العودة إلى سوريا: الأحلام والحقائق!

تتزايد المطالب بعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بشكل ملحوظ في تركيا، وبغض النظر عن البعد القانوني، يمكن القول إن هذه المطالب مفهومة من الناحية الاجتماعية، فالمواطنون الأتراك الذين يعانون من صعوبات اقتصادية ويشهدون التحولات في مدنهم، يصبح من السهل عليهم تصديق السياسيين الذين يستهدفون اللاجئين السوريين ويزعمون كذباً أن طرح فكرة العودة إلى سوريا يمكن أن تتم بسرعة كبيرة.

ووفقاً لما نقله وترجمه فريق تحرير منصة كوزال نت عن موقع “Timeturk“، فإن الادعاءات الوهمية والمفصولة عن الواقع بشأن العودة إلى سوريا لا تفيد لا السوريين في عودتهم ولا تركيا بأي شكل من الأشكال بحسب مقالة الكاتب التركي عمر كيزيلتشيك “Ömer Kızılcık”.

إذ أن هذه الادعاءات تؤدي إلى إحداث توقعات غير واقعية بين الناس في تركيا وتغيير سلوكياتهم بناءً على افتراضات خاطئة. الأكاذيب التي تُقال بغرض كسب الأصوات تمنع تركيا من تصحيح أخطاء سياساتها المتعلقة بالهجرة وتجعلها تهدر وقتها في قضايا وهمية غير حقيقية، فكل يوم لا تتخذ فيه تركيا الخطوات اللازمة في سياسة الهجرة، ترتفع تكلفة الهجرة وتتناقص الفوائد التي يمكن أن تجلبها.
مسألة الهجرة التي يمكن أن تتحول إلى مكسب للطرفين تُدفع نحو دوامة الخسارة للطرفين. سيتناول هذا المقال اثنين من الادعاءات الوهمية الرئيسية المتعلقة باللاجئين السوريين، ويوضح لماذا لا تستند هذه الادعاءات إلى الواقع من خلال حقائق مجربة. بعد ذلك، سيتم تقديم نهج واقعي حول مسألة العودة إلى سوريا.

الحجة الأولى في موضوع العودة إلى سوريا: ”دعونا نطبع مع الأسد ونترك السوريين يعودون إلى بلدهم“

إن الاعتقاد الخاطئ الأكبر في سياق وجود السوريين في تركيا هو الافتراض بأن طالبي اللجوء السوريين سيعودون إلى بلادهم بعد تطبيع العلاقات مع نظام الأسد وتهيئة الظروف بخصوص العودة إلى سوريا.
وينبع هذا الافتراض من الجهل بالواقع في سوريا وبتجارب دول أخرى غير تركيا يعيش فيها طالبو اللجوء السوريون، ويمكن دحض هذه الحجة الوهمية التي تستند إلى نقص المعلومات على أربعة أسس.

حالة لبنان والأردن

الفرضية القائلة بأن “عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم ستحدث عند تطبيع العلاقات مع نظام الأسد” يمكن تحليلها من خلال تجربتي الأردن ولبنان. فقد قام البلدان بتطبيع علاقاتهما مع نظام الأسد في عام 2018.
وبعد هذا التطبيع، وقعت الدولتان اتفاقيات مع دمشق بخصوص إتاحة العودة إلى سوريا لتحقيق عودة اللاجئين، وتم إنشاء آلية لعودتهم. وفقًا لهذه الآلية، كان على الأردن ولبنان إرسال قوائم بأسماء اللاجئين إلى دمشق للموافقة عليها، على أن يضمن النظام السوري سلامة العائدين. وكان من المقرر أن تشارك الأمم المتحدة في هذا العملية.

في البداية، وافق النظام السوري تقريبًا على جميع الأسماء الواردة في القوائم المرسلة. وفي عام 2019، عاد أول مجموعة من السوريين الذين وثقوا في هذه الضمانات الأمنية إلى بلادهم. إلا أنهم تعرضوا للتعذيب، والاعتداء، والسجن، ومصادرة ممتلكاتهم، والاستجواب، وحتى القتل والعنف. نتيجة لذلك، توقف اللاجئون في لبنان والأردن عن التقدم للعودة عبر هذه الآلية. وبعد أن لاحظت الدولتان تراجع طلبات العودة، بدأتا في إعداد قوائم بأسماء عشوائية، لكن النظام السوري رفض الموافقة على أي من هذه القوائم.

وقد أرجع نظام الأسد سبب رفضه إلى نقص البنية التحتية في سوريا، وطلب من الأردن ولبنان إيجاد تمويل لإعادة إعمار تلك البنية، منذ ذلك الحين، تراجعت عودة اللاجئين من لبنان والأردن إلى سوريا بشكل كبير.

وتشير البيانات إلى وضع مأساوي، فباستثناء عام 2019، عندما تم توقيع الاتفاق وإنشاء الآلية، لم يسهم التطبيع مع الأسد في تسريع العودة إلى سوريا، فعلى العكس من ذلك، فقد تباطأت العودة بشكل ملحوظ، وبعد ارتفاع مؤقت في عام 2019، انخفضت أعداد العائدين إلى مستويات أقل حتى مما كانت عليه قبل التطبيع.

السبب الأساسي وراء انخفاض عدد العائدين مقارنة بما كان عليه قبل الاتفاق يكمن في الأهداف الديموغرافية لنظام الأسد. فالنظام السوري يمثل حكومة أقلية، وبعد الانتفاضات الشعبية التي اندلعت في عام 2011، أصبح يرى المعارضة والسُنة كتهديد وجودي.
وبما أن هذه المجموعات تشكل غالبية اللاجئين السوريين، فإن النظام ينظر إليها على أنها جماعات يجب ألا تعود إلى سوريا، ولهذا السبب، يتم إعاقة عودتهم رغم الاتفاقيات الموقعة.

في حين يبلغ عدد اللاجئين السوريين في تركيا حوالي 3.1 مليون، فإن العدد الإجمالي للاجئين السوريين في الأردن ولبنان يصل إلى 2.9 مليون. ونتيجة للسياسات التي طبقتها كل من لبنان والأردن منذ عام 2016، بلغ إجمالي عدد السوريين الذين عادوا إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام 163 ألفاًَ و357 شخصًا (الأردن: 71 ألفاً و859، لبنان: 91 ألفاً و498). وخلال نفس الفترة، بلغت أعداد العائدين إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية حوالي 670 ألف شخص، وذلك بفضل السياسات التي تطبقها تركيا.

المخيمات في سوريا

على عكس لبنان والأردن، فإن عودة السوريين إلى بلادهم في حال تطبيع تركيا علاقاتها مع نظام الأسد تعتبر أكثر صعوبة نسبياً، فالمناطق القريبة من حدود لبنان والأردن قد انتهت فيها الحرب وأصبحت تحت سيطرة نظام الأسد بالكامل.
لكن بالنظر إلى الحدود التركية السورية، فإن خطر موجة نزوح جديدة باتجاه تركيا يلوح في الأفق بدلاً من عودة السوريين إلى بلادهم.

ومن مناطق مثل حماة، حمص، دمشق، الغوطة، درعا، القلمون، دير الزور، الرقة، وحلب، هرب ملايين السوريين من نظام الأسد أو من تنظيم “حزب العمال الكردستاني” الإرهابي إلى مناطق إدلب وشمال حلب حيث يتواجد الجيش التركي.
وفي هذه المناطق التي كان يعيش فيها 1.5 مليون شخص قبل الحرب، ارتفع عدد السكان إلى 5.1 مليون نسمة. ومع احتساب منطقة عملية “نبع السلام”، يصل العدد إلى حوالي 5.5 مليون. بعض هؤلاء هم معارضون سوريون جرى نقلهم بالحافلات إلى هذه المناطق بواسطة نظام الأسد بوساطة روسية، ووفقاً للأمم المتحدة، يعيش ما يقرب من مليوني شخص في مخيمات على الحدود التركية السورية.

وإذا قامت تركيا بتطبيع علاقاتها مع نظام الأسد، فإن نزوح السكان من هذه المناطق باتجاه تركيا قد يصبح سيناريو محتملاً. 

أخيراً، على عكس لبنان والأردن، فإن أحد المعابر الحدودية فقط على حدود تركيا يخضع لسيطرة نظام الأسد، وهو معبر “كسب” في اللاذقية، إذ أن عودة السوريين عبر هذا المعبر تتعارض مع الحقائق الديموغرافية والاجتماعية في سوريا.

حالات العفو التي أعلن عنها نظام الأسد

أحد الحجج المطروحة في سياق التطبيع هو أن نظام الأسد سيعلن عن عفو عام عن اللاجئين السوريين.
ووفقاً لهذا المنطق، ستقوم تركيا بتطبيع علاقاتها مع نظام الأسد، وسيعلن الأخير عفواً عاماً يفتح الطريق أمام عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، ومع ذلك، فإن هذا النهج، كما في الأمثلة السابقة، لا يتوافق مع الواقع السوري.

 

ومنذ اندلاع الانتفاضة الشعبية في سوريا عام 2011 وحتى عام 2023، أصدر نظام الأسد ما مجموعه 24 قرار عفو.
ورغم أن إصدار هذه القرارات يُعتبر قانونياً من صلاحيات مجلس الشعب، فإنها صدرت مباشرة من بشار الأسد. ووفقاً لدستور عام 2012، فإن سلطة العفو تقع ضمن اختصاص المجلس، لكن تم توسيع صلاحيات الرئيس ليتمكن من إصدار عفو خاص.

 

وعلى الرغم من إصدار 24 قرار عفو بين عامي 2011 و2023، فإن العدد الإجمالي للمعتقلين الذين جرى الإفراج عنهم بموجب هذه القرارات بلغ فقط 7 آلاف و351 شخصاً.
وعند تحليل مضمون ومدة العفو، يتضح أن هذه القرارات استهدفت بالأساس فئة معينة من جمهور النظام.

ومن جهة أخرى، هناك تفصيلان غالباً ما يتم تجاهلهما في قرارات العفو الصادرة عن نظام الأسد. الأول يتعلق بالانتماء إلى “منظمات إرهابية”. إذ لدى النظام قائمة تضم أكثر من مليوني شخص يعتبرهم أعضاء في “منظمات إرهابية”، ويُستثنى هؤلاء وأسرهم من العفو. أما التفصيل الثاني، فهو استثناء الأفراد المتهمين بالتعاون مع دول أجنبية، مثل تركيا.
وبالتالي، يمكن اعتبار جميع اللاجئين السوريين في تركيا ضمن هذه الفئة المحتملة.

مصادرة الأصول

وبعد اندلاع الحرب في سوريا، قام نظام الأسد بمصادرة ممتلكات المعارضين السوريين في موجتين كبيرتين، إذ حدثت الموجة الأولى في عام 2012، حيث جرى تخصيص الممتلكات المصادرة لأشخاص مؤيدين للنظام.

أما الموجة الثانية فقد حدثت في عام 2018، وبموجب القانون المعروف باسم “القانون رقم 10” الذي أصدره النظام في ذلك العام، فقد جرى منح السوريين الذين لا يعيشون في سوريا أو في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام مهلة لمدة عام واحد.

وخلال هذه المهلة، إذا لم يقم الأفراد بالإبلاغ عن ممتلكاتهم شخصياً، تتم مصادرتها.
وفي هذا السياق، فإن جميع ممتلكات اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا قد تم مصادرتها منذ خمس سنوات. وتم تخصيص هذه الممتلكات لأشخاص موالين للنظام وميليشيات شيعية وأسرهم، جلبتهم إيران من الخارج إلى سوريا.

الحجة الثانية في موضوع العودة إلى سوريا: “لِنُقيد حقوق السوريين والخدمات المقدمة لهم في تركيا، ليعودوا إلى بلادهم”

هذه الممارسة، رغم أنها قانونياً مثيرة للمشاكل وتتعارض مع حقوق الإنسان، تعتبر وسيلة فعالة للغاية لمنع تدفق اللاجئين إلى بلد ما وضمان عودة اللاجئين الموجودين إلى بلدانهم وتحقيق هدف العودة إلى سوريا.

 ومع ذلك، فإن هذه الطريقة تكون فعالة فقط على الفئات التي هاجرت لأسباب اقتصادية، أما الفئات التي هاجرت بسبب الحرب، فلا يكون لهذه الطريقة تأثير يُذكر عليها. في تركيا، أنصار هذا الحُجَّة يعترفون ضمناً بأنهم يعتقدون أن اللاجئين السوريين قد هاجروا إلى تركيا لأسباب اقتصادية. كما يبدو أنهم يعتقدون أن الحرب في سوريا قد انتهت وأن الأوضاع المعيشية في سوريا قد تحسنت نسبياً. ومع ذلك، كما هو الحال مع الحجة الأولى، فإن هذه الفكرة بعيدة عن الواقع.

كما أن الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين الذين قدموا إلى تركيا هم من المناطق الشمالية في سوريا. ومع ذلك، لم تنتهِ الحرب في شمال سوريا بعد. فبينما انخفضت حدة التوترات نسبياً، إلا أن الاشتباكات ما تزال مستمرة، إذ يتم بانتظام شن هجمات على منطقة إدلب، وحتى القواعد العسكرية التي تتواجد فيها القوات التركية تتعرض لهجمات من حين لآخر. كما تتواصل الهجمات التي تنفذها ميليشيات “وحدات حماية الشعب” (YPG) على المناطق الآمنة التي أنشأتها تركيا، ولا يزال جزءٌ كبير من هذه المناطق الشمالية تحت سيطرة التنظيم.

من جهة أخرى، فإن انتهاء الحرب بمفردها لا يُعد كافياً لتحقيق هدف العودة إلى سوريا. فقد انتهت الحرب في وسط سوريا، أي في المناطق المحيطة بدمشق، وفي الغرب والشمال منها، وفي حمص وحماة والقلمون والغوطة. كما أن اللاجئين السوريين في لبنان، غالباً، من هذه المناطق.
ولو كان انتهاء الحرب هو العامل الحاسم للعودة، لكان من المفترض أن يعود اللاجئون السوريون في لبنان إلى بلادهم. علاوة على ذلك، بالمقارنة مع الوضع في تركيا، فإن ظروف حياة اللاجئين السوريين في لبنان أكثر قسوة بكثير.
وبينما يعاني المواطنون اللبنانيون من مشاكل اقتصادية كبيرة، فإن الوضع الاجتماعي والاقتصادي للاجئين السوريين في لبنان سيء للغاية، ولا تعترف الحكومة اللبنانية بحقوق الإنسان الخاصة باللاجئين السوريين.
وحتى في ظل هذه الظروف الصعبة، فإن اللاجئين السوريين الذين يعيشون في أسوأ الأحوال في لبنان لا يعودون إلى المناطق التي انتهت فيها الحرب في سوريا. لذا، من غير الواقعي أن نتوقع العودة إلى سوريا وأن يعود اللاجئون السوريون في تركيا إلى مناطق لا تزال الحرب فيها قائمة وتسيطر عليها التنظيمات الإرهابية.

 

في الختام: مقاربة واقعية

بدلاً من إضاعة الوقت بالاقترابات غير الواقعية التي أثبتت التجارب فشلها فيما يتعلق بقضية العودة إلى سوريا وعودة اللاجئين السوريين، إذ يجب على تركيا تبني سياسات واقعية وفعّالة في التعامل مع اللاجئين السوريين. في هذا السياق، ينبغي اتباع سياسة تدريجية بدلاً من إيهام الشعب التركي لتحقيق مكاسب سياسية مؤقتة.

الركيزة الأولى لهذه السياسة يجب أن تكون متعلقة بقضية العودة إلى سوريا، إذ يجب تعزيز الاستراتيجيات الناجحة في العودة إلى سوريا. المناطق الآمنة في سوريا قد أفسحت المجال في البداية لعودة سريعة.
وبعد عودة أول 500 ألف شخص، تراجعت العودة الطوعية وظهرت ادعاءات بإعادة قسرية تحت مسمى العودة الطوعية. بدلاً من تطبيقات الطرد والإعادة القسرية إلى المناطق الآمنة، يجب التركيز على السياسات التي تشجع العودة الطوعية.
وفي هذا السياق، ينبغي إقامة سلطة سورية شرعية في المنطقة الآمنة وتعزيز بنية المنطقة التحتية واقتصادها، كما يجب حل مشاكل الأمن والنظام في المنطقة وجذب الاستثمارات من الشتات السوري إلى المنطقة. كما يجب توسيع عمق الأراضي للمناطق الآمنة بالنظر إلى كثافة السكان في المنطقة، بالإضافة إلى إدراج مصادر المياه والطاقة والمدن التي تحت سيطرة الجماعات الإرهابية في المناطق القريبة ضمن المناطق الآمنة.

في الركيزة الثانية للحل، يجب تنفيذ سياسات تحفيزية لمنع تشتت اللاجئين السوريين في جميع أنحاء تركيا وتجنب تجمعهم في مناطق محددة. بدلاً من وضع “الحماية المؤقتة” غير المستدامة للاجئين السوريين في تركيا، يجب تشجيع تطبيقات مشابهة لـ”البطاقة الزرقاء” لدمجهم في المجتمع التركي.
ويجب تنفيذ سياسة هجرة شاملة وشفافة وقانونية في تركيا، واعتماد استراتيجية تواصل واقعية بعيدة عن الأحلام والأكاذيب مع المجتمع التركي.

 

إعداد وتحرير: عبد الجواد أمين حميد

التعليقات مغلقة.