سادت ليلة أمس حالة من الخوف والاحتقان والتوتر لدى أوساط السوريين في قيصري، احتجاجات عنيفة وأعمال شغب نفذها مواطنين أتراك إثر ادعاءات بتعرض طفلة سورية تبلغ من العمر 5 سنوات للتحرش من قبل شاب سوري.
ووفقاً لما نقله فريق تحرير منصة كوزال نت عن موقع “بي بي سي” بالتركية، قام المواطنون الأتراك بقلب بعض السيارات وإشعال النار في بعض المحلات التجارية. وتدخلت فرق الشرطة التركية التي جرى إرسالها إلى المنطقة للتعامل مع الحشود.
حالة من التوتر بين الأتراك والسوريين في قيصري على خلفية الحادثة
وألقى القبض على شخص يحمل الجنسية السورية بتهمة التحرش بطفلة صغيرة. وبعد الحادث، فيما اندلعت حالة من التوتر بين المواطنين الأتراك والسوريين في قيصري، بعد قيام بعض سكان المدينة بمهاجمة الأماكن المعروفة بارتباطها بالمهاجرين.
وتجمعت مجموعات كبيرة في بعض المناطق وألحقت أضرارًا بالمحلات والسيارات التابعة للأجانب، مما دفع الشرطة للتدخل.
أعلن وزير الداخلية التركية، علي يرلي كايا، عن اعتقال 67 شخصًا جراء أحداث الشغب والتوتر بين المواطنين الأتراك والسوريين في قيصري.
وأعلنت ولاية قيصري أن الطفلةة السورية قد وُضعت تحت حماية الدولة، وأكدت وزارة الأسرة والخدمات الاجتماعية أنها ستشارك في القضية.
وبعد بدء تحقيق من قبل النيابة العامة في قيصري، جرى فرض حظر نشر على الادعاءات المتعلقة بالتحرش والأحداث التي وقعت في المدينة.
التوتر في الشوارع أشعل من جديد النقاشات بين السياسيين حول السياسات المتعلقة باللاجئين.
فما الذي حدث من توتر بين الأتراك والسوريين في قيصري، وكيف وصلت الأوضاع إلى هذا الحد من الاعتداءات في الأحياء التي يكثر فيها السوريون؟
ما حقيقة الادعاء؟
في عطلة نهاية الأسبوع، ظهرت ادعاءات بأن شخصًا يحمل الجنسية السورية في منطقة مليكغازي بولاية قيصري قد تحرش بفتاة صغيرة.
وفقًا لوكالة الأناضول التركية الرسمية، فإن الشخص السوري، البالغ من العمر 26 عامًا، ويدعى “إ.أ.”، قد تحرش جنسيًا بطفلة سورية تبلغ من العمر 7 سنوات تدعى “م.أ.”، وهي ابنة عمه، في مرحاض موجود في سوق الحي.
وبعد ظهور هذا الادعاء، بدأت النيابة العامة في قيصري تحقيقًا في القضية.
وأعلنت ولاية قيصري أن المشتبه به السوري قد جرى اعتقاله بعد التحرش بطفلة تحمل الجنسية السورية.
لكن انتشار هذا الادعاء بين الأهالي والسكان أثار غضبًا كبيرًا تجاه اللاجئين السوريين في قيصري، مما أدى إلى اندلاع احتجاجات وأعمال شغب.
كيف تصاعد التوتر بين الأتراك والسوريين في قيصري ليصل إلى الشوارع؟
وبعد انتشار الخبر، نزلت بعض الحشود من المواطنين الأتراك إلى الشوارع وتجمعت في نقاط معينة.
وجرت مشاركة مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر فيها بعض المجموعات التي تهتف بشعارات معادية للمهاجرين وهم يسيرون في الشوارع.
وفي مناطق مثل “إسكي شهير باغلاري”، المعروفة بكثافة السوريين في قيصري، تعرضت محلات تجارية ومركبات للإحراق أو التلف.
كما جرى تداول مقاطع فيديو بشكل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر سكان الحي وهم يحرقون بعض المحلات ويخربون بعض المركبات خلال الليل.
وصرح مدير أمن ولاية قيصري، أتانور أيدين، في موقع الحادث قائلاً: “الضحية ليست تركية. والشخص المشتبه به حاليًا قيد الاحتجاز”، ودعا سكان الحي للعودة إلى منازلهم.
وناشدت ولاية قيصري على حسابها على وسائل التواصل الاجتماعي سكان الحي التحلي بضبط النفس.
في البيان الذي أصدرته الولاية، قالت: “في حي دانشمنت غازي بولايتنا، احتُجز شخص من الجنسية السورية من قبل وحداتنا الأمنية بعد قيامه بسلوك تحرشي تجاه طفلة سورية صغيرة، وجرى وضع الطفلةة تحت حماية وحداتنا. وتجري متابعة القضية بدقة من قبلنا، ونحث المواطنين على التحلي بضبط النفس وعدم الانخراط في أي أعمال باستثناء ما تم الإعلان عنه من قبل الجهات الرسمية، ونعرض ذلك بكل احترام للرأي العام”.
وفي الصور والمقاطع التي جرى تداولها هذا الصباح، لفت الانتباه حجم الدمار الذي طال السيارات المقلوبة والمحلات التجارية والممتلكات في الشوارع.
وأفادت التقارير بإصابة 14 رجل أمن ورجل إطفاء واحد في أعمال العنف التي وقعت.
وزارة الأسرة والخدمات الاجتماعية التركية تتدخل في القضية
وأعلنت وزارة الأسرة والخدمات الاجتماعية التركية عن وضع الطفلة الذي تعرض للتحرش مع والدته وإخوته تحت حماية الدولة، وأكدت أنها ستتدخل في القضية.
في بيان مكتوب صادر عن الوزارة، جاء فيه: “جرى البدء في تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للطفلة وعائلتها من قبل فرقنا المتخصصة. كوزارة، سنتدخل في مجريات القضية لضمان أن يتلقى الجاني أشد العقوبات وسنتابع العملية عن كثب”.
وبدأت محكمة الصلح الجنائية الثانية في قيصري تحقيقًا بشأن إدعاء التحرش.
وفي بيان أصدرته المحكمة، قيل فيه: “لحماية صحة الضحية وعائلتها، ومنع التوترات الاجتماعية المتزايدة بعد الحادث، تقرر حظر نشر أي أخبار أو مقابلات أو انتقادات أو بث مماثل يتناول الأحداث الاجتماعية التي وقعت وصور الضحية في وسائل الإعلام البصرية والاجتماعية والإلكترونية حتى انتهاء مرحلة التحقيق”.
كما فرضت المحكمة قرارًا بالحد من الوصول إلى ملف التحقيق.
وفي ختام البيان، أعلن وزير الداخلية علي يرلي كايا عبر وسائل التواصل الاجتماعي أنه قد جرى احتجاز 67 شخصًا بعد أحداث الشغب، وانتقد التصرفات غير القانونية التي أسفرت عن الأضرار التي لحقت بمنازل السوريين وممتلكاتهم ومركباتهم.
الجدل حول اللاجئين السوريين في تركيا يشتعل مجدداً
وبعد ادعاء التحرش والتوترات التي نشبت بين الأتراك والسوريين في قيصري، اشتعل النقاش بين السياسيين حول السياسات المتعلقة باللاجئين السوريين في تركيا مجدداً.
وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، انتقد نواب قيصري وبعض الأسماء من الحكومة والمعارضة الوجود الكثيف للسكان السوريين في تركيا وفي المدينة.
وجدد بعض السياسيين دعواتهم لإعادة السوريين إلى بلادهم.
نائب رئيس حزب الحركة القومية (MHP) والنائب في مجلس الأمة التركي الكبير عن ولاية قيصري، إسماعيل أوزدمير، قال عبر حسابه على وسائل التواصل الاجتماعي: “من المتوقع من حزب الحركة القومية أن يتم ضمان عودة ضيوفنا السوريين إلى بلادهم بأسرع وقت ممكن وبشكل كريم”.
أما النائب في حزب الخير القومي المعارض (İYİ Parti) عن قيصري، دورسون آتش، أعرب عن نفاد الصبر،قائلاً: “لا نريد سوريين في بلدنا وفي مدينتنا”.
بدوره، قال النائب عن حزب الشعب الجمهوري المعارض (CHP) عن قيصري، أشكين جنش، قال في مقطع فيديو نشره من شوارع المدينة: “يقال أن هناك 150 ألف لاجئ في قيصري. هذه المدينة وهذا البلد لا يستطيعان تحمل ذلك”.
وأضاف جنش: “هذه ليست قضية سياسية بل قضية وطنية. يجب على الحكومة أن تعيد النظر في سياستها وتتخذ خطوات ملموسة في هذا الصدد. يجب ضمان عودة السوريين إلى بلادهم”.
أما عضو حزب العدالة والتنمية (AKP) عائشة بوهورلار، فقد دعت الناس إلى التزام الهدوء في منشور لها.
وقالت بوهورلار: “تدخلت قوات الأمن والمؤسسات المعنية بسرعة وفعالية في الحادث المؤسف الذي وقع في مدينتنا واتخذت الخطوات اللازمة. وقد وُضعت الطفلةة تحت الحماية. نطلب من الأهالي عدم الانصياع لأي معلومات خارج التصريحات الرسمية”.
من جانبه، قال رئيس حزب النصر القومي اليميني المتطرف، أوميت أوزداغ، المعروف بتحريضه المستمر على اللاجئين السوريين، في بيان عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إن الأحداث الأخيرة أظهرت مدى الغضب الكبير الذي تسببت به سياسة اللاجئين/المهاجرين غير المنضبطة لحزب العدالة والتنمية.
وأضاف أوزداغ: “حتى في ولاية قيصري المعروفة بطابعها القومي والمحافظ والقريبة من حزب العدالة والتنمية، فإن تراكم هذا القدر من الغضب ليس علامة جيدة. الضغوط السياسية والاقتصادية والديمغرافية الناتجة عن وجود 13 مليون لاجئ/مهاجر أصبحت غير قابلة للإدارة”.
إعداد وتحرير: عبد الجواد أمين حميد
التعليقات مغلقة.