الحقبة الجديدة في سوريا: ما هي توقعات تركيا والدول العربية والغرب؟

بعد إسقاط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر /كانون الأول 2024 على يد جماعات المعارضة بقيادة “هيئة تحرير الشام (HTŞ)”، بدأت  الحقبة الجديدة في سوريا في التركيز على مستقبل البلاد، ولأجل ذلك عُقد اجتماع على أعلى المستويات في 12 يناير/كانون الثاني 2025، استضافته المملكة العربية السعودية في العاصمة الرياض.

ووفقاً لما ترجمه فريق كوزال نت عن موقع قناة “BBC Türkçe“، شهد الاجتماع حضوراً بارزاً من دول عربية وغربية، بالإضافة إلى مشاركة وزير الخارجية السوري الجديد، “أسعد حسن الشيباني”، ما لفت الأنظار بشكل خاص حول الحقبة الجديدة في سوريا.

كما حضر الاجتماع ممثلون عن الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الخليجي، فيما مثّل تركيا في الاجتماع وزير الخارجية التركي “هاكان فيدان”، بينما مثّل الولايات المتحدة نائب وكيل وزارة الخارجية “جون باس”.

وناقش المجتمعون توقعات المجتمع الدولي من الإدارة السورية الحالية في الحقبة الجديدة في سوريا، حيث أكدت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مجدداً على مطالبها برفع العقوبات المفروضة على سوريا، شرط تلبية متطلبات محددة من قبل الحكومة الجديدة.
وتم الإعلان عن أن القرارات النهائية بشأن هذا الموضوع ستصدر في الأسابيع المقبلة.

من جهة أخرى، جاءت التوقعات العربية، وعلى رأسها من السعودية، لتؤكد على أهمية ضمان عدم السماح “بالنزعات المتطرفة” في سوريا.

أما تركيا، فقد ركزت على ملف “مكافحة الإرهاب”، مشيرة إلى استعدادها لاتخاذ المبادرات اللازمة لضمان تطهير سوريا من الجماعات الإرهابية.

الموضوع الأكثر أهمية  في الحقبة الجديدة في سوريا هو رفع العقوبات

عقد الاجتماع في الرياض يعكس رغبة المملكة العربية السعودية في لعب دور أكبر كـ”أبرز ممثل للعالم العربي” في القضايا المتعلقة بمستقبل سوريا، وهو ما يعد دلالة بارزة على مكانتها الإقليمية المتزايدة.

وأعلن وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، الذي كشف عن القرارات والمناقشات التي جرت خلال الاجتماع، أن محور اللقاء في الرياض كان يتمحور حول رفع العقوبات المفروضة على سوريا.

الجدير بالذكر أن الحرب الأهلية التي اندلعت في سوريا عام 2011 بسبب أساليب القمع التي اتبعها نظام بشار الأسد ضد المتظاهرين، دفعت الدول الغربية والمؤسسات الدولية إلى فرض عقوبات اقتصادية قاسية على سوريا، إذ تفيد التقارير بأن النظام استخدم الأسلحة الكيميائية ضد المتظاهرين، مما أدى إلى تفاقم الوضع.

وتُعتبر هذه العقوبات العقبة الكبرى أمام توفير الدعم الاقتصادي والمالي الذي تحتاجه الإدارة السورية بشدة في الحقبة الجديدة في سوريا.
وقد طالبت الحكومة السورية الجديدة بإلغاء هذه العقوبات في أقرب وقت ممكن.

كما أشارت التقارير إلى أن وزير الخارجية السوري، أسعد حسن الشيباني، ناقش هذه المطالب مع نظرائه الغربيين خلال الاجتماع، مؤكدًا رغبة بلاده في التعاون لتحقيق هذه الأهداف.

وبحسب التقديرات، فإن عملية إعادة إعمار سوريا تحتاج إلى موارد تُقدّر بحوالي 400 مليار دولار.

الاتحاد الأوروبي يناقش العقوبات في 27 يناير/كانون الثاني 2025

وخلال الاجتماع في الرياض، أعلنت كايا كالاس، الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، أن الاتحاد الأوروبي سيناقش رفع العقوبات عن سوريا في الاجتماع المقرر عقده في 27 يناير/كانون الثاني 2025.

وشددت كالاس على أن عملية رفع العقوبات تعتمد على تحقيق شروط معينة، مؤكدة أهمية أن تكون الإدارة الجديدة في سوريا شاملة، تضم النساء ومختلف الفئات المجتمعية.

وأشارت كالاس إلى أن مواصلة العملية السياسية في بيئة سلمية، وحماية حقوق الأقليات، والالتزام بحقوق الإنسان الأساسية تُعد من الأولويات التي يوليها الاتحاد الأوروبي اهتمامًا خاصًا.

من جهتها، أكدت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك على ضرورة اتباع “نهج ذكي” في عملية رفع العقوبات، مشيرة إلى ضرورة استمرار العقوبات المفروضة على عناصر النظام السابق الذين ارتكبوا جرائم حرب، مع التأكيد على أهمية اتخاذ خطوات لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة للشعب السوري.

كما شدد وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي على نفس النقطة، داعياً إلى إنشاء آليات تضمن محاسبة المسؤولين عن ارتكاب جرائم حرب ضد الشعب السوري.

نهج إدارة ترامب موضع ترقب

الولايات المتحدة تنتظر تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترامب في 20 يناير/كانون الثاني 2025 لتحديد أسس العلاقة مع الإدارة الجديدة في سوريا.

وكانت واشنطن قد منحت سوريا إعفاءً لمدة 6 أشهر للسماح بإيصال المساعدات الإنسانية وإجراء بعض العمليات المتعلقة بالطاقة. ومع ذلك، سيتم تقييم رفع العقوبات بشكل كامل خلال المرحلة القادمة.
كما تشمل هذه التقييمات احتمال إزالة “هيئة تحرير الشام” (HTŞ) من قائمة “المنظمات الإرهابية”.

الجدير بالذكر أن أحمد الشرع، زعيم الإدارة الجديدة في سوريا (الذي كان يُعرف سابقًا باسم محمد الجولاني)، كان سابقًا قائدًا لهيئة تحرير الشام، وهي الشخصية التي وضعت الولايات المتحدة مكافأة قدرها 10 ملايين دولار مقابل القبض عليه. ومع ذلك، ألغت واشنطن مؤخرًا قرار المكافأة.

أولوية أخرى للولايات المتحدة في الحقبة الجديدة في سوريا هي ضمان استمرار الحرب ضد تنظيم داعش في شرق سوريا، مع الحفاظ على مراقبة أعضاء التنظيم وعائلاتهم المحتجزين في السجون والمخيمات.

وفي هذا السياق، كثفت واشنطن محادثاتها مع تركيا. ومع ذلك، ستُتخذ القرارات النهائية بشأن هذه القضايا من قبل إدارة ترامب.

 

تركيا وقطر هما الدولتان الأقرب إلى سوريا

ومنذ اندلاع الثورة في سوريا، حافظت تركيا وقطر على علاقة وثيقة للغاية، ولا تزالان تتحركان بشكل مشترك بعد أحداث 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.

وقد قامت الدولتان بافتتاح سفارتيهما في دمشق بعد مغادرة الزعيم المخلوع بشار الأسد البلاد متوجهاً إلى روسيا، وأجرتا اتصالات رفيعة المستوى مع الإدارة الجديدة.

كما تسعى تركيا وقطر إلى لعب دور بارز في تشكيل العملية السياسية وإعادة إعمار سوريا، مع التركيز على توسيع نطاق نفوذهما الإقليمي في المنطقة.

وفي هذا السياق، يُذكر أن أنقرة تهدف إلى إنشاء منصة منفصلة للتعاون مع جيران سوريا -باستثناء إسرائيل- للاستفادة من ميزة القرب الجغرافي في إعادة الإعمار خلال الحقبة الجديدة في سوريا.

من أولويات تركيا الأخرى ضمان أمن حدودها.

وفي شمال سوريا، حيث تسيطر تركيا على مناطق معينة، تطالب أنقرة بتفكيك قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تدعمها الولايات المتحدة وتُعد وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) عمودها الفقري، وتعتبرها تركيا تهديداً لأمنها القومي.

وقد نقل وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، هذه التطلعات إلى نظرائه مرة أخرى خلال الاجتماع الذي عُقد في الرياض.

الدول العربية لا تريد وصول عناصر متطرفة إلى السلطة

من بين القضايا التي توليها الدول العربية، وخاصة دول الخليج ومصر، اهتماماً كبيراً هي ضمان عدم احتواء الحقبة الجديدة في سوريا على عناصر ذات طابع إسلامي سياسي أو ميول متطرفة.

الجدير بالذكر أن “الربيع العربي”، الذي بدأ في عام 2010 بمطالب ديمقراطية واقتصادية، أثّر على العديد من الأنظمة الملكية والأوتوقراطية في المنطقة، وأسفر عن تغييرات في الحكم في بعض الدول، بما في ذلك مصر.

تطور العلاقات الإيجابية بين الدول العربية والنظام السوري الجديد، وحاجة دمشق إلى التعاون مع دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، لإعادة الإعمار، يُنظر إليه كعامل توافق مهم بين الجانبين.

ومن القضايا الأخرى التي طرحتها الدول العربية وتركيا ودول المنطقة، هي عدم استغلال إسرائيل لمرحلة الانتقال السياسي في سوريا لتحقيق مصالحها الإقليمية.

وقد أثار تعزيز إسرائيل لوجودها على الأراضي السورية اعتراضات واسعة من دول المنطقة.

إعداد وتحرير: عبد الجواد أمين حميد

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.