعمار سوريا إلا إذا قادتها حكومة شاملة ومستقرة تحظى بالاعتراف الدولي وثقة الشعب السوري.
كما لا يمكن بناء سوريا جديدة دون عقد اجتماعي جديد يدافع عن حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون. ويتطلب إعداد هذا العقد توحيد العقول اللامعة والقادة الفكريين السوريين، بالإضافة إلى دعم حقيقي من المجتمع الدولي.

كما أن عملية انتقال تقودها الأيدي السورية حصراً، مع دعم كامل من المؤسسات الدولية من خلال مشاركة الخبرات وتوفير الدعم الفني، يمكن أن تحقق إعادة إعمار ناجحة.

ونظرًا لأن البيئة السياسية الحالية تتميز بالتشتت وغياب مسار واضح نحو حكومة مستقرة وتمثيلية شاملة، فإن هذه المهمة ستكون شاقة. ومع ذلك، فإن غياب هذا الأساس سيؤدي إلى تفاقم الانقسامات بدلاً من معالجتها خلال جهود إعادة البناء.

 

يجب أن تتوقف إسرائيل وتوفر الأمن

ثانيًا، يجب ضمان استقرار الدولة السورية وأمن شعبها للبدء في إعادة إعمار سوريا، فلا يمكن إعادة بناء دولة بفعالية وهي تحت الهجوم وغارقة في الصراعات، إذ أن الغارات الجوية الإسرائيلية على الأراضي السورية، بالإضافة إلى توسيع سيطرتها على المزيد من الأراضي منذ سقوط نظام الأسد، زادت من حدة عدم الاستقرار.
هذه التصرفات لا تؤدي فقط إلى تدمير البنية التحتية، بل تقوّض أيضًا معنويات المجتمعات وتعيق آمال إعادة الإعمار والتعافي السريع.

كما ينبغي على المجتمع الدولي، أثناء متابعته عن كثب للإدارة الجديدة في سوريا ومحاولته تسهيل عملية انتقالية سلسة، أن يوجه رسالة واضحة وقوية إلى إسرائيل.
يجب أن تدين هذه الرسالة بشدة أفعال إسرائيل وتطالب بوقفها فورًا. ويجب أن يؤكد المجتمع الدولي بشكل واضح أن هذه التصرفات غير مقبولة ويجب وضع حد لها على الفور.

كذلك  فإن الاستقرار لا يعني فقط غياب الحرب، بل يشمل أيضًا خلق بيئة يشعر فيها الناس بالأمان الكافي لإعادة بناء حياتهم والاستثمار في مستقبلهم.
وفي هذه المرحلة الحرجة، آخر ما يحتاجه السوريون هو فتح جبهة حرب جديدة بكل ما ستجلبه من غموض وعدم استقرار للحكومة الانتقالية الجديدة.

رفع العقوبات

ثالثًا، يجب رفع العقوبات الدولية لكي تتمكن البلاد من النهوض مجددًا وللبدء في جهود إعادة إعمار سوريا.
وعلى وجه الخصوص، ينبغي إلغاء قانون قيصر الذي أصاب الاقتصاد السوري بالشلل وجعل جذب الاستثمارات الأجنبية شبه مستحيل. ورغم أن هذه العقوبات تهدف إلى الضغط على النظام السابق لتطبيق إصلاحات في مجال حقوق الإنسان والتخفيف من القمع، فإنها قد أثرت بشكل كبير على حياة السوريين العاديين، مما زاد من معاناتهم وأحبط آمالهم.

وقد يتردد المجتمع الدولي في رفع العقوبات تمامًا بسبب حالة عدم اليقين حول القيادة الجديدة في سوريا. ومع ذلك، يمكن اعتماد نهج أكثر توازنًا، فبدلًا من العقوبات العامة، يمكن تنفيذ استراتيجية محددة تشمل تخفيف القيود المفروضة على القطاع الخاص والشركات المحلية الديناميكية.
كما أن هذا النهج سيساهم في استقرار سوريا على المدى الطويل ويسرع من عملية إعادة الإعمار. وفي الوقت ذاته، يمكن الإبقاء على عقوبات مستهدفة ضد شخصيات حكومية معينة كأداة لتحفيز انتقال إيجابي إذا دعت الحاجة، حيث أن هذا الأسلوب يوازن بين ضرورة الإنعاش الاقتصادي وإعادة البناء وبين التحفظ والحذر.

تعزيز المجتمع المدني

رابعًا، يجب تعزيز المجتمع المدني ليلعب دورًا فاعلًا في عملية إعادة إعمار سوريا، إذ ينبغي إشراك المنظمات المحلية المستقلة عن كثب في جميع جهود إعادة البناء مع ضمان الشفافية والمساءلة، لاسيما أن سوريا  لم تمتلك تحت حكم عائلة الأسد مجتمعًا مدنيًا مستقلًا.

فقد أدى الحكم الحديدي الذي استمر لسنوات طويلة إلى خنق المبادرات المجتمعية وترك مجتمعًا غير مؤهل للمشاركة الشعبية الفعالة. ومع ذلك، خلال فترة الانتقال وإعادة البناء الشاملة، سيكون للمجموعات الشعبية التي تدافع عن العدالة وتضمن وصول المساعدات إلى مستحقيها دور بالغ الأهمية. بدون هذه الجهود، يواجه مشروع إعادة إعمار سوريا خطر التلوث بالفساد والمحسوبية.

وذلك فإن على القيادة الجديدة في سوريا أن تعطي الأولوية لدعم وتقوية المجتمع المدني السوري لضمان إعادة إعمار ناجحة ومستدامة.

 

نقص في الموارد البشرية

إعادة بناء سوريا ليست مجرد مسألة سياسية فحسب، بل هي أيضًا لغز تقني معقد، إذ يحتاج البلد إلى أشخاص يمتلكون المعرفة والخبرة الفنية اللازمة لوضع خطة طويلة الأمد لإعادة الإعمار، وإنشاء ميزانية فعالة، ومكافحة العوائق التي ستظهر حتمًا في مشاريع إعادة إعمار سوريا.

لكن الجزء الصعب يكمن هنا: هل يجب على القادة الجدد في سوريا الاستفادة من خبرات المسؤولين في النظام السابق؟
هؤلاء المسؤولون والموظفون يمتلكون معلومات قيمة من الداخل، ولكن الروابط مع حكومة متهمة بأعمال فظيعة قد تؤدي إلى فقدان ثقة قطاعات واسعة من الشعب في العملية بأكملها.
لذلك من المهم للغاية إيجاد التوازن الصحيح، إذ يجب أن تشمل جهود إعادة الإعمار جميع السوريين، وخاصة النساء والأطفال والمجموعات الأقلية الذين تأثروا بالحرب بشكل كبير. إن منح سلطات كبيرة للأشخاص الذين لديهم علاقات وثيقة مع النظام السابق لن يؤدي فقط إلى عزل بعض الفئات، بل سيكون أيضًا طريقة مؤكدة لإشعال التوترات من جديد وتخريب جهود إعادة البناء قبل أن تبدأ.

من سيتحمل تكلفة إعادة إعمار سوريا؟

إعادة إعمار سوريا ستكون مكلفة للغاية. فمن سيقوم بدفع هذه التكاليف؟ لا يمكن للقيادة الجديدة في سوريا أن تقوم بذلك بمفردها باستخدام ما تبقى في خزينة الدولة.
لذلك سيكون من الضروري أن يقدم ائتلاف من المانحين الدوليين، بما في ذلك وكالات الأمم المتحدة، تمويلًا شاملاً للبلاد. ومع ذلك، إذا كان هناك حكومة يثق بها الشعب، فإنهم سيفتحون محافظهم.
ومن ناحية أخرى، يجب على المانحين أن يعرفوا أن أموالهم لن تذهب سدى أو تُسرق، ومن المهم أيضًا التأكد من أن المساعدات إلى سوريا ليست فوضوية أو موجهة لأغراض سياسية، فإذا ربط المانحون مساعداتهم بمطالبهم السياسية وأولوياتهم، فإن ذلك سيؤدي إلى ضياع الجهود، ووجود ثغرات في المساعدات، وزيادة عدم الثقة.

كما أن هناك حاجة إلى نهج موحد يعطى الأولوية للاحتياجات الحقيقية للشعب السوري، ويمنع تشكيل جهود المساعدات بناءً على الألعاب السياسية.
ويمكن لسوريا أن تستفيد من استضافة مؤتمر شامل لإعادة الإعمار من خلال جمع المانحين الدوليين والحكومة السورية الجديدة معًا لتحديد أولويات إعادة إعمار سوريا، وتوفير التعاون الشفاف، وبدء عملية إعادة بناء البنية التحتية والنسيج الاجتماعي للبلاد.

يجب إعادة إحياء التعليم

أخيرًا، سيكون التعليم أمرًا بالغ الأهمية في إعادة إعمار سوريا لتصبح دولة حيوية وشاملة ومزدهرة، إذ أن نظام التعليم القوي يشجع  المجتمع الذي يقدّر حقوق الإنسان والمشاركة المجتمعية والعدالة.
وفقط من خلال الاستثمار في التعليم والمشاركة المجتمعية يمكن لسوريا تحسين نسيجها الاجتماعي وتربية جيل يفضل الحوار والتعاون بدلاً من الصراع.

أهم جانب في إعادة إعمار سوريا سيكون إعادة بناء المجتمع السوري، فخلف جميع هذه المسائل التقنية، هناك أشخاص حقيقيون، أسر فقدت أحبائها في الاعتقالات التعسفية، أطفال تم حرمانهم من التعليم، مجتمعات تعيش في صدمة.
كما أن إعادة البناء لا تعني فقط إصلاح الطرق والمنازل والمدارس والمستشفيات، بل أيضًا استعادة كرامة الناس وآمالهم، ولذلك يحتاج السوريون إلى أن يشعروا أن معاناتهم لم تكن عبثًا، وأن لديهم صوتًا في مستقبل بلدهم، وأن الأيام القادمة تحتوي على أكثر من الفقدان والصراع.

إعادة بناء سوريا ستستغرق وقتًا، وستتطلب من جميع الأطراف المعنية إظهار التفاني.
وهذا لا يتعلق فقط بالبناء المادي، بل بإعادة بناء الثقة، وإشراك الجميع في العملية، وضمان محاسبة الأشخاص.
الطريق أمامنا طويل، لكن عندما يتم إعداد الأرضية الصحيحة، هناك أمل في أن تصبح سوريا دولة نامية وقوية. هذه معركة مهمة للسوريين ولجميعنا.

إعادة تحرير: عبد الجواد أمين حميد

التعليقات مغلقة.