ما هي أسباب خسارة حزب العدالة والتنمية الحاكم للانتخابات المحلية التركية 2024؟

نشر الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني المختص بالشأن التركي د.سعيد الحاج مقالة تناولت تحليلاً يرصد أسباب خسارة حزب العدالة والتنمية الحاكم في الانتخابات المحلية التركية 2024.

فريق كوزال نت رصد مقالة الكاتب التي نشرها موقع قناة الجزيرة الفضائية على الإنترنت

وفيما يلي نص المقالة كما أوردها الموقع..

المختص بالشأن التركي والمحلل السياسي الفلسطيني/ د.سعيد الحاج

 

«التصويت العقابي».. ما أسباب خسارة حزب العدالة والتنمية الحاكم الانتخابات في تركيا؟

رغم توقع البعض تراجع حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا في نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة نظرًا لعدة أسباب، فإن النتائج الأولية أظهرت تراجعًا كبيرًا غير متوقع وخسارة مدوية للحزب. 

ومن ملامح خسارة حزب العدالة والتنمية الحاكم أن حزب الشعب الجمهوري المعارض تقدم عليه لأول مرة، ولم يكتف الأخير بالاحتفاظ ببلديات بعض المدن الكبرى، بل ضم إليها مدنًا وولايات إضافية، مما شكّل مشهد فوز كاسح وغير متوقع، وأثار صدمة لدى الكثيرين.

نتائج الانتخابات المحلية التركية 2024..وملامح خسارة حزب العدالة والتنمية الحاكم

 

وفقًا للنتائج الأولية غير الرسمية، فإن حزب الشعب الجمهوري قد تقدم على باقي الأحزاب وحقق تفوقًا لأول مرة على حزب العدالة والتنمية منذ تأسيس الأخير. وقد بلغت نسبة أصواته 37.5%، بينما جاء حزب العدالة والتنمية في المركز الثاني لأول مرة بنسبة تصويت 35.6%، وحل الرفاه من جديد في المركز الثالث بنسبة 6.1%.

وقد فاز حزب الشعب الجمهوري برئاسة بلدية 36 مدينة ومحافظة، من بينها 15 مدينة كبرى و21 محافظة، مقارنةً بفوز حزب العدالة والتنمية بـ 23 منها، بما في ذلك 11 مدينة كبرى و12 محافظة. بالإضافة إلى ذلك، فقد حصل حزب المساواة والديمقراطية الشعبية على 10 بلديات، وحزب الحركة القومية على ثماني محافظات، وحزب الرفاه من جديد على بلديتَين، وحزب الجيد على بلدية محافظة واحدة.

بهذا، يظهر تقدم حزب الشعب الجمهوري كأكبر أحزاب المعارضة، حيث ارتفع عدد بلدياته من 20 إلى 36، في حين تشير خسارة حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى تراجع حصته من 39 إلى 23. وفيما فاز حزب الرفاه مجددًا وحزب الجيد برئاسة بلديات لأول مرة، رفع حزب المساواة والديمقراطية الشعبية رصيده من 8 إلى 10 بلديات.

علاوةً على ذلك من آثار خسارة حزب العدالة والتنمية، حصول حزب الشعب الجمهوري على أغلبية المجالس البلدية لكل من بلديتي أنقرة وإسطنبول، اللتين كانتا تابعتين لتحالف الجمهور الحاكم في الانتخابات السابقة، على الرغم من خسارته رئاسة البلديتين لصالح المعارضة.

وفيما يتعلق بالبلديات الفرعية أو بلديات أحياء المدن الكبرى، فقد رفع حزب الشعب الجمهوري عدد بلدياته في أنقرة من 3 إلى 16، بينما تراجع حزب العدالة والتنمية الحاكم من 19 إلى 8 من بين 25 بلدية فرعية. وفي إسطنبول، رفع حزب الشعب الجمهوري عدد بلدياته من 14 إلى 26، بينما تراجع حزب العدالة والتنمية من 24 إلى 13 من بين 39 بلدية فرعية.

بهذا، يظهر تقدم حزب الشعب الجمهوري بوضوح، بينما يشير تراجع حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى خسارة كبيرة وشاملة، على الرغم من فوزه في الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي جرت قبل عشرة أشهر، مما يستدعي دراسة ونقاش الأسباب والعوامل التي ساهمت في هذه النتيجة المفاجئة للحزب الحاكم الذي كان يفوز في جميع الانتخابات التي خاضها منذ تأسيسه في عام 2001 وحتى الآن.

التصويت العقابي

وفي خطابه الذي ألقاه بعد ظهور النتائج الأولية، أشار الرئيس التركي وزعيم حزب العدالة والتنمية الحاكم، رجب طيب أردوغان، إلى أن “الناخبين قد أعربوا عن رأيهم ورسالتهم من خلال صناديق الاقتراع”. 

وهذه العبارة المألوفة تكررها عادة، لكنها تبقى أساسية وموضحة للموقف الحالي. المدة الزمنية القصيرة بين الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي فاز بها أردوغان وتحالف الجمهور الحاكم بأغلبية في البرلمان، وبين الانتخابات المحلية الحالية التي جرى الإعلان عن نتائجها، تشير إلى ضرورة النظر في الاختلاف بين الاستحقاقين من جهة، والأسباب والعوامل المتغيرة من جهة أخرى.

الفارق بين هاتين الجولتين الانتخابيتين يكمن في طبيعة كل منهما، حيث إن الانتخابات المحلية تمثل مرحلة أقل تأثيرًا مباشرًا على الحياة السياسية في البلاد مقارنة بالانتخابات الرئاسية والتشريعية. 

ولذلك، قد يكون التزام الناخبين بالتصويت لأحزابهم أقل في الانتخابات المحلية. ومن هنا، فإن خسارة حزب العدالة والتنمية الحاكم في هذه الانتخابات وتراجعه بشكل كبير، لم تؤثر بشكل كبير على الاستقرار السياسي في البلاد، إذ ما زال أردوغان رئيسًا والتحالف الحاكم متحكمًا في معظمية البرلمان.

هذا يشير إلى فكرة “التصويت العقابي”، حيث يُرسل الناخبون رسائل إلى القيادة السياسية من خلال صناديق الاقتراع، وهو ما حدث بوضوح في هذه الانتخابات، مما يتجلى في عدة مؤشرات.

من جانب المعارضة، فإن معظم الأصوات ذهبت إلى مرشحي حزب الشعب الجمهوري، الذين كانوا المنافس الرئيسي لحزب العدالة والتنمية بهدف منع فوز الأخير. وقد شملت هذه الظاهرة حتى الأحزاب التي قدمت مرشحيها الخاصين، حيث تراجعت نسبة أصواتها في هذه الانتخابات بشكل ملحوظ، خاصةً حزب الجيد المعارض.

أما الشريحة الثانية، فهي أنصار حزب العدالة والتنمية أو الأفراد الذين كانوا يصوتون له بانتظام، وخاصةً من المحافظين، ويبدو أنهم أرسلوا رسالة قوية في هذه الانتخابات.

 يشير انخفاض نسبة المشاركة إلى انخفاض في نسبة المشاركة بين أنصار حزب العدالة والتنمية الحاكم، وإذا استثنينا الانتخابات المحلية عام 2004، فإن هذه هي النسبة الأدنى للمشاركة في الانتخابات المحلية منذ السبعينيات. 

كما يؤكد تراجع عدد الأصوات التي حصل عليها الحزب بأكثر من مليوني صوت (15.7 مليون صوت مقابل 18 مليون صوت في عام 2019) على هذا الافتراض.

والمؤشر الثالث الذي يدعم فرضية التصويت العقابي هو تقدم حزب الرفاه من جديد في هذه الانتخابات واحتلاله المركز الثالث، وهو حزب إسلامي كان تحالف مع حزب العدالة والتنمية في العام 2023، مما يعني أنه قريب منه أيديولوجيًا ولا يُعتبر خصمًا بالضرورة، مما يشير إلى أنه شكل “بديلًا آمنًا” لبعض الناخبين.

 

أسباب الهزيمة

عندما نتناول أسباب الهزيمة، نجد أن بعضها قديم مستمر، وبعضها حديث ومستجد. من بين الانتقادات الرئيسية لحزب العدالة والتنمية وحكوماته الأخيرة يأتي التراجع الاقتصادي الذي شهدته البلاد في السنوات الأخيرة، والذي لم تتمكن السياسات الحكومية من إقناع الناخبين بفاعليتها في المستقبل.

من جانب آخر، كانت شريحة المتقاعدين غير الراضية عن تقاعدها وعن الزيادة الحكومية في رواتبها، وهذا الأمر يرتبط بشكل وثيق بتراجع شعبية الحزب والحكومة، وهناك أيضًا مسألة ترهل الحزب والحكومة بمرور الزمن، والتغييرات التي طرأت على الحزب في الفكر والخطاب والممارسة السياسية والتحالفات.

كل هذه العوامل كانت موجودة في الانتخابات السابقة وكانت مسؤولة عن تراجع نسبة التصويت للحزب، لكن التصويت العقابي فيها كان سيكلف الكثير، خاصة إذا ما تعلق الأمر بنقل السلطة للمعارضة، ولذلك فقد أجلت بعض الشرائح هذا القرار للانتخابات المحلية الأخيرة.

أما العوامل الجديدة التي تسببت في “قرصة أذن” للرئيس التركي وحزبه وحكومته، فتشمل الموقف من العدوان على غزة. فكانت الشريحة المحافظة، خاصة منهم من يتابع القضايا الإسلامية بانتظام، غير راضية عن الموقف الرسمي وطالبت بخطوات إضافية لدعم غزة، ولكن لم تجد طلباتها استجابة. لذا، قام البعض بمقاطعة الانتخابات أو إبطال أصواتهم كوسيلة للتنبيه إلى هذا الأمر.

أكرم إمام أوغلو في أحد الاحتفالات بعد فوز حزب الشعب الجمهوري وخسارة حزب العدالة والتنمية الحاكم في الانتخابات المحلية التركية 2024

وقد انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي صور لناخبين قاموا بإبطال أصواتهم بكتابة رسائل تدعم غزة وتنتقد موقف الحكومة، مما يعكس حضور غزة كعامل مؤثر في النتائج بعد أن كانت حاضرة بوضوح في الحملات الانتخابية، ولكن من الصعب تحديد حجم هذه الشريحة بدقة.

الخلاصة

وفي الختام، تُعتبر نتائج الانتخابات المحلية/البلدية الأخيرة صدمة قوية لحزب العدالة والتنمية، مما يجعله يدرك ضرورة الاستماع إلى صوت الشارع والتوافق معه، وهو مبدأ أكد عليه الرئيس أردوغان.

تنذر نتائج هذه الانتخابات بالتحديات التي قد تواجه حزب العدالة والتنمية الحاكم في الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة في عام 2028، حيث قد يكون أحد المرشحين الرئيسيين  فيها رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، أكرم إمام أوغلو، وذلك خاصةً إذا ما واجه الحزب الحاكم تلك الانتخابات بدون مشاركة أردوغان، الذي كان الرابح في كل الجولات الانتخابية السابقة.

لذا، يتعين على أردوغان وحزبه العمل على استعادة ثقة الناخبين خلال الأعوام الأربعة القادمة والاستعداد لانتخابات عام 2028، من خلال تبني تغييرات وتحسينات جوهرية وحقيقية، وليست تغييرات شكلية فحسب.

 

التعليقات مغلقة.