تصريحات أمريكية تعيد مصطلح بلاد الشام إلى الواجهة.. هل كان لبنان جزءاً من سوريا؟

عقب التصريحات المثيرة للجدل التي أدلى بها توم باراك، سفير الولايات المتحدة في أنقرة والممثل الخاص لواشنطن في سوريا، عاد مصطلح بلاد الشام إلى الواجهة مجدداً، والتي تساءل فيها البعض: هل كان لبنان حقاً جزءاً من سوريا؟

وفقاً لما نقله فريق تحرير منصة كوزال نت عن موقع “BBC بالتركية”  ، حذّر توم باراك من أن لبنان قد يتحوّل إلى جزء من بلاد الشام في حال لم تُعالج مسألة أسلحة حزب الله بسرعة، مستشهداً بما وصفه بتغيّر النظام في سوريا.

ورغم محاولته لاحقاً تهدئة الجدل بالتأكيد على أن السلطة الحالية في سوريا لا تريد سوى التعايش مع لبنان وتحقيق السلام المتبادل، فإن تصريحاته أثارت جدلاُ واسعاً حول مصطلح بلاد الشام ودلالاته السياسية.

مصطلح بلاد الشام بين التاريخ والجغرافيا: كيف شكلت المنطقة مصيرها؟

يشير مصطلح بلاد الشام إلى منطقة جغرافية وتاريخية واسعة تشمل سوريا ولبنان والأردن وفلسطين المحتلة، وأحياناً أجزاء من جنوب تركيا وشمال المملكة العربية السعودية وشبه جزيرة سيناء في مصر.

تقع هذه المنطقة في غرب آسيا، وقد خضعت عبر التاريخ لسيطرة إمبراطوريات كبرى مثل مصر القديمة وآشور وبابل وبلاد فارس، بالإضافة إلى الإمبراطوريات اليونانية والرومانية.

 وبفضل موقعها الاستراتيجي، كانت مسرحاً لصراعات كبيرة بين قوى متنافسة، منها الصراع بين المصريين القدماء وشعوب كنعان، وحروب الإمبراطورية البيزنطية مع الإمبراطورية الساسانية، التي ذُكرت في القرآن الكريم في سورة الروم.

مع الفتوحات الإسلامية في القرن السابع الميلادي، توسعت السيطرة الإسلامية على هذه الأراضي، وانتشر مصطلح بلاد الشام في الأدب العربي. 

وترتبط تسمية الشام بأصول قديمة، حيث يرى البعض أنها تعود إلى كلمة تعني السماء في بعض اللغات السامية، بينما يربطها آخرون بسام ابن نوح، أو بموقع المنطقة بالنسبة لشروق الشمس.

في المصادر الغربية، كانت المنطقة معروفة بأسماء مثل الشرق الأدنى وسوريا، كما وردت في كتابات المؤرخ اليوناني هيرودوت في القرن الخامس قبل الميلاد.

بلاد الشام في ظل الأمويين والعباسيين والمماليك

بعد أن اتخذ الأمويون من دمشق عاصمةً لخلافتهم التي استمرت نحو 90 عاماً، ازدادت أهمية بلاد الشام سياسياً وثقافياً.

إلا أن هذه المكانة تراجعت مع سقوط الدولة الأموية وصعود العباسيين، الذين نقلوا عاصمة الخلافة الإسلامية إلى بغداد، ما أدى إلى انحسار النفوذ السياسي لدمشق أمام العاصمة الجديدة.

ورغم ذلك، وخلال الحقبة العباسية التي امتدت لقرون، صعدت مدينة حلب لتنافس دمشق كمركز سياسي وثقافي مؤثر في بلاد الشام.

وتشير كتب تاريخ الإسلام إلى أن بلاد الشام لم تكن تُدار كوحدة موحدة خلال العصر العباسي، بل قُسمت إلى عدة وحدات إدارية، مثل ولايتي دمشق وحمص، وكان لكل منها حاكم خاص بها.

ومع تراجع نفوذ الخلافة العباسية، ظهرت في بلاد الشام إمارات وممالك محلية، تمتع بعضها باستقلال شبه تام. 

كما خضعت أجزاء من المنطقة لسيطرة الفاطميين، الخصوم السياسيين والعقائديين للعباسيين.

وخلال تلك الفترة، فقد المسلمون السيطرة على أجزاء من بلاد الشام لصالح الحملات الصليبية، التي استمرت قرابة 200 عام.

وبعد خروج الصليبيين من المشرق في عام 1291، آلت السيطرة على بلاد الشام إلى دولة المماليك في مصر، التي حكمت المنطقة عبر ست وحدات إدارية تُعرف باسم نيابات أو ممالك، من بينها دمشق، حلب، حماة، طرابلس، صفد، والكرخ، فيما كانت صيدا وبيروت تابعتين إدارياً لدمشق.

 كيف تشكّل لبنان وسوريا بعد الحرب العالمية الأولى؟

مع مطلع القرن العشرين، شهدت بلاد الشام تحولات جذرية غيّرت معالمها السياسية والإدارية بشكل كبير، وذلك إثر دخول الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى (1914–1918) إلى جانب ألمانيا والنمسا-المجر، ضد إنجلترا وفرنسا وروسيا، ولاحقًا الولايات المتحدة.

ومن أبرز أحداث الحرب، كان تمرد الشريف حسين حاكم مكة، ضد الدولة العثمانية بدعم بريطاني، في وقتٍ كانت فيه القوى الأوروبية تتفاوض سراً على تقاسم الشرق الأوسط.

فقد وقعت بريطانيا اتفاقية سايكس–بيكو السرية مع فرنسا وروسيا القيصرية لتقاسم أراضي الدولة العثمانية في بلاد الشام، تزامناً مع وعدها بدعم العرب في إقامة دولة مستقلة، وكذلك تعهدها في إعلان بلفور بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.

وسط هذه التعقيدات، ظهرت حركات سياسية متباينة الرؤى حول مستقبل بلاد الشام، البعض رأى في مبدأ تقرير المصير الذي أعلنه الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون فرصة للتحرر، كما عبّر عن ذلك الشيخ محمد رشيد رضا في كتاباته.

في المقابل، برزت في جبل لبنان، وخاصة في الأوساط المارونية، مطالبات بكيان مستقل بدعم فرنسي.

في عام 1920، أُعلنت مملكة سوريا بقيادة الأمير فيصل، وضمت أجزاء من دمشق وحلب، لكنها سقطت بعد أشهر بسبب رفض فرنسا وبريطانيا لهذه الخطوة وفق اتفاقيات مؤتمر سان ريمو، التي نصّت على فرض الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان، والبريطاني على فلسطين.

بموجب الانتداب الفرنسي، أُعلن عن تأسيس لبنان الكبير عام 1920، وشمل جبل لبنان ومدناً مثل بيروت وطرابلس وصيدا، فيما قُسّمت سوريا إلى عدة كيانات منها دمشق، حلب، الساحل، وجبل العرب.

 وبعد سنوات من المقاومة والثورات، وُحّدت سوريا عام 1930، ونالت استقلالها مع لبنان في أربعينيات القرن العشرين.

لكن الاستقلال لم يُنهِ تداخل المصير بين البلدين، فقد لعبت سوريا دوراً كبيراً في لبنان خلال الحرب الأهلية وما بعدها، وصولاً إلى انسحاب الجيش السوري عام 2005 بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري.

 لاحقاً، شارك حزب الله إلى جانب قوات الأسد في النزاع السوري، الذي امتد لأكثر من عقد ضد فصائل المعارضة المسلحة التي انبثقت من الثورة السورية.

ورغم التاريخ المشترك، يُثير بعض المفكرين اليوم فكرة العودة إلى مصطلح بلاد الشام كوحدة سياسية، وهو ما يرفضه المؤرخ اللبناني تشارلز هايك، الذي يرى أن هذا المفهوم يقوم على تفسيرات خيالية لا تمت للتاريخ بصلة.

ويؤكد أن لبنان وسوريا لم تكونا دولتين بمفهوم الدولة الحديثة إلا بعد الحرب العالمية الأولى، قائلًا:”الماضي موجود لكي نتعلّم منه، لا لكي نبني عليه مستقبلاً”.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.