نشر الكاتب التركي عبد القادر سيلفي مقالة سلط فيها الضوء على كواليس ما وراء الأحداث الأخيرة في سوريا، والتي خلفت العديد من الشهداء في صفوف الأمن السوري والمدنيين.
ووفقاً لما نقله فريق تحرير منصة كوزال نت عن صحيفة “حرييت” التركية، ذكر الكاتب أن الرئيس السوري أحمد الشرع لخص ما يجري في سوريا بجملة واحدة، مشيراً إلى أن بقايا النظام السابق تحاول اختبار سوريا الجديدة، لكنها فشلت في ذلك.
فبعد 13 عاماً من الحرب الداخلية و61 عاماً من حكم حزب البعث، تحاول سوريا النهوض من تحت الرماد، لكن الطريق ليس سهلاً.
الاضطرابات التي اندلعت في اللاذقية وطرطوس، حيث تتركز الفئات المقربة من نظام الأسد، أثارت تساؤلات حول ما إذا كانت سوريا تنزلق مجدداً نحو مستنقع الحرب الأهلية.
ورغم أن الحكومة السورية تمكنت من احتواء الأحداث،فإن ما جرى يوحي بأن هناك جهات بدأت في تحريك الأوضاع لزعزعة استقرار البلاد، وسط مؤشرات على تورط أجهزة استخبارات دولية في ذلك.
وينوه الكاتب إلى أن مخطط الأحداث الأخيرة في سوريا السادس من مارس/آذار، كاشفاً تفاصيلاً مثيرة عن اجتماع سري جرى في هذا السياق وعن الدول التي شاركت فيه.

مخطط الأحداث الأخيرة في سوريا رُسم في اجتماع سري في الرقة!
التاريخ: 3 مارس/آذار 2025، يوم الاثنين. المكان: الرقة، الخاضعة لسيطرة تنظيم قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب الكردي.
المنظمات والدول المشاركة في الاجتماع: ممثل عن القيادة المركزية الأمريكية (Centcom) في المنطقة، ممثل عن تنظيم PKK-YPG، جنرال علوي سابق شغل مناصب بارزة في الجيش السوري خلال عهد الأسد، وممثل عن منظمة درزية مسلحة. كما وصل ممثل إيران إلى الاجتماع في اللحظات الأخيرة.
إيران-إسرائيل- القيادة المركزية الأمريكية
بعد ثلاثة أيام من هذا الاجتماع، اندلعت أحداث في طرطوس واللاذقية بدأت باستهداف جنود سوريين في كمائن أسفرت عن مقتلهم. فهل يمكن اعتبار هذا مجرد مصادفة؟
سوريا دولة خرجت من 13 عاماً من الحرب الأهلية، إذ إن الجراح لا تزال مفتوحة، والدماء أُريقت.
من جهة، تسعى إيران لإثارة الفوضى عبر العلويين، ومن جهة أخرى، تحاول Centcom، الداعم الرئيسي لتنظيم PKK-YPG، الحفاظ على نفوذه بأي ثمن.
الكيان الصهيوني-الدروز
هناك مثال آخر على تورط بعض الدول وأجهزتها الاستخباراتية في الأحداث الجارية في سوريا، وهذه المرة يتعلق بالدروز.
في 1 مارس/آذار 2025، هاجمت مجموعة مسلحة درزية مرتبطة بالكيان الصهيوني مخفراً للشرطة في منطقة جرمانا، مما أسفر عن مقتل أحد عناصر الأمن. عقب ذلك، رفعت المجموعة علم الكيان الصهيوني. وبالتزامن مع هذا الهجوم، صدرت تصريحات دعم رسمية من إسرائيل للدروز.
PKK-YPG-الكيان الصهيوني
رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو صرّح قائلاً: “نمد يدنا إلى حلفائنا الدروز وأصدقائنا الأكراد”. وردّ عليه قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي بالقول: “نحن منفتحون على الدعم من الكيان الصهيوني، ونرحب بأي مساعدة تقدمها لنا”.
أما إلهام أحمد، المسؤولة عن العلاقات الخارجية في تنظيم PKK-YPG، وجهت دعوة إلى الكيان الصهيوني للتعاون، والتقت بوزير الخارجية الصهيوني
زعزعة استقرار سوريا
يضيف الكاتب أن الكيان الصهيوني يسعى إلى زعزعة استقرار البلاد عبر استخدام الدروز في الجنوب وتنظيم PKK-YPG في الشمال، بهدف الضغط على إدارة أحمد الشرع، منوهاً أن صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية كشفت عن مخاوف الكيان الصهيوني من أن تؤدي جهود الفصائل المدعومة من تركيا إلى توحيد سوريا، مؤكدة أن هدف الكيان الصهيوني هو تفتيت البلاد، إذ ترى أن سوريا الموحدة ستكون أقوى، وهو ما يفسر انزعاجها من الدور التركي في المنطقة.
أما الدولة التي تقف خلف الأحداث الأخيرة في سوريا لا سيما في اللاذقية وطرطوس، فهي إيران، حيث يعمل جهاز استخباراتها على تنظيم ضباط سابقين خدموا في الجيش السوري خلال حقبة الأسد.
التعاون بين إيران والكيان الصهيوني
يتضح أن الكيان الصهيوني وإيران، رغم عداوتهما التقليدية، تتعاونان في زعزعة استقرار سوريا، فالكيان الصهيوني يستخدم الدروز وتنظيم PKK-YPG لتحقيق مصالحها، بينما تعتمد إيران على الطائفة العلوية وعناصر من التنظيم ذاته لإثارة الفوضى.
تحذير هاكان فيدان
وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، وجّه تحذيرًا إلى طهران قائلًا: “إذا كنتم لا تريدون أن تُرمى حجارة على نوافذكم، فلا ترموا الحجارة على نوافذ جيرانكم”، في إشارة إلى التطورات الميدانية. بهذا التصريح، أرسل فيدان رسالة واضحة إلى إيران مفادها أن أنقرة تدرك تمامًا تحركاتها في سوريا، حيث تتعاون طهران مع بقايا نظام الأسد وتقدم دعمًا لتنظيم PKK-YPG في كل من سوريا والعراق.
ومع ذلك، فإن تركيا، باعتبارها دولة كبرى، تتعامل مع الأوضاع بمسؤولية ولا تنخرط في أعمال زعزعة الاستقرار. لكن في حال قررت أنقرة التدخل، فإن تأثيرها سيكون بمثابة زلزال بقوة تسع درجات على مقياس ريختر داخل إيران.
تأثير CENTCOM
بالعودة إلى الأحداث الأخيرة في سوريا، يتضح من الاجتماع الذي عُقد في الرقة بتاريخ 3 مارس/آذار أن القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM)، التي تُعتبر الذراع غير الشرعية للولايات المتحدة في سوريا، تلعب دورًا محوريًا في الأحداث. كما أن إصرار تنظيم PKK-YPG على عدم التخلي عن السلاح يعود إلى تحالف يضم الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وإيران.
نداء خامنئي
لفهم ما يحدث في اللاذقية وطرطوس، لا بد من التوقف عند دعوة المرشد الإيراني علي خامنئي للشباب السوري، والتي وجهها في 23 ديسمبر/كانون الأول 2024، إذ أن خامنئي قال حينها: “الشباب السوري لا يملك ما يخسره”، في إشارة واضحة إلى تحريض على التمرد. إيران غير قادرة على تقبل فقدان سيطرتها على سوريا، التي تعتبرها حديقتها الخلفية.
المحرك الرئيسي المسؤول عن افتعال الأحداث الأخيرة في سوريا
الشخص الذي أشعل فتيل الأحداث الأخيرة في سوريا لا سيما في اللاذقية وطرطوس هو مقداد فتيحة، المعروف بارتكابه انتهاكات خلال خدمته في الجيش السوري خلال عهد الأسد.
وقد ظهر فتيحة في مقاطع مصورة وهو يحمل السلاح ويدعو إلى التمرد ضد الحكومة السورية. لا توجد دولة يمكن أن تتسامح مع مثل هذه الدعوات. وكما أكد الرئيس أحمد شرع: “لن يكون هناك سوى قوة مسلحة واحدة في سوريا، وهي القوات التابعة للدولة”.
مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي
انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تُظهر مزاعم بحدوث مجازر بحق المدنيين في اللاذقية وطرطوس خلال الأحداث الأخيرة في سوريا، وقد تم نشر هذه المقاطع من حسابات تابعة للاستخبارات الإيرانية وحزب الله وتنظيم PKK. كما تعرّضت المواقع الرسمية السورية للاختراق، حيث تم رفع أعلام حزب الله عليها.
وقد تبيّن أن بعض هذه المقاطع مأخوذة من قنوات يوتيوب هندية، كما تم التلاعب بمشاهد قديمة لجريمة استخدام الغاز الكيميائي في الغوطة خلال حكم الأسد، وإعادة تقديمها وكأنها وقعت مؤخرًا في اللاذقية وطرطوس.
من الضروري الحذر من هذه الفخاخ الإعلامية التي تهدف إلى تأجيج الصراع الداخلي عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
سوريا ستنجح
الوضع في سوريا هشّ للغاية، وإذا فشل الحكم في تحقيق الاستقرار وضمان الأمن، فقد تواجه البلاد حربًا أهلية أشد فتكًا من السنوات الثلاث عشرة الماضية. لكن من غير المتوقع أن تسمح الحكومة السورية أو تركيا بحدوث ذلك.
فقد صرّح وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، قائلًا: “ما يجري ليس سوى استفزاز، لكن الحكومة أحبطت آمال العديد من الأطراف داخل المنطقة وخارجها ممن كانوا ينتظرون الفوضى من الأحداث الأخيرة في سوريا.”
سوريا قادرة على تجاوز هذه المحنة والحفاظ على استقرارها، لكن الأمر يتطلب تسريع إعلان المجلس التأسيسي، والمضي قدمًا في إعداد الدستور دون تأخير. لا بد من تنظيم انتخابات في أسرع وقت ممكن، ليتم تشكيل حكومة سورية منتخبة تعبّر عن إرادة الشعب.
احتواء الطائفة العلوية
تبدو حكومة أحمد الشرع عازمة على احتواء الأزمة، لكنها بحاجة إلى التمييز بين الإرهابيين وأبناء الطائفة العلوية، واحتضان العلويين ضمن مشروع وطني جامع.
وكانت محاولة التمرد التي دعمها الدروز الموالون للكيان الصهيوني قد فشلت سابقًا بفضل الجهود التي بذلها شيوخ الدروز الموالون للدولة السورية، حيث قاموا بإنزال العلم الصهيوني ورفع العلم السوري مكانه. واليوم، يجب بذل جهد مماثل لاستقطاب العلويين وإعادة دمجهم ضمن الدولة.
من المفارقات أن أولئك الذين التزموا الصمت إزاء المجازر التي ارتكبها نظام الأسد بحق السوريين، خصوصًا في الغوطة، هم أنفسهم من يرفعون أصواتهم اليوم بذريعة وقوع مجازر بحق العلويين.
في السابق، كان هناك موقف واضح ضد مجازر الأسد، واليوم لا يمكن القبول بأن يعيش العلويون تحت تهديد المذابح. لقد حان الوقت لتأكيد أن الدولة السورية هي أيضًا دولتهم، وأنها مسؤولة عن حمايتهم. يمكن للرئيس أحمد شرع أن يزور اللاذقية وطرطوس ويلتقي بالناس هناك، أو أن يجتمع مع القادة العلويين في دمشق لطمأنتهم.
سوريا لا تحتمل فتح “صندوق باندورا” الذي قد يؤدي إلى كوارث لا تُحمد عقباها. لكن إذا تم إغلاقه، فإن مستقبل سوريا سيكون واعدًا.
إعداد وتحرير وترجمة: عبد الجواد أمين حميد
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.