ماذا وراء خطة ميناء غزة التي تنفذها الولايات المتحدة الشريكة في الإبادة الجماعية؟
يبدو أن خطة ميناء غزة هي محاولة من جانب الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي يمر بوضع صعب بشكل متزايد قبل الانتخابات الأمريكية، لتجنب وصفه بأنه “شريك في الإبادة الجماعية”.
ووفقاً لما نقله فريق كوزال نت عن وكالة الأناضول التركية الرسمية، كتب أستاذ السياسة والعلاقات الدولية في جامعة جيديك في اسطنبول الدكتور سليم سيزر، حول الديناميات التي تكمن وراء خطة ميناء غزة التي تتجهز فيها الولايات المتحدة لبناء ميناء مؤقت في غزة، وذلك ضمن تحليل لوكالة الأناضول.
ماذا وراء خطة ميناء غزة التي تنفذها الولايات المتحدة الشريكة في الإبادة الجماعية؟
حتى تاريخ كتابة هذا المقال، لم تنجح محاولات التهدئة المؤقتة لوقف إطلاق النار خلال شهر رمضان في غزة بنتائج إيجابية. ويبدو أن الخلافات بين رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو ورئيس الولايات المتحدة جو بايدن تعمقت في بعض الجوانب خلال هذه الفترة.
ولا سيما بدءًا من 29 فبراير/شباط 2024، حيث اُعتبر إلقاء المساعدات الإنسانية جوًا على غزة من قبل طائرات الولايات المتحدة أحد التجليات الرمزية المهمة لهذا الانفصال، ومع ذلك، يتعين تحديد طبيعة هذا الانفصال وحدوده بشكل صحيح.
سياسة الولايات المتحدة المنافقة في غزة
منذ البداية، لم تحظَّ محاولات نتانياهو للاستيلاء على جزء أو كل من قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين الذين يعيشون في المنطقة بالموافقة من واشنطن. ومع ذلك، لم يطرأ أي تقليل أو انقطاع في المساعدات العسكرية الأمريكية للكيان الصهيوني. ومع ذلك،جرى حجب أي محاولة دولية تستهدف الكيان الصهيوني في جميع المحافل الدولية، بما في ذلك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
ومن هذا المنظور، يمكن القول إن سياسة بايدن في غزة كانت دائمًا ذات جوانب مزدوجة ومنافقة.
وفي حين أن إدارة بايدن أعطت الضوء الأخضر لهجمات الكيان الصهيوني ودعمت تلك الهجمات بالمساعدات العسكرية، فإنها فرضت قيودًا على أهداف الحرب وأكدت عدة مرات على حماية السكان المدنيين، ويمكن تفسير هذا التناقض كنفاق وازدواجية. ومع ذلك، يستند كلا العنصرين في هذه السياسة المزدوجة في النهاية إلى حماية الكيان الصهيوني.
وبالإشارة إلى مقابلة جو بايدن الأخيرة حيث اتهم نتانياهو بـ “إلحاق الأذى بالكيان الصهيوني أكثر من تحقيق الأفضل لها” ، إذ تشير المقابلة أيضًا إلى أن إدارة الكيان الصهيوني الحالية، التي تتسم بـ “الإفراط” فيما يتعلق بأهداف ووسائل الحرب في غزة، قد تجد نفسها في مأزق لا يمكنها الخروج منه.
إذ يبدو أنه من الممكن أن تتعرض لاحتمالات مثل الانسحاب دون تحقيق أهداف الجيش وتكبد خسائر في الهيبة، أو الانخراط في حرب متعددة الجبهات ومدمرة، مما يؤدي إلى ارتفاع التوترات الداخلية والفوضى، وتعرض الكيان الصهيوني لعقوبات على الساحة الدولية، وفي نهاية المطاف، التشكيك في أسسها الأنطولوجية وشرعيتها، وهذه هي القضايا التي تثير أكبر قلق في البيت الأبيض.
التأكيدات على حماية السكان المدنيين والتصدي لأزمة الجوع في المقام الأول تنبع من هذه المخاوف، كما أن تأسيس ميناء مؤقت لتوصيل المساعدات الإنسانية والغذاء إلى غزة قبل بضعة أيام يعود أساسًا إلى هذه المخاوف.
ويبدو أن خطة الميناء تعكس أيضًا جهدًا لتجنب تسميتها باسم “شريك في الإبادة الجماعية”، خاصةً مع ازدياد التحفظات في الرأي العام الأمريكي وداخل الحزب الديمقراطي، وهو ما يجعل المشهد السياسي لجو بايدن أمام تحديات متزايدة قبل الانتخابات.
ما هو الهدف الحقيقي من خطة ميناء غزة الأمريكية؟
محاولة الولايات المتحدة لتنفيذ خطة ميناء في غزة أثارت مجموعة من علامات الاستفهام في العقول.
أولاً وقبل كل شيء، كما أشار العديد من الأشخاص والمؤسسات، تعتبر المساعدات التي يجري توفيرها عبر الممر البحري أكثر تكلفة، وتبقى من حيث الحجم والقابلية أقل من المساعدات التي يمكن نقلها عبر الطرق البرية.
وعلى الرغم من ذلك، تفضل الإدارة الأمريكية عدم ممارسة ضغط على الكيان الصهيوني للسماح بدخول كميات كافية من الشاحنات المحملة بالمساعدات عبر معابر رفح وكرم أبو سالم جنوب قطاع غزة.
ومن جهة أخرى، أشير في التصريحات الأولية إلى أن “بناء الميناء المؤقت” قد يستغرق بضعة أسابيع.
وآخر التقييمات والأخبار تشير إلى فترة بناء وتنفيذ خطة ميناء غزة قد تصل إلى 60 يومًا.
في غزة، حيث تزيد حالات الوفاة بسبب الجوع يوميًا، خاصة في المناطق الشمالية، ولا يمكن للسكان تحمل هذه المدة الطويلة.
وعلاوة على ذلك، إذا كان يتم تقديم الميناء الذي سيدخل حيز التنفيذ بعد 60 يومًا كحلٍ للوضع الطارئ الذي أحدثته عمليات النزاع، فإن ذلك يعني توقع استمرار الصراع لأشهر، وربما سنوات، دون وجود جدول زمني لوقف دائم لإطلاق النار.
وعلى الرغم من أن هناك إشارات إلى وصول بعض السفن من قبرص الجنوبية إلى غزة قبل الانتهاء من الميناء، فإنه لا يُتوقع أن تكون هذه الإمدادات كبيرة الحجم.
إحدى الجوانب التي زادت من تعقيد الأمور وأثارت تساؤلات أعمق هي دعم مشروع خطة ميناء غزة من قبل سلطات الكيان الصهيوني. وبالتأكيد، يمكن أن يؤدي نقل بعض المساعدات عبر البحر إلى غزة إلى تقليل الضغط على الكيان الصهيوني، وخلق إدراك بأن الأزمة الإنسانية قد خفت بالفعل، وأن المساعدات اللازمة قد تم توفيرها بالفعل، مما يؤدي إلى تقليل أهمية جرائم الحرب الثقيلة التي استمرت في تصدر أجندة الأخبار طيلة الفترة الماضية.
ومن ناحية أخرى، قد يكون الميناء الذي سيتم بناؤه ظاهرياً للمساعدات الإنسانية ليستهدف بالفعل أهدافًا أخرى ولذلك قد يكون مدعومًا من قبل الكيان الصهيوني لهذا السبب.
أحد السيناريوهات الممكنة هي أن يكون هذا الميناء قد جرى تصميمه ليؤدي دور بوابة إخلاء لسكان غزة مع تعمُّق النزاعات والعمليات. ويمكن أن يكون هذا الخيار قد أعيد النظر فيه بعد تأكيد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بحزم أنه لن يستقبل لاجئين فلسطينيين في شبه جزيرة سيناء.
إحدى الاحتمالات الأخرى هي أن يكون هذا الميناء في الواقع مرتبطًا بمشاريع الغاز الطبيعي بعد الحرب.
وولا سيما عندما نفكر في المبادرات المتعلقة بغاز البحر الأبيض المتوسط التي تقوم بها إدارة قبرص الرومية، يمكن أن يكون الأمر على المدى القصير والطويل أن يكون الموضوع المطروح هو نقل غاز غزة الطبيعي، الذي سيكون للفلسطينيين حصة محدودة جداً، من ميناء غزة إلى ميناء لارناكا.
ولا يزال لدينا بيانات واقعية تشير إلى هذه الاحتماليات الأخيرة. ومع ذلك، حتى لو كان إنشاء الميناء بسبب الأزمة الإنسانية فقط، ولكل الأسباب التي ذكرناها، فإن الإغاثة التي ستجلبها هذه المبادرة للأزمة قد تطغى على الإغاثة التي ستقدمها أمريكا لإسرائيل.
إعداد وتحرير وترجمة: عبد الجواد حميد
التعليقات مغلقة.