تتواصل العقوبات الأمريكية على سوريا، في ظل استخدام إدارة ترامب والقيادة المركزية الأمريكية لهذه الإجراءات كوسيلة ضغط، ما يدفع دمشق إلى البحث عن بدائل للتعاون.
وفقاً لما نقله فريق تحرير منصة كوزال نت عن “وكالة الأناضول” كتب الباحث أحمد أردا شينسوي من مؤسسة دراسات تركيا عن العقوبات الأمريكية على سوريا والشروط المطروحة لرفعها في تحليل خاص لوكالة الأناضول.
وذكر شينسوي أنه في الوقت الذي لا تزال فيه العديد من القضايا الداخلية والخارجية عالقة بعد الثورة التي شهدتها سوريا، بدأت الحكومة الانتقالية في دمشق باتباع سياسات مختلفة بحثاً عن حلول.
ومؤخراً بعد قرار بريطانيا في نيسان/أبريل رفع العقوبات عن 12 جهة سورية، من بينها بعض الوزارات، تحوّلت الأنظار نحو العقوبات الأمريكية على سوريا.
وبالنظر إلى مكانة الولايات المتحدة الدولية ووجودها في سوريا، فإن رفع العقوبات الأمريكية على سوريا من شأنه أن يوفّر ارتياحاً كبيراً للحكومة في دمشق على الصعيدين الاقتصادي والسياسي.
فما الذي تنتظره واشنطن قبل إلغاء العقوبات الأمريكية على سوريا؟ وكيف تتشكّل سياسة إدارة ترامب تجاه دمشق؟ هل ستسحب الولايات المتحدة قواتها من الأراضي السورية؟ وكيف يمكن لعامل الاحتلال الإسرائيلي أن يؤثر في توجهات السياسة الأميركية تجاه سوريا؟
كل هذه الأسئلة، واحتمالات الإجابة عنها، تستحق الدراسة بتمعّن، إذ تمثل أبرز العوامل التي ستحدد ملامح السياسة الداخلية والخارجية للحكومة الانتقالية السورية.
8 مطالب لإلغاء العقوبات الأمريكية على سوريا
عندما تولت إدارة ترامب مهامها في يناير/كانون الثاني، لم تكن سوريا ضمن أولوياتها، فبينما كانت الحرب الأوكرانية والمنافسة مع الصين على رأس جدول أعمال الولايات المتحدة، إذ تبنت الإدارة السورية الجديدة سياسة خارجية تقوم على رفع العقوبات المفروضة على البلاد.
وفي هذا السياق، ركزت دمشق على إزالة العقوبات التي فرضتها فترة الحرب، بهدف إعادة بناء البلاد في مجالات مثل إعادة الإعمار، والكهرباء، والطاقة، والمواد الغذائية الأساسية، كما كانت تسعى إلى الحصول على اعتراف دولي بنظام ما بعد الأسد وبناء علاقات جديدة من الصفر.
وفي يناير/كانون الثاني 2025، منحت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لسوريا إعفاءً جزئياً لمدة ستة أشهر في مجالات حيوية مثل الطاقة، لكن لم يتحقق أي تقدم ملموس في رفع العقوبات الأمريكية على سوريا، ومع تحسن العلاقات الدبلوماسية بين دمشق وواشنطن في آذار/مارس 2025، قُدّمت إلى دمشق قائمة من 8 نقاط تمثل الشروط التي يجب على سوريا الوفاء بها لرفع العقوبات الأمريكية على سوريا.
من بين مطالب الولايات المتحدة من الحكومة السورية الجديدة في دمشق، تشكيل جيش سوري خالٍ من المقاتلين الأجانب في المناصب القيادية، والسماح للولايات المتحدة بالوصول إلى المنشآت الكيميائية المتبقية من عهد نظام الأسد، كما تشمل المطالب تشكيل لجنة للتحقيق في مصير المواطنين الأميركيين المفقودين، مثل الصحفي أوستن تايس، بالإضافة إلى تعاون دمشق مع التحالف الدولي ضد تنظيم داعش.
وتتضمن القائمة أيضاً منح إذن رسمي للولايات المتحدة لتنفيذ عمليات لمكافحة الإرهاب داخل الأراضي السورية، وإعادة عائلات عناصر داعش إلى بلدانهم من المخيمات السوري.
إضافة إلى ذلك، تطالب واشنطن بحظر الأنشطة السياسية والعسكرية للفصائل الفلسطينية في سوريا، وتقديم التزامات واضحة بشأن الأنشطة الإيرانية في البلاد، بما في ذلك تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية.
ورغم أن هذه المطالب لم تؤكد رسمياً من كلا الجانبين، فإن التصريحات التي صدرت من مسؤولين سوريين تدعم صحتها، فقد صرح وزير الخارجية السوري أسعد حسن شيباني، بأن معظم مطالب الولايات المتحدة تتوافق مع مبادئ الحكومة السورية، وهو ما يعد تأكيداً غير مباشر لها.
من جهة أخرى، قال الرئيس السوري أحمد الشرع في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز إن بعض الشروط التي تطرحها الولايات المتحدة لرفع العقوبات تحتاج إلى نقاش أو تعديل.
من جهة أخرى، سُجلت تطورات جديدة خلال الأيام الأخيرة بشأن قائمة المطالب الأميركية المكونة من 8 نقاط، ووفقاً لما نقلته وكالة “رويترز”، ردّت الحكومة السورية على هذه المطالب عبر رسالة رسمية، أبدت فيها استعدادها للتعاون الكامل في تشكيل لجنة للبحث عن المواطنين الأميركيين المفقودين، وتقديم ضمانات بعدم وجود أي تهديد للاحتلال الإسرائيلي من الأراضي السورية، إلى جانب السماح بتفتيش منشآت الأسلحة الكيميائية المتبقية.
وفي السياق ذاته، فُسّر اعتقال عدد من أعضاء حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، التي لها علاقات مع إيران، في دمشق بتاريخ 22 نيسان/أبريل، كخطوة من الحكومة السورية باتجاه تلبية أحد المطالب الأميركية.
ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه الشروط، تُظهر مقابلة الرئيس الشرع وتصريحات الشيباني وجود تباينات في الموقف تجاه بعض القضايا، وعلى رأسها مسألة المقاتلين الأجانب، فقد أعلنت الحكومة في دمشق نيتها منح الجنسية للمقاتلين الأجانب الذين يعيشون في البلاد منذ سنوات طويلة ويقاتلون إلى جانب الإدارة العسكرية، كما عيّنت بعضهم في مناصب عسكرية رفيعة.
ورغم الأنباء التي تفيد بأن هذه التعيينات قد جرى تعليقها في المرحلة الراهنة، فإن الاستجابة الكاملة لهذا المطلب الأميركي لا تزال غير مرجّحة.
مع ذلك، فإن الوعود الأميركية الملموسة، مثل إزالة العقوبات الأمريكية على سوريا بشكل كامل والاعتراف الرسمي مقابل الالتزام بهذه البنود الثمانية، قد تفتح المجال أمام تسوية ممكنة بدلاً من الاكتفاء بتخفيف مؤقت للعقوبات.
قانون قيصر وإرهاب تنظيم PKK/YPG يشكّلان عقبة كبيرة أمام التعافي الاقتصادي
يعدّ قانون قيصر الأميركي من أبرز العوائق التي تعرقل مسار التنمية الاقتصادية في سوريا، وقد دخل القانون حيّز التنفيذ في حزيران/يونيو 2020، ويفرض عقوبات لا تقتصر على النظام السابق، بل تمتد لتشمل أي دولة أو شركة تتعامل اقتصادياً مع دمشق.
وعلى الرغم من أن مفاعيل العديد من بنود القانون تراجعت فعلياً بعد سقوط نظام الأسد، فإن استمراره شكّل حاجزاً أمام انفتاح دولي اقتصادي على سوريا، إذ لم تكن الاستثناءات المحدودة التي طالت بعض القطاعات الحيوية كافية لإقناع الحكومات والشركات الأجنبية بالتعاون مع الحكومة السورية الجديدة، في ظل استمرار القلق من تقلبات الموقف الأميركي.
من جهة أخرى، أفادت وسائل إعلام أميركية بأن اللوبي المؤيد للاحتلال الإسرائيلي يمارس ضغوطاً على واشنطن لعدم رفع العقوبات عن سوريا، وفي الوقت الذي تطالب فيه الولايات المتحدة بضمانات أمنية من دمشق بعدم تشكيل تهديد للاحتلال، تواصل سلطات الاحتلال هجماتها واحتلالها للأراضي السورية براً وجواً.
وقد جاءت تصريحات وزير المالية في حكومة الاحتلال بتسلئيل سموتريتش لتكشف عن نوايا الاحتلال الحقيقية، حين قال إن “إسرائيل لن توقف الحرب إلا عندما يتم تمزيق سوريا”، ورغم أن مطلب واشنطن بالحصول على ضمانات قد يبدو في ظاهره مبرراً أمنياً، فإنه يمكن أن يفسر أيضاً على أنه محاولة لإضفاء شرعية على استمرار الاحتلال والاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية.
كما أن الوجود العسكري الأميركي في سوريا ودعمها لتنظيم PKK/YPG الإرهابي يتناقضان بشكل جذري مع المطالب الأميركية التي تروج لها واشنطن، فمع تراجع تهديد تنظيم داعش بشكل كبير بعد انتهاء الحرب الأهلية، لم يعد هناك مبرر حقيقي لبقاء التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش، والذي ظلّ يستخدم كذريعة لوجود قواتها على الأراضي السورية.
وفي المقابل، ظهرت المبادرة الإقليمية التي تم الإعلان عنها في آذار/مارس بين تركيا وسوريا والأردن والعراق ولبنان، والتي تشكل بديلاً أكثر واقعية وفعالية في مكافحة داعش، نظراً لتنسيقها الإقليمي المباشر وقدرتها على التعامل مع التهديدات الأمنية بشكل شامل وواقعي.
علاوة على ذلك، فإن سيطرة تنظيم PKK/YPG على الجزء الأكبر من نفط سوريا بدعم أمني أميركي تجعل من انسحاب الولايات المتحدة من هذه المناطق وعودة السيطرة إلى دمشق خطوة حاسمة لتسريع عملية التعافي الاقتصادي في البلاد، نظراً لتنسيقها الإقليمي المباشر وقدرتها على التعامل مع التهديدات الأمنية بشكل شامل وواقعي.
وبناءً على ذلك، فإن إنهاء الوجود العسكري الأميركي في سوريا وسحب الدعم عن التنظيم الإرهابي، بدلاً من فرض الشروط على دمشق، سيكون خطوة أساسية لحل العديد من القضايا التي تطرحها واشنطن نفسها، ويسهم في استقرار سوريا على المدى الطويل.
العقوبات الأميركية على سوريا تدفع دمشق نحو شراكات جديدة
وتواصل الولايات المتحدة استخدام العقوبات الموروثة من عهد النظام السابق كورقة ضغط على الحكومة السورية الجديدة، إلا أن هذه السياسة قد تدفع دمشق إلى توسيع خياراتها في السياسة الخارجية.
وفي هذا السياق، تتجه الأنظار إلى الدول التي لا تعير للعقوبات الأميركية وزناً، بل تعتبرها فرصة لتعزيز نفوذها.
فمن جهة، تستمر المفاوضات بين موسكو ودمشق بشأن تسليم الرئيس المخلوع بشار الأسد، إلى جانب إعادة تفعيل القاعدتين العسكريتين في طرطوس وحميميم، اللتين كانتا تخضعان لسيطرة النظام السابق.
ومن جهة أخرى، شهد هذا الأسبوع سلسلة اجتماعات بين مسؤولين سوريين وصينيين تناولت فرص الاستثمار في مشاريع إعادة الإعمار، ورغم أن هذه التحركات تمثل خطوة مهمة نحو ترسيخ موقع دمشق كطرف مستقل ومتعدد الشراكات في السياسة الخارجية، فإنها في الوقت نفسه تشكّل ورقة تفاوضية قوية يمكن أن تستخدمها في محادثاتها الجارية مع واشنطن.
وتستخدم إدارة ترامب والقيادة المركزية الأميركية (CENTCOM) العقوبات كوسيلة ضغط مستمرة ضد سوريا، مما يدفع دمشق للبحث عن شراكات بديلة لتجاوز هذه القيود، ورغم احتمال استمرار المفاوضات الثنائية في المستقبل القريب، إلا أن التوصل إلى نتائج ملموسة في الوقت الراهن لا يبدو مرجحاً.
كما أن من غير المتوقع أن تسحب الولايات المتحدة قواتها بالكامل من سوريا أو أن تبني موقفاً حاسماً تجاه دمشق قبل وضوح نتائج المفاوضات الجارية بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، سواء كانت إيجابية أو سلبية.
في هذا الإطار ، يبقى الاستقرار السياسي والاقتصادي في سوريا، الذي يُعد عنصراً أساسياً لتحقيق المطالب الأميركية، متأثراً بشكل كبير بسبب العقوبات المستمرة التي تفرضها واشنطن.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.