رفع العقوبات المفروضة على سوريا: خطوة مفصلية نحو تحول إقليمي جديد!
مع إعلان الرئيس الأمريكي ترامب رفع العقوبات المفروضة على سوريا، بدأت ملامح مرحلة جديدة في العلاقات الدولية تظهر، حيث يترقب الخبراء التأثيرات الاقتصادية والسياسية لهذا القرار، وبينما ينظر البعض إليه كفرصة لتعزيز الاستقرار، يرى آخرون أن الطريق أمام سوريا لا يزال مليئًا بالتحديات الاقتصادية والسياسية.
ووفقاً لما نقله فريق تحرير منصة كوزال نت عن موقع “MEPANEWS” سادت أجواء من الارتياح عقب الإعلان المفاجئ للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في رفع العقوبات المفروضة على سوريا، ويأمل السوريون أن تسهم هذه الخطوة في إعادة دمج بلادهم في الاقتصاد العالمي، واستقطاب الاستثمارات التي تشتد الحاجة إليها، في ظل محاولات التعافي من أكثر من خمسين عاماً من حكم عائلة الأسد، ومن حرب متواصلة نحو 14 عاماً.
وسجل تصريح ترامب في ديسمبر/كانون الأول 2024، الذي أعلن فيه عن عزمه منح سوريا فرصة مثالية بعد الإطاحة ببشار الأسد، تأثيراً فورياً على الاقتصاد السوري، إذ ارتفعت قيمة الليرة أمام الدولار الأمريكي بنحو 25% دفعة واحدة، ما اعتُبر دعماً مباشراً لبلد يرزح تحت وطأة أزمات اقتصادية خانقة.
وقال الخبير الاقتصادي والمختص في الشؤون المصرفية، إبراهيم نافي قوشجو، في تصريح لقناة الجزيرة، إن رفع العقوبات المفروضة على سوريا يُعد نقطة تحول أساسية، موضحاً أن الاقتصاد السوري سينتقل من التفاعل مع الاقتصادات النامية إلى الاندماج مع الاقتصادات الأكثر تطوراً، الأمر الذي من شأنه إعادة تشكيل علاقات التجارة والاستثمار بشكل واسع.
رفع العقوبات المفروضة على سوريا: خطوة نحو التقدّم رغم التحديات
بحسب محللين وخبراء تحدّثوا لقناة الجزيرة، فإن الإعلان المتعلّق بالعقوبات قد يفتح الباب أمام بعض التقدم في المستقبل القريب، إلا أن رفع العقوبات المفروضة على سوريا بشكل كامل لا يزال يواجه العديد من العقبات.
وتعود العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا إلى عام 1979، حين أُدرجت البلاد في عهد حافظ الأسد، على قائمة الدول الداعمة للإرهاب.
وفي العقود التالية، فُرضت عقوبات إضافية استهدفت الدولة وأفراداً من النظام والمعارضة على حد سواء، بما في ذلك الرئيس الحالي أحمد الشرع، بسبب ارتباطه السابق بتنظيم القاعدة.
وقال فيتوريو ماريسكا دي سيراكابريولا، كبير محللي العقوبات في شركة “Kerem Şar Advisory Limited”، وهي شركة استشارية متخصصة في الاقتصاد السياسي للشرق الأوسط، في تصريح لقناة الجزيرة:”هناك هيكل كامل يتألف من شبكة معقدة من العقوبات”.
وقال المحللون إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد يكون قادراً على رفع بعض العقوبات عبر قرارات تنفيذية، بينما يمكن لوزير الخارجية الأمريكي ماركو
رفع بعض التصنيفات الخاصة بـ “المنظمات الإرهابية الأجنبية”، ومع ذلك قد تكون إزالة العقوبات الأخرى أكثر تعقيداً.
ووفقاً لماريسكا دي سيراكابريولا، هناك مجموعة من ضوابط الصادرات وأوامر تنفيذية تستهدف قطاع البنوك، بالإضافة إلى العقوبات التي تم قبولها من قبل الكونغرس الأمريكي، وتابع ماريسكا دي سيراكابريولا: “هذه لحظة كبيرة لهذا البلد”، وأضاف: “بالطبع، العقوبات هي أدوات تقنية ومعقدة للغاية، لذا فإن كيفية تنفيذ الحكومة الأمريكية لما وعدت به لا يزال غير واضح.
ويثير الرفع الكامل للعقوبات تساؤلات حول الجدول الزمني لتنفيذه، في وقت يمر فيه السوريون بأزمة اقتصادية حادة، فوفقًا للأمم المتحدة، يعيش 90% من السكان في فقر، بينما تصل نسبة البطالة إلى نحو 25%.
كما تواجه الحكومة السورية الجديدة ضغوطًا اقتصادية كبيرة، إلى جانب صعوبات في فرض سلطتها وتوفير الأمن في أنحاء البلاد بشكل منتظم.
ورغم الترحيب المتوقع بقرار ترامب، قد يضطر السوريون للانتظار قبل أن يلمسوا آثار تخفيف العقوبات، إذ يرى محللون أن التغييرات ستكون تدريجية، وقد يستغرق الأمر نحو عام قبل ظهور نتائج ملموسة.
كما أن رفع العقوبات المفروضة على سوريا وحده لا يكفي، حيث تحتاج سوريا إلى إصلاحات مصرفية لتتمكن من التكيّف والخروج من قوائم المتابعة الدولية، ويؤكد المحللون أن تقديم حوافز من الولايات المتحدة وجهات دولية أخرى سيكون ضرورياً لبناء الثقة لدى المستثمرين الراغبين في دخول السوق السورية.
وأفاد قوشجو إن ضمان النمو طويل الأمد يتطلب تنفيذ إصلاحات اقتصادية داخلية، تشمل تحسين بيئة الأعمال، وزيادة الشفافية المالية، وتطوير القطاعات الإنتاجية، بما يضمن استفادة الاقتصاد السوري من الفرص العالمية بشكل فعّال.
وأضاف أن رفع العقوبات المفروضة على سوريا يمثل الخطوة الأولى نحو إعادة هيكلة الاقتصاد، غير أن تحقيق انتعاش حقيقي ومنتج يستدعي سياسات إصلاحية تركز على التنمية المستدامة والاندماج في الاقتصاد العالمي.
تحوّل مفاجئ في الموقف الأميركي تجاه الحكومة الجديدة
منذ أشهر تؤكد إدارة سوريا الجديدة، إلى جانب محللين وفاعلين دوليين، على الحاجة الملحة لرفع العقوبات المفروضة على سوريا.
ومع ذلك، تبنّت الولايات المتحدة سابقًا موقفًا غير مرن تجاه الحكومة الجديدة، التي يُعتقد أن لها صلات بالعنف والجماعات المسلحة، واتخذت نهجاً حذراً وأحياناً متناقضاً، تجاه الحكومة الجديدة منذ الإطاحة بنظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول، ورغم أن قوى إقليمية مثل السعودية وقطر وتركيا عززت علاقاتها مع حكومة دمشق الجديدة، لم يكن متوقعاً أن يكون تخفيف العقوبات على سوريا من أولويات جولة ترامب في المنطقة، والتي شملت السعودية وقطر والإمارات.
هذا ما أكده عدد من المحللين في تصريحات لقناة الجزيرة، قبل الإعلان المفاجئ للرئيس الأمريكي يوم الثلاثاء.
وفي 9 مارس/آذار 2025، أدان وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الحكومة السورية الجديدة على خلفية فشلها في منع العنف الطائفي والمجازر التي شهدتها المنطقة الساحلية، إلا أن روبيو غيّر موقفه بعد ثلاثة أيام، حيث أشاد بالاتفاق الذي تم التوصل إليه بين قوات سوريا الديمقراطية والحكومة المركزية في دمشق، والذي يقضي بدمج قوات سوريا الديمقراطية في مؤسسات الدولة.
وسبق للولايات المتحدة أن قدمت للحكومة السورية قائمة مطالب تتضمن تدمير الأسلحة الكيميائية المتبقية، التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، وإبعاد المقاتلين الأجانب عن المناصب العليا في الحكومة والجيش.
كما تم تداول مزاعم تشير إلى إمكانية عقد اتفاقية مع برج ترامب في دمشق، فضلاً عن رغبة ترامب في إقامة روابط بين سوريا والاحتلال الإسرائيلي قبل اتخاذ قرار بتخفيف العقوبات المفروضة على البلاد.
ولكن أعلن ترامب بشكل مفاجئ رفع عن العقوبات سوريا دون أي شروط مسبقة.
ويؤكد روب جيست بينفولد، المحاضر في دراسات الدفاع بكلية كينغز في لندن، أن التركيز الرئيسي هنا هو أن هذه الصفقة ليست اتفاقاً بين الولايات المتحدة وسوريا، بل هي اتفاق بين السعودية والولايات المتحدة.
وفي تاريخ 14أيار/مايو ، التقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع أحمد الشرع، بحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وبمشاركة هاتفية من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وأثناء توجهه إلى الدوحة، تحدث ترامب للصحفيين على متن طائرته “Air Force One”، واصفاً الشرع بأنه شاب وسيم ورجل قوي ومقاتل، ولديه تاريخ قوي جداً.
بعد المحادثات، نشر البيت الأبيض قائمة بالمواضيع التي تم مناقشتها بين ترامب والشرع، شملت القائمة بعض القضايا التي كانت الولايات المتحدة قد طالبت بها في وقت سابق من سوريا، مثل مكافحة المقاتلين الأجانب والتعاون في مكافحة الإرهاب.
من جهة أخرى، تناول ترامب مسألة تطبيع العلاقات بين سوريا والاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة إلى ضرورة تسلم سوريا لمراكز احتجاز تنظيم داعش في شمال البلاد.
وفي تعليقها على هذه القضايا، قالت ناتاشا هول، الباحثة البارزة في برنامج الشرق الأوسط بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، في تصريح لقناة الجزيرة: “لا تبدو هذه القضايا كشرط مسبق، ولكنها قد تبطئ عملية رفع العقوبات”.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.