واشنطن بوست تزعم: آلاف المقاتلين الأجانب في سوريا، مُعضلة تواجه الشرع!
ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، يشكل وجود آلاف المقاتلين الأجانب في سوريا، الذين ساعدوا في إسقاط نظام الأسد، تهديدًا محتملًا لبقاء الرئيس أحمد الشرع السياسي.
ووفقاً لما ترجمه فريق تحرير منصة كوزال نت، عندما دخل الثوار السوريون دمشق منتصرين أواخر العام الماضي، كان قائدهم أحمد الشرع يعتمد جزئيًا على آلاف المقاتلين الأجانب في سوريا للمساعدة في الإطاحة بدكتاتورية بشار الأسد.
وبعد ستة أشهر، أصبح الشرع رئيسًا، ويُمثّل استمرار وجود هؤلاء المقاتلين الأجانب في سوريا بتو جهاتهم الإسلامية، والقادمين من مناطق بعيدة مثل أوروبا وآسيا الوسطى للانضمام إلى الثورة، تحديًا عميقًا لبقائه السياسي.
قام الشرع بتعيين بعضهم في مناصب رفيعة في وزارة الدفاع السورية، وأشار إلى أن كثيرين منهم قد يحصلون على الجنسية السورية، لكن إدارة ترامب تشترط طرد جميع المقاتلين الأجانب في سوريا كشرط لتخفيف العقوبات الأمريكية التي أضرت باقتصاد سوريا.
وبعد لقاء ترامب مع الشرع في السعودية هذا الشهر، غردت كيرولين ليفيت، المتحدثة باسم البيت الأبيض، بأن ترامب حثّ زعيم سوريا الجديد على “طلب مغادرة كل من أسماهم بـ الإرهابيين الأجانب”.
وعلى الرغم من نية الشرع في الإبقاء على مجموعة من الحلفاء الأجانب حوله، فإن بعض هؤلاء المقاتلين السنّة المتشددين يسببون له مشكلات بالفعل وفق مزاعم الصحيفة.
فوفقًا لمجموعات مراقبة، فإن بعض المقاتلين الأجانب في سوريا الذين شاركوا في التصدي لمحاولة الإنقلاب قبل شهرين في المناطق الساحلية بسوريا، وأسفرت عن مقتل المئات من الأمن العام والمدنيين، كانوا من المقاتلين الأجانب، مدعية أن هذه التوترات الطائفية تهدد بزعزعة استقرار انتقال الشرع الهش.
المقاتلون الأكثر تشددًا يوجهون غضبهم الآن نحو الشرع، مستائين من أنه، الذي كان يعرف باسم أبو محمد الجولاني، لم يفرض بعد الشريعة الإسلامية، ويتهمونه بالتعاون مع الولايات المتحدة والقوات التركية لاستهداف الفصائل المتشددة.
وقال مقاتل أوروبي متحدثًا شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب أوامر بعدم التحدث، خلال مقابلة في مدينة إدلب شمال سوريا: “الجولاني يهاجمنا من الأرض، وأمريكا من السماء”.
خلال العقدين الماضيين، تدفق عشرات الآلاف من المقاتلين الأجانب إلى سوريا والعراق المجاور، وانضم كثير منهم إلى القتال ضد الأسد خلال الثورة السورية التي استمرت حوالي 14 عامًا.
وقد انضم الكثير إلى جماعات متطرفة مثل تنظيم الدولة الإسلامية، بينما انضم آخرون إلى فصائل أقل تطرفًا.
وتُقدر الأبحاث أن 5,000 منهم لا يزالون في سوريا، وهم مندمجون في المجتمعات المحلية، خاصة في الزاوية الشمالية الغربية من البلاد، ومتزوجون من نساء سوريات ولديهم أطفال نشأوا هناك.
في ظل محاولته الموازنة الصعبة، أمرت الحكومة هؤلاء الأجانب بالتزام الصمت وعدم الظهور، حسب محللين سياسيين والمقاتلين أنفسهم.
خلال ثلاث زيارات سابقة إلى سوريا منذ سقوط الأسد في ديسمبر، التقى مراسلو صحيفة واشنطن بوست بمقاتلين أجانب في عدة مناطق من البلاد. ففي ديسمبر، كانوا متمركزين على طول الطريق إلى مدينة حماة الوسطى، وحمى مقاتلون أتراك طريقًا على تلة تؤدي إلى مقام زين العابدين، حيث دارت أعنف المعارك، وكان مقاتلون عراقيون يتجولون في المدينة كسياح. وفي مارس، كان مقاتل من آسيا الوسطى يقود نقطة تفتيش على الطريق المؤدي إلى جبل قاسيون الشهير في دمشق.
أما في أوائل مايو، فقد غادر هؤلاء المقاتلون إلى حد كبير، على الأقل من نقاط التفتيش وشوارع وسط وجنوب سوريا.
قال جيروم دريفون، محلل كبير في شؤون الجهاد والنزاعات الحديثة لدى مجموعة الأزمات الدولية: “حاولت الحكومة عزلهم، لكن هناك مشكلة حقيقية في تنفيذ مطلب الولايات المتحدة. يقولون إن كل الإرهابيين يجب أن يغادروا، لكن السؤال: من هم الإرهابيون في هذه الحالة؟” فقط عدة عشرات من هؤلاء المقاتلين صنفتهم الأمم المتحدة كإرهابيين، وفي كثير من الحالات، تملك حكومات بلدانهم معلومات محدودة عن نشاطاتهم في سوريا.
وتساءل دريفون: “وعندما يقولون ‘غادروا’، حسنًا، إلى أين؟ دولهم لا تريدهم.”
صناعة الحياة في سوريا
اليوم، يعيش غالبية المقاتلين الأجانب في سوريا تحت راية إدارة العمليات العسكرية، الجماعة الإسلامية التي يرأسها الشرع، أو تحت لواء حزب تركستان الإسلامي المتحالف بشكل فضفاض معها.
ويقطن معظمهم في محافظة إدلب، المنطقة التي حكمتها إدارة العمليات العسكرية كدولة مصغرة خلال السنوات الأخيرة من حكم الأسد.
في يوم حديث في محافظة إدلب، كان الرجال يمرّون بسرعة عبر الشوارع المزدحمة على دراجاتهم النارية لشراء الخبز والمواد الغذائية، ويتوجهون جماعات إلى المساجد استجابةً لنداء الصلاة المُعزَّز. وكان كثيرون منهم يُعرفون كأجانب، ويبدو أنهم من آسيا الوسطى. بعضهم يرتدي زيًّا عسكريًا، والبعض الآخر ملابس عادية. أما الذين وافقوا على إجراء مقابلات، فقد اشترطوا المحافظة على درجة من السرية بسبب أوامر تجنب الظهور الإعلامي.
وتحدث مقاتل فرنسي لواشنطن بوست، مشترطاً عدم ذكر اسمه الكامل واكتفى بـ”مصطفى”، موضحاً أنه سافر من باريس للانضمام إلى القتال ضد قوات الأسد عام 2013، بداية مع فصيل صغير يتكون معظم أعضائه من المصريين والفرنسيين، ثم انضم لاحقًا إلى جبهة النصرة، التي كانت التسمية السابقة لهيئة تحرير الشام المرتبطة آنذاك بتنظيم القاعدة.
وفي محله المزود بواجهة زجاجية في وسط إدلب، قال الحلاق محمد كردي، البالغ من العمر 35 عامًا، إنه كان يبدأ مواعيده بالسؤال عن بلد المنشأ لزبائنه.
وأضاف: “لقد استقبلنا… أشخاصًا من بيلاروسيا، وشيشانستان، وأوزبكستان وأماكن أخرى”. وأحيانًا كان يسأل عن زبائن لم يعودوا يزورون المحل. وقال: “كنا نكتشف أن كثيرين منهم قُتلوا”.
ويقول خبراء يراقبون الجماعات الإسلامية إن المقاتلين بشكل عام أصبحوا أقل تشددًا مع مرور الوقت، رغم أن معظمهم ما يزال محافظًا جدًا.
وقالت أروى عجوب، طالبة دكتوراه في جامعة مالمو تدرس الجماعة: “الغالبية الساحقة من الذين بقوا تحت راية إدارة العمليات العسكرية حتى تقدمهم نحو دمشق تم استيعابهم واحتواؤهم، بطريقة أو بأخرى”.
ولم يرغب أي من المقاتلين الأجانب في سوريا الذين أجرت الصحيفة معهم مقابلات في مغادرة سوريا، مشيرين إلى احتمال اعتقالهم أو حتى تعرضهم لعقوبة الإعدام في بلدانهم الأصلية.
وقال المقاتل الفرنسي مصطفى إن العودة إلى باريس ليست خيارًا مطروحًا. وأضاف: “أنا مطلوب في معظم الدول الأوروبية”. وقال آخر: “ليس لدينا مكان آخر نذهب إليه”.
غليان في صفوف المقاتلين الأجانب في سوريا!
بينما قال معظم الذين تمت مقابلتهم إنهم يدعمون فرض الشريعة تدريجياً، إلا أن هناك جماعة صغيرة متشددة غير صبورة. على وسائل التواصل الاجتماعي، انتقد هؤلاء الرجال السلطات الجديدة باعتبارها غير إسلامية، بسبب عدم تطبيق الشريعة، ولقاءاتها مع قادة غربيين يعارضونهم أيديولوجياً.
قال الشيخ الكويتي علي أبو الحسن، المسؤول الديني السابق في “جبهة النصرة”، في قناة التليجرام الخاصة به في وقت سابق من هذا الشهر: “لقد أصبح المهاجرون عبئاً على الجولاني بعدما كانوا قوته. سيتخلص منهم بمجرد أن يؤمن بديلاً.”
ووفق مزاعم الصحيفة يزيد من غضب المقاتلين الأجانب في سوريا اعتقادهم بأن الشرع تعاون مع الولايات المتحدة وتركيا في استهداف خلايا تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة بضربات جوية، بينما سعى لترسيخ سيطرة إدارة العمليات العسكرية أولاً في إدلب ثم في دمشق.
وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في ديسمبر/كانون الأول 2024: “لقد ساعدونا كثيراً، وعلى مر السنين تعاونوا معنا في توفير المعلومات الاستخباراتية.” وفي الشهر التالي، أفادت صحيفة الواشنطن بوست أن الحكومة السورية الجديدة استخدمت معلومات استخباراتية أمريكية للمساعدة في إحباط مخطط لتنظيم الدولة الإسلامية لاستهداف مقام ديني شيعي خارج دمشق.
قال برودريك ماكدونالد، الباحث في كلية كينغز لندن في برنامج أبحاث XCEPT، الذي ركز عمله الميداني على المقاتلين الأجانب: “نرى منشورات تقول إن الصبر نفد. بعضهم يتحدث عن استعدادهم لمحاربة طاغية جديد. ينظرون إلى الوضع ويتساءلون هل هذا هو الهدف من القتال خلال 14 سنة؟”
وفي داخل مسجد في إدلب، وصف مقاتل أوروبي من فصيل حرّاس الدين المنحل، الشرع بأنه عدو بنفس قدر الولايات المتحدة، زاعماً: “إنهم يعطون مواقعنا للأمريكيين لقصفنا.”
الشرع يحقق التوازن المطلوب
تتابع الصحيفة “في الوقت الراهن، تحرص الحكومة على عدم الظهور وكأنها تستهدف المقاتلين الأجانب في سوريا الذين ظلوا أوفياء، أو على استفزاز المتشددين الذين بدأوا يشعرون بخيبة أمل.
قال دريفون: «لا تريد الحكومة خيانتهم، لأنها في النهاية لا تعرف كيف سيكون رد فعلهم. قد يختفون، أو ينضمون إلى مجموعات أخرى، أو يبدأون في إشعال العنف الطائفي، وقد تتفاقم الأمور.»
بدلاً من ذلك، تحاول السلطات وضع قواعد واضحة لسلوك الأجانب المتوقع، حيث يُطلب منهم تجنب التحريض على العنف الطائفي أو السياسي، والامتناع عن الدعوة إلى شن هجمات على دول أخرى.
كما تسعى حكومة الشرع إلى دمج معظم المقاتلين الأجانب في الجيش الجديد للبلاد. قال دريفون: «الفكرة هي وضعهم ضمن هيكل عسكري لتسهيل السيطرة عليهم»، لكن التقدم في هذا المجال كان بطيئًا.
وقد عيّن الشرع بالفعل ستة أجانب في مناصب رفيعة في وزارة الدفاع، وهي خطوة قال الخبراء إنها تهدف إلى حمايته من الانقلابات المحتملة عبر وضع المناصب الأمنية، بما في ذلك قيادة حراسته الرئاسية، في يد موالين أجانب لا يملكون قاعدة نفوذ مستقلة. لكن هذه التعيينات أثارت جدلاً واسعاً بين السوريين وفي العواصم الغربية.
وفي رسالة وجهتها حكومة الشرع إلى الإدارة الأمريكية قبل أسابيع من رحلة ترامب إلى السعودية، أفادت أنها علقت منح الرتب العسكرية العليا للأجانب، دون توضيح ما إذا كانت الترقيات السابقة قد أُلغيت، وفقًا لوكالة رويترز.
وأشاد المبعوث الأمريكي الخاص الجديد إلى سوريا، توماس باراك، في بيان صدر في 24 مايو/آيار، بإدارة الشرع لاتخاذها «خطوات مهمة» بشأن قضية المقاتلين الأجانب في سوريا، دون الكشف عن مزيد من التفاصيل.
قال ماكدونالد عن الشرع: «لقد سار على هذا الخط لفترة طويلة من أجل تحقيق توازن بين مختلف الأطراف.هذا هو المحك الأكبر الآن.»
التعليقات مغلقة.