المقاومة الفلسطينية السورية.. كيف جمعها الأدب تاريخياً؟

كما نعلم جميعًا، بعد الحرب العالمية الأولى، عندما اضطرت الدولة العثمانية إلى الانسحاب من المنطقة، احتلت فلسطين من قبل البريطانيين وسوريا من قبل الفرنسيين، الأمر الذي أدى لاحقاً إلى نُضج جبهة المقاومة الفلسطينية الأدبية والأدباء في البلدين.

في هذا السياق ينقل لكم فريق كوزال نت ترجمة لمقالة نشرتها صحيفة “yenisafak” من إمضاء الكاتب التركي بيرين بيرسايلي موت، حول جبهة المقاومة الفلسطينية السورية الأدبية في تلك الحقبة الهامة من الزمن، التي يجب استحضارها اليوم في ظل تكرر المأساة في كل من سوريا وما تشهده فلسطين ولا سيما قطاع غزة من إبادة جماعية تُناهز العام.

جبهة المقاومة الفلسطينية السورية الأدبية

 لم يمض وقت طويل على قيام الدول الغربية بتقسيم القارة الإفريقية فيما بينها، في ذلك الوقت. ومع ذلك، سرعان ما بدأت تلك الدول تطمع في أراضٍ جديدة. لكن الخيارات أمامها كانت محدودة. فقد كانت ربع أراضي العالم تحت سيطرة البريطانيين بالفعل، وثلثها تحت سيطرة الإمبراطورية الروسية. وبموجب مبدأ مونرو، كانت نصف الكرة الأرضية الغربي تحت سيطرة الولايات المتحدة. لذا، كان الشرق الأوسط واحدًا من المناطق القليلة التي يمكن أن تلبي الطموحات الاستعمارية الجديدة. وهكذا، أصبحت ولاية الشام العثمانية تحت سيطرة الفرنسيين، والقدس تحت سيطرة البريطانيين، وبدأت مقاومة مشتركة ضد أقوى قوتين استعماريتين في ذلك الوقت.

بدء تشكل جبهة المقاومة الفلسطينية السورية الأدبية

ويشير الكاتب إلى أن الأدباء والكتاب الفلسطينيين كانوا على اتصال دائم مع المقاومة المستمرة ضد الفرنسيين في سوريا. وبالمثل، كان الكتاب السوريون يدعمون المقاومة في فلسطين بشكل نشط، إذ كتبوا في الصحف والمجلات جنبًا إلى جنب، وشاركوا في المؤتمرات معًا، وأصبحوا أقرب رفقاء النضال لبعضهم البعض.

حكاية مشتركة

يقول الكاتب “نحن عادةً نقرأ هذه الفترة من خلال نتائجها العسكرية والسياسية فقط، ولسبب ما، نتجاهل جانبها الأدبي والثقافي. ومع ذلك، كان انعكاس هذا النضال في المجال الأدبي والثقافي قويًا لدرجة أنه لم يقتصر فقط على توعية الشعب، بل قاد المقاومة في جميع جوانبها. وقد بدأت ملامح المقاومة في الأدب الفلسطيني والسوري، وقيادتهما للحركة الاجتماعية، في الظهور خلال هذه الفترة.

بمعنى آخر، لم يظهر أدب المقاومة الفلسطينية بعد النكبة، بل يمتد تاريخه إلى ثلاثين عامًا قبل تأسيس الكيان الصهيوني عام 1948. وبالمثل، فإن الأدب السوري الذي نراه اليوم بجانبه المقاوم يمتلك تاريخًا قديمًا. فصل النضال الأدبي والثقافي بين هذين الشعبين ليس صحيحًا من الناحية التاريخية أو الأخلاقية. لذلك، يجب علينا أن نتحدث عن أدبيات المقاومة الفلسطينية والسورية كجزء من قصة مشتركة”.

صلابة القلم

وعلى سبيل المثال، كان الشاعر السوري الكبير في تلك الفترة، فخري البارودي، يخلق تأثيرًا اجتماعيًا هامًا بشعره المعارض للاحتلال الفرنسي، كما كان فخري البارودي أيضًا شاعرًا ومفكرًا قد شارك في معارك متعددة ضد الجيش البريطاني في فلسطين ضمن صفوف العثمانيين، وقد جرى أُسره من قبل البريطانيين في معركة بئر السبع، واحتجز في القاهرة في قصر النيل. 

وكان للبَارُودِي علاقات قوية مع قادة وأدباء فلسطينيين في تلك الفترة، وكان قد كتب أيضًا كتابًا بعنوان “الكارثة الكبرى في فلسطين”.

اسم آخر يجب أن نبرز دوره هو بَدَوِي الجَبَل، الذي كان من أبرز الأقلام المناهضة للفرنسيين. كان بَدَوِي الجَبَل صديقًا مقربًا للكاتب والشاعر الفلسطيني أكرم زعيتر، إذ كان زعيتر، وهو معارض شديد للاستعمار، قد تخرج من مدرسة النجاح في نابلس وعمل كمدرس لبعض الوقت قبل أن يستقيل من منصبه ليتفرغ بالكامل لمكافحة الاحتلال البريطاني والعصابات الصهيونية.

كان بَدَوِي الجَبَل أيضًا من رواد المظاهرات التي نظمت في فلسطين بعد إعدام ثلاثة شباب في أحداث ثورة البراق. من جهة أخرى، كان يترأس تحرير ويدير عدة صحف ويكتب فيها. وكتب أيضًا مقدمة لكتاب صديقه الشاعر السوري محمد سليمان الأحمد.

أجمل رفقاء القتال الأجمل

ومن الممكن رؤية أجمل أمثلة هذه تضامن روح جبهة المقاومة الفلسطينية السورية الأدبية خلال فترة الانتفاضة الكبرى في فلسطين (1936-1939)، والتي تُعد من المراحل المهمة في أدب المقاومة الفلسطينية. 

ونلاحظ أن أسماء مثل نوح إبراهيم، عبد الرحيم محمود، أسماء طوبي، خليل بيدس، خليل سكناني، نجيب نصار، وعيسى العيسى، قد أظهروا إنتاجية كبيرة على الرغم من الظروف الصعبة، وأن أعمالهم قد وصلت إلى جمهور واسع. 

وقد سطر الكتاب الفلسطينيون  أروع معاني تعاضد روح جبهة المقاومة الفلسطينية السورية الأدبية اتصالهم الدائم بالمعركة ضد الفرنسيين في سوريا، وبالمثل، كان الكتاب السوريون يدعمون بنشاط النضال في فلسطين، لقد كتبوا في أعمدة متجاورة في الصحف أو المجلات، وشاركوا في المؤتمرات معًا، وأصبحوا أصدقاء نضاليين مقربين، وكان موظفو القنصلية البريطانية في سوريا، بالتعاون مع الفرنسيين، يتابعون كل خطوة يخطونها.

لم يجف الحبر بعد

من بين أبرز رموز المقاومة الفلسطينية، محمد عزة دَرْوَزَة، الذي اعتقلته المحكمة العسكرية الفرنسية في دمشق في 5 يونيو/حزيران 1939، وأُرسل إلى سجن المزة. 

وخلال فترة احتجازه التي استمرت حتى 3 نوفمبر/تشرين الثاني 1940، حفظ القرآن الكريم وكتب بعض أعماله هنا، كما كتب أيضًا العديد من النصوص حول ظلم وتعذيب السجناء السوريين على يد الجنود الفرنسيين.

وبعد وضع أسس هذه التقاليد الكبرى للمقاومة، نالت سوريا استقلالها لأول مرة في عام 1946. وبعد عامين، للأسف، جرى تأسيس  الكيان الصهيوني على أراضي فلسطين. على الرغم من أن سوريا حصلت على استقلالها، فإن التطورات السياسية المضطربة التي تلت ذلك، والانقلاب البعثي الذي حدث، أدت إلى استمرار إدارة البلاد تحت ضغط كبير، مشابه لما كان عليه في فترة الاحتلال. ونحن اليوم، كما كان قبل 100 عام، لا زلنا نتابع الكفاح الكبير المشترك للشعراء والكتّاب من كلا الشعبين من خلال الأدب والثقافة.

 

إعداد وتحرير وترجمة: عبد الجواد أمين حميد

التعليقات مغلقة.