هل ستتمكن هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري من العمل معاً بعد إسقاط الأسد؟

هيئة تحرير الشام (HTŞ) والجيش الوطني السوري (SMO) كانا لفترة طويلة أكبر الجماعات المسلحة المعارضة في سوريا.

ووفقاً لما نقله وترجمه فريق تحرير منصة كوزال نت عن تقرير أصدره موقع “BBC Türkçe”،  فإن هيئة تحرير الشام كانت تسيطر على إدلب في الشمال الغربي، بينما كانت وحدات الجيش الوطني المدعومة من تركيا تتركز حول حلب.

وقد شهدت العلاقة بين هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري في الماضي توترات وصلت في بعض الأحيان إلى اشتباكات دامية.

“ومع ذلك، تم الإبلاغ عن مشاركة المجموعات تحت مظلة الجيش الوطني السوري (SMO) في الهجمات التي بدأت تحت قيادة هيئة تحرير الشام (HTŞ) وانتهت بإسقاط حكومة بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024.”

فهل يعني هذا أن هناك تحالفاً بين المنظمتين الكبيرتين؟

يقول الخبراء الذين تحدثت إليهم BBC التركية أن هدف الإطاحة بالأسد قد تحقق، ولكن بعد ذلك من المحتمل أن تظهر توترات بين المجموعات، خاصة فيما يتعلق بصراع القوى.

ويؤكد الخبراء المتابعون للمنطقة أن ضمان تركيا “الوفاق والوحدة” بين SMO وHTŞ يعد أمراً مهماً لاستقرار سوريا في المرحلة المقبلة.

هل هناك تحالف بين هيئة تحرير الشام (HTŞ) والجيش الوطني السوري (SMO)؟

تندلع  صراعات عنيفة من وقت لآخر، بين الفصائل التي تشكل الجيش الوطني السوري (SMO) وهيئة ومنظمة تحرير الشام (HTŞ).

وكان آخر تلك الصراعات في أكتوبر/تشرين الأول 2022، قبل أن تنتهي بتدخل الجيش التركي.

وفي حديثه مع بي بي سي التركية، قال الخبير الأمريكي في معهد واشنطن، آرون زيلس، إنه لا يرى تحالفًا بين HTŞ و SMO، وأكد أنهما كانا “منافسين نسبيين” منذ الماضي.

وأضاف زيلس أنه في عملية الإطاحة بحكومة الأسد الأخيرة، “في حين كانت HTŞ تلاحق الحكومة السورية، كانت القوات الوطنية السورية (SNA) تستهدف قوات سوريا الديمقراطية (SDG) بشكل مختلف، وما زالت تواصل ذلك. بناءً على كل هذه التطورات، لا أعتقد أنهما في تحالف قريب.”

تشكل وحدات حماية الشعب (YPG) الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، الذي يشكل العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية (SDG).

وتعتبر تركيا حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) و وحدات حماية الشعب (YPG) “جناحًا سورياً لحزب العمال الكردستاني” و “منظمات إرهابية”.

وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية على شمال شرق سوريا منذ فترة طويلة.

وبعد أن سيطر الجيش الوطني السوري على مدينة منبج في الشمال، تحركت القوات الكردية شرق نهر الفرات.

من جانب آخر، قال أوروا أرجوب، أحد الخبراء في جامعة مالمو السويدية، لبي بي سي التركية، إنه يعتقد أنه “ليس هناك تحالف ذو معنى” بين SMO و HTŞ.

وأضاف المحلل، الذي يركز على الجماعات الإسلامية، “من المهم عدم نسيان أن علاقاتهما كانت متوترة منذ الماضي”.

وأشار إلى أن هيئة تحرير الشام كانت في مرحلة ما تعتبر بعض فصائل الجيش الوطني السوري “تهديدًا لشرعيتها”.

كيف تتعامل تركيا مع هيئة ومنظمة تحرير الشام والجيش الوطني السوري؟

وقد قاتلت وحدات الجيش الوطني السوري المدعومة من تركيا، في شمال سوريا، ضد الجماعات الكردية بالتعاون مع القوات المسلحة التركية.

كما لعب الجيش الوطني السوري دورًا أيضًا في منع تدفق جديد اللاجئين إلى تركيا.

وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في مقابلة مع قناة “إن تي في” التركية في 13 ديسمبر/كانون الأول، إن دعم الجيش الوطني السوري قد لعب دورًا حاسمًا في “منع القضاء على المعارضة” في سوريا في مواجهة إيران وروسيا، بالإضافة إلى منع تدفق جديد للاجئين.

من جهة أخرى، تولت هيئة منظمة تحرير الشام (HTŞ)، التي تدير محافظة إدلب التي يقدر عدد سكانها بحوالي أربعة ملايين نسمة، مهمة منع تدفق اللاجئين الجدد خلال فترة إدارتها.

ويشير الخبراء إلى أن الهجمات الأخيرة التي أسفرت عن سقوط نظام الأسد من غير المرجح أن تتم دون معرفة وموافقة تركيا.

ويعتقد أوروا أرجب من جامعة مالمو أنه في حال فشل الهجوم، فإن هناك خطرًا من تدفق جديد للاجئين، ويضيف أن “من غير المحتمل أن يبدأ الهجوم دون أن تعطي تركيا الضوء الأخضر”.

ومع ذلك، فإن الجيش الوطني السوري ليس مجموعة متجانسة، بل يتكون من مجموعات ذات أيديولوجيات مختلفة.

استمرت عمليات الاندماج والصراعات بين الجماعات تحت مظلة الجيش الوطني السوري حتى وقت قريب.

وفقًا لمركز كارتر، وقعت 184 اشتباكًا بين مقاتلي الجيش الوطني السوري بين 5 مارس 2020 و10 ديسمبر 2021.

ويتوقع أوروا أرجب أن تكون مهمة تركيا في تحقيق “التوافق أو الوحدة” بين  منظمة تحرير الشام والجيش الوطني السوري أمرًا صعبًا في ظل الصراعات الداخلية التي يعاني منها الجيش الوطني السوري.

هل من الممكن حل المجموعات؟

وقد شهدت هيئة وحركة تحرير الشام (HTŞ) تغييرات عديدة في اسمها على مدار الحرب الأهلية السورية، ومع ذلك استمرت في البقاء ضمن “قوائم الإرهاب” الخاصة بالأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، وتركيا، والعديد من الدول الأخرى.

ومع التطورات الأخيرة، بدأت تظهر توقعات بإمكانية خروجها من تلك القوائم.

فقد قام رئيس جهاز الاستخبارات التركي، إبراهيم قالن، بزيارة إلى دمشق في 12 ديسمبر/كانون الأول 2024، في حين أعلنت الولايات المتحدة وبريطانيا أنهما على اتصال مباشر مع هيئة تحرير الشام.

وفي 10 ديسمبر/كانون الأول، صرح المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسن، خلال مؤتمر صحفي، أن هناك احتمالًا لخروج هيئة تحرير الشام من “قوائم الإرهاب”.

وأضاف بيدرسن أن الهيئة تناقش داخليًا إمكانية حل المجموعة وتحولها إلى “كيان يعمل ضد الإرهاب الدولي”.

وفي تصريحات إعلامية، أشار قائد هيئة تحرير الشام، أحمد الشرع (المعروف بأبي محمد الجولاني)، إلى خطط لحل الفصائل المسلحة.

وذكرت قناة الجزيرة في 14 ديسمبر/كانون الأول أن الشرع صرّح بأن وزير الدفاع في الحكومة الانتقالية السورية سيعمل على حل الفصائل المسلحة، مشددًا على أنه لن يُسمح لأي جهة غير الدولة السورية بالاحتفاظ بالسلاح.

وأفاد جيروم دريفون من مجموعة الأزمات الدولية، في تصريح لـ BBC التركية، بأن هناك احتمالًا لانضمام الفصائل الكبرى التي تشكل الجيش الوطني السوري (SMO) إلى الجيش السوري، بينما قد تترك الفصائل الأصغر أسلحتها.

وبعد الحل المحتمل لهيئة تحرير الشام، يُعتقد أن أحمد الشرع قد يلعب أدوارًا  مهمة في تشكيل المرحلة الجديدة في سوريا بطرق مختلفة.

وفي تعليقه على هذه التطورات، قال برودريك ماكدونالد، الباحث في مركز الدراسات الدولية حول التطرف في كلية كينجز بلندن، لـ BBC التركية:

“إذا انهار نظام الأسد وتفككت هيئة تحرير الشام أو شكلت تحالفًا أوسع، فمن المرجح أن يلعب الجولاني ودائرته المقربة أدوارًا رئيسية في تشكيل المستقبل”.

ما الذي يعنيه اختيار اسم قريب من اسم تحرير الشام للإدارة الانتقالية؟

وفي سبتمبر/أيلول 2024، تحدث قائد حركة تحرير الشام (HTŞ)، أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، في خطاب له بإدلب عن رغبة الهيئة وحكومة الإنقاذ السورية في توسيع نظام الإدارة الذي طوروه في المناطق الصغيرة شمال غرب سوريا ليشمل بقية أنحاء البلاد.

ويشير برودريك ماكدونالد إلى أنه “في ذلك الوقت، كان هدف الجولاني يبدو مستحيلًا بالنسبة لمعظم المراقبين، ولكن بعد ثلاثة أشهر فقط، أصبحت حكومة الإنقاذ السورية في موقع يمكنها من تقديم الخدمات وتنظيم حركة المرور في دمشق وحمص وحماة وحلب”.

وقد أثار انتخاب محمد البشير، أحد الشخصيات البارزة في هيئة تحرير الشام، كرئيس وزراء للحكومة الانتقالية في سوريا تعليقات اعتبرته حدثًا رمزيًا في هذا السياق.

ويقول ماكدونالد إن هذا التطور “يتبع رغبة الجولاني في إنشاء مؤسسات شبه حكومية في إدلب، ومن ثم توسيع نظام الإدارة الذي أنشئ هناك ليشمل بقية أنحاء البلاد”.

لكن، وفي تصريحات أدلت بها لبرنامج أبحاث النزاع السوري في كلية لندن للاقتصاد، ترى الدكتورة ريم تركماني أن تعيين شخصية مرتبطة بهيئة تحرير الشام كرئيس للوزراء قد أدى إلى “نفور العديد من الأطراف في سوريا”.

وتضيف: “هذا التعيين قد يكون رادعًا لهم للانضمام إلى الحكومة، كما يمكن أن يزيد المخاوف بين مختلف المجتمعات. كما أنه لا يوفر المصداقية والشمولية اللازمتين لنجاح حكومة انتقالية”.

ما الذي يعتمد عليه الاستقرار؟

وفقًا للخبراء، فإن الإطاحة بحكم بشار الأسد الذي استمر لمدة 14 عامًا، يعني زوال الهدف المشترك الذي كان يوحّد الفصائل المعارضة.

وفي حديثه مع BBC Türkçe، صرّح غرايغ آر. كلاين، من معهد الأمن والتطورات الدولية بجامعة ليدن في هولندا، بأن أهداف هذه الفصائل أصبحت الآن “غامضة” قائلاً:
“كونك معارضًا وتقاتل ضد السلطة يختلف تمامًا عن أن تكون جزءًا من الحكومة. لقد اتحدت العديد من الفصائل حول هدف الإطاحة بحكومة الأسد، ولكن الآن الهدف بات غير واضح.”

وأضاف كلاين أن تشكيل حكومة انتقالية قد يشهد “محاولات من قبل فصائل وقادة مختلفين لاتخاذ مواقف محفوفة بخطر العودة إلى العنف والمنافسة على السلطة”.

وأشار برودريك ماكدونالد إلى أن هذا الوضع “يمكن أن يعيد التوترات السابقة إلى السطح، مع خطر أن تؤدي النزاعات الداخلية إلى دفع سوريا نحو مزيد من العنف السياسي.”

ويجمع الخبراء على أن تحقيق استقرار البلاد يتطلب من هيئة ومنظمة تحرير الشام (HTŞ) التفاعل مع جميع مكونات المجتمع.

من جانبها، أوضحت الدكتورة ريم تركماني، من كلية لندن للاقتصاد، أنه إذا لم يتحقق هذا الهدف، فمن المرجح أن “تقاوم المجتمعات المسلحة التي تشعر بالتهديد”.

وقالت تركماني:
“عندما تقترن هذه المخاوف مع النهج الإقصائي لمنظمة تحرير الشام، فإنها تحمل خطر إشعال حرب أهلية جديدة. إن تحقيق انتقال حقيقي ومستقر يتطلب قيادة وحوكمة تعمل على بناء الثقة والأمن بين جميع المجتمعات والجغرافيا السورية.”

إعداد وتحرير: عبد الجواد أمين حميد

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.