مهما كانت مبررات الكيان الصهيوني لتنفيذ هذا الهجوم، فإن الأنباء المؤكدة في يومه الأول تكشف أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تواجه أزمة متعددة الأوجه وغير مسبوقة في تاريخها الحديث، في ظل اندلاع الصراع بين الاحتلال الإسرائيلي وإيران، وفق ما ذكره موقع “BBC“.
الصراع بين الاحتلال الإسرائيلي وإيران: صدمة كبيرة زلزلت أركان إيران!
ووفقاً لما نقله فريق تحرير منصة كوزال نت، فقد شكّلت الضربات الجوية التي شنّتها الطائرات الصهيونية داخل الأراضي الإيرانية، والتي استهدفت قادة كباراً في الحرس الثوري ومسؤولين عسكريين وأمنيين بارزين، صدمة حتى بالنسبة لمؤيدي النظام الإيراني.
وتعدّ هذه الهجمات الجوية، التي نُفذت بطائرات مقاتلة، الأكبر في تاريخ إيران الحديث، إذ لم تشهد البلاد مثل هذا التصعيد المكثف والمتزامن حتى خلال حربها الطويلة مع العراق التي استمرت ثماني سنوات.
إذ إن تمكّن الطائرات الصهيونية من اختراق الأجواء الإيرانية دون أن تواجه بأي منظومة دفاع جوي، ومقتل عشرات القادة في الحرس الثوري، شكّل ضربة موجعة لمصداقية النظام وقوته وشرعيته، وأظهره بمظهر العاجز عن حماية نفسه.
الصراع بين الاحتلال الإسرائيلي وإيران الذي اندلع على إثر الهجوم الذي وقع في 13 يونيو/حزيران 2025، لم يغيّر فقط قواعد الاشتباك والصراع بين الاحتلال الإسرائيلي وإيران فحسب، بل بدّل موازين القوى الإقليمية لصالح تل أبيب، وقد تكون له آثار تتجاوز الإقليم، إذ قد يعيد تشكيل التحالفات الإقليمية والدولية.
وتأتي هذه التطورات في وقت يمر فيه الداخل الإيراني باضطرابات اجتماعية عميقة وتراجع حاد في ثقة الشعب بالنظام، لدرجة أن بعض الإيرانيين أبدوا على وسائل التواصل الاجتماعي ارتياحهم للهجمات، واعتبروا القادة المستهدفين رموزاً للقمع العسكري، بحسب مزاعم “BBC”، فيما خرج آخرون من المعارضة الإيرانية ليعلنوا أنهم يقفون خلف دولتهم قلباً وقالباً في مواجهة الكيان الصهيوني.
الصراع بين الاحتلال الإسرائيلي وإيران: هزة في استراتيجية الردع الإيرانية
هذه ليست المرة الأولى التي تشن فيها طائرات الاحتلال الصهيونية هجوماً مباشراً على إيران، إلا أنها المرة الأولى التي تنفذ فيها طائرات الاحتلال هجوماً بهذا الحجم، وهو ما يشير إلى تراجع مستوى الردع الإيراني إلى أدنى مستوياته في مواجهة الهجمات الواسعة من دول أخرى.
وفقاً لحسابات القوة السياسية أو “الريـال بوليتيك”، فإن على إيران أن ترد بهجوم مماثل من حيث الحجم لتعويض هذه الضربة المدمرة. مواقف مماثلة حدثت من قبل عندما استهدف الكيان الصهيوني السفارة الإيرانية في سوريا، أو عندما شنت هجمات مباشرة على الأراضي الإيرانية رداً على ضربات صاروخية من الحرس الثوري.
الدعاية الإيرانية كانت تزعم أن الحرس الثوري أعاد تأسيس قوة الردع من خلال العمليات المضادة، لكن هجوم 13 يونيو/حزيران أظهر أن هذا الادعاء غير دقيق، بل وقد يشير إلى أن هذه الردود – ولا سيما محدودية تأثيرها – قد أسهمت في إضعاف قوة الردع الإيرانية.
كما يبدو أن صانعي القرار في الكيان الصهيوني كانوا على قناعة تامة بأن إيران غير قادرة على الرد المناسب، وأنهم مستعدون لأي رد محتمل، ما منحهم شعوراً بالتفوق، وسعوا عبر هذه الهجمات لتكريس موقع بلادهم كقوة عسكرية مهيمنة في المنطقة.
الواقع الجديد لا يتمثل فقط في قوة الكيان الصهيوني العسكرية أو امتلاكه لتكنولوجيا متطورة، بل في ما كشفه من ثغرات خطيرة في العقيدة الدفاعية للجمهورية الإسلامية، والتي لطالما استندت إلى ادعاء قدرة الحرس الثوري على الردع ومنع أي هجوم صهيوني محتمل.
وعلى مدار عقود من العزلة السياسية والاقتصادية، وبعد حرب طويلة مع العراق، بلورت إيران عقيدة دفاعية تقوم ظاهرياً على تجنب المواجهات المباشرة عبر بناء قوة عسكرية حديثة ومعقدة. وقد رُوّج لمفاهيم مثل “العمق الاستراتيجي” و”محور المقاومة” كجزء من استراتيجية سياسية دعائية هدفها تجنب الحرب الساخنة، وفي الوقت ذاته إضفاء شرعية على دور الحرس الثوري كقوة عسكرية موازية.
من خلال هذه الاستراتيجية، عززت إيران صورة قوتها في المنطقة، وأنشأت شبكة لا مركزية من الميليشيات والقوى السياسية المتحالفة باستخدام جغرافيتها الواسعة، وعائداتها النفطية، ورأس مالها البشري.
غير أن أحد أبرز آثار هجمات 13 يونيو/حزيران 2025 واندلاع الصراع بين الاحتلال الإسرائيلي وإيران، تمثل في كشف نقاط الضعف والقيود الخطيرة في هذه الاستراتيجية، إذ أظهرت الأحداث مدى ضعف واستعداد مؤسسات الأمن والدفاع الإيرانية في مواجهة جيش عصري عالي التقنية.
هزة استراتيجية في بنية الردع الإيرانية: التساؤلات الكبرى بعد الضربات الصهيونية ومصير إيران بعد الصراع بين الاحتلال الإسرائيلي وإيران
بالنسبة لدولة عانت خلال المئتي عام الماضية من هزائم عسكرية مذلة، واحتلالين كبيرين، بل وحتى تغيير النظام السياسي بفعل تدخل قوى أجنبية، فإن المخاوف من تكرار مثل هذه التجارب تملك جذوراً تاريخية عميقة تتجاوز النظام الحالي في إيران.
ووفقاً للسردية الرسمية للجمهورية الإسلامية التي تأسست عام 1979، فإن إحدى أهم “انتصاراتها” كانت إنهاء عصر الهزائم والإملاءات الأجنبية. وقد شكلت الهزيمة النهائية للاجتياح العسكري العراقي – حين فشل جيش صدام حسين في فصل أجزاء من الأراضي الإيرانية أو إسقاط النظام كما حدث عام 1941 – نقطة تحول نسبت إلى قوة الحكومة الدينية وأيديولوجيا الثورة الإسلامية.
لكن هذه السردية التاريخية، ومعها الصورة التي رسمتها إيران لقدرتها العسكرية وسيادتها الوطنية، باتت اليوم موضع شك جدي.
فهل كانت القوة المفترضة لـ “الحرس الثوري”، وبرامج الصواريخ والطائرات المسيّرة، ومشاريع البحث العسكري المحلي، وما يسمى بـ “قوة الردع”، مجرد دعاية لا أكثر؟
وكيف تمكنت أكثر من 200 طائرة حربية صهيونية من دخول الأجواء الإيرانية في ليلة واحدة، وإسقاط أكثر من 300 قنبلة على أكثر من 100 هدف داخل البلاد؟
الضربة الأمنية لإيران لم تقتصر على هجوم عسكري تقليدي. فقد كشفت عمليات الاغتيال التي استهدفت قادة كبار في الحرس الثوري مدى اختراق جهاز “الموساد” لبنية إيران الأمنية والعسكرية.
هذه ليست ظاهرة جديدة؛ إذ سبق أن أظهرت الاستخبارات الصهيونية قدرتها على الوصول إلى معلومات حساسة داخل أعلى مستويات الهرم الأمني الإيراني.
أحدث الأمثلة على ذلك هو اغتيال إسماعيل هنية – رئيس المكتب السياسي لحركة حماس – خلال زيارة رسمية إلى طهران بدعوة من الحكومة الإيرانية. ورغم ذلك، لم تتمكن إيران من اتخاذ تدابير فعالة لمكافحة التجسس، أو أن الإجراءات المتخذة لم تكن كافية لوقف الاختراق الإسرائيلي أو منع تسرب المعلومات الحيوية.
الوضع بلغ من الخطورة أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي اعتبر الهجوم الصهيوني”سبباً للحرب”، بل أدلى بهذا التصريح في وقت كانت فيه إيران تجري مفاوضات دبلوماسية مع الولايات المتحدة بشأن برنامجها النووي.
وبحسب ميثاق الأمم المتحدة، لا يُعد ما حدث “إعلان حرب” رسمياً، إذ تحظر المادة 2/4 من الميثاق استخدام القوة بين الدول الأعضاء. ولهذا، تتجنب الدول إعلان الحروب بصورة تقليدية.
الكيان الصهيوني من جانبه، برر هجومه باعتباره “وقائياً” استناداً إلى حق الدفاع المشروع كما ورد في ميثاق الأمم المتحدة. إلا أن الهجمات الوقائية – أو “ضرب العدو قبل أن يهاجم” – لا تعتبر قانونية ضمن هذا الإطار، لأن المادة 51 من الميثاق لا تتيح هذا الحق إلا في حال تعرض الدولة لهجوم فعلي.
وفي الفترة الأخيرة، لم تكن إيران قد استهدفت الكيان الصهيوني بشكل مباشر، ولا حتى كانت تشكل تهديداً وشيكاً، إذ أن ذلك يعمّق من تعقيد الأزمة الراهنة ويحوّلها إلى أزمة أمنية متعددة الأبعاد، مرشحة للاستمرار عبر سلسلة من الردود غير المتكافئة وعلى مدى زمني طويل.