السوريون عالقون بين الرغبة في العدالة أو الانتقام من جرائم نظام الأسد!

أعلنت الحكومة المؤقتة الجديدة في سوريا أنها ستعمل على محاكمة ومعاقبة كبار المسؤولين الأمنيين والأفراد المتورطين في جرائم نظام الأسد. ومع ذلك، تتزايد المخاوف بشأن الاعتداءات على الجنود السابقين من ذوي الرتب المنخفضة.

ووفقاً لما نقله وترجمه فريق تحرير منصة كوزال نت عن موقع “koha” التركي، من بين هذه الحالات المأساوية التي وقعت بدافع الانتقام من جرائم نظام الأسد، قصة بشار عبده، الذي خدم في الجيش السوري لمدة أربع سنوات، فبعد عودته إلى منزله الشهر الماضي، تعرض لهجوم من قِبل مجموعة من الجيران وأشخاص مسلحين بالسكاكين والأسلحة، اتهموه بالانتماء إلى ما وصفوه بـ”مجرمي النظام المخلوع”.

حاولت شقيقاته وصهره منع الحشد، بينما اختبأ عبده داخل المنزل. لكن المهاجمين اقتحموا المكان ووجدوه في المطبخ، ثم طعنوه وسحبوه خارجاً رغم محاولات شقيقته مروة حمايته. قُتل عبده في الموقع.

وأكدت الشرطة المحلية في مدينة إدلب الشمالية الغربية الواقعة رواية عائلة عبده.
وظهرت مشاهد مروعة للحادثة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أظهرت مقاطع فيديو مصدقة من صحيفة نيويورك تايمز لحظة احتضان شقيقته جثته بينما كان الجيران يواصلون ركله. توسلت إليهم أن يتوقفوا، قائلة إنه فارق الحياة بالفعل، إلا أن أحدهم صرخ: “هذا مصيرك”.

كما أظهرت مقاطع أخرى، تم التحقق منها، جثة عبده تُسحب في الشوارع مربوطة بسيارة، بينما يوجه الحشد الشتائم، ولم يُعرف بعد من قام بتصوير هذه المقاطع.

يشير مقتل عبده إلى المستقبل المعقد الذي ينتظر سوريا، حيث لا تزال الجراح مفتوحة والغضب مستعراً، إذ يطالب يطالب العديد من السوريين بالعدالة ومحاسبة مرتكبي جرائم نظام الأسد خلال الأحداث الدامية التي أعقبت الثورة السورية وقمع النظام السوري لها في حين يسعى آخرون للانتقام.

منزل القتيل بشار عبدو

 

جرائم نظام الأسد المخلوع بالأرقام

وفقاً لجماعات حقوق الإنسان السورية، لقي ما لا يقل عن نصف مليون شخص مصرعهم خلال الحرب، معظمهم نتيجة غارات جوية شنتها القوات السورية أو تعرضهم للتعذيب والإعدام الجماعي داخل السجون. ولا يزال العديد من الأشخاص في عداد المفقودين.

يسعى المسؤولون في الحكومة المؤقتة الجديدة، التي تقودها جماعة هيئة تحرير الشام المعارضة، إلى إنشاء محاكم وهيئات قضائية لتحقيق العدالة. كما ناشدوا المواطنين بتجنب اللجوء إلى العنف والانتقام من المتورطين في جرائم نظام الأسد.

الحكومة السورية الجديدة ستحاسب كل المتورطين في جرائم نظام الأسد

وقال أحمد الشرع، قائد الإدارة السورية الجديدة الذي أطاح بحكومة الأسد، إن الحكومة الجديدة ستحاسب كبار المسؤولين عن الجرائم، بما في ذلك القتل، السجن، التعذيب، واستخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين.

”يجب البحث عن العدالة من خلال القانون وليس من خلال الأفراد“

وفي مقابلة حديثة، صرح أحمد الشرع قائلاً: “يجب أن يتم السعي لتحقيق العدالة والاقتصاص من المتورطين في جرائم نظام الأسد من خلال القضاء والقوانين، وليس عبر الأفراد”. وأضاف: “إذا تم تجاوز المشكلات وقرر الجميع الانتقام، سنعيش وفقاً لقانون الغاب”.

ورغم دعوته للتسامح، أكد العديد من السوريين أنهم غير مستعدين للعفو، حتى لو اختار الشرع ذلك.

وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره بريطانيا، قُتل الأسبوع الماضي رئيس بلدية دُمر، وهي ضاحية في دمشق، على يد سكان محليين اتهموه باعتقال سوريين خلال فترة الحكومة السابقة.

وكان بشار عبده قد خدم في الجيش السوري لمدة أربع سنوات ضمن الخدمة العسكرية الإلزامية. ومع ذلك، ذكرت عائلته أنه حاول الانشقاق مرتين، وفي النهاية أُلقي القبض عليه بسبب محاولته الفرار وقضى شهراً في السجن العسكري قبل أن يُطلق سراحه بعد سيطرة المتمردين على السجن وإطاحتهم بحكومة الأسد.

وأوضحت العائلة أن عبده كان متردداً في العودة إلى منزله بسبب مخاوفه من الانتقام. لكن بعد سماعه تصريحات الشرع حول إصدار عفو يشمل الجنود السابقين أمثاله، شعر بالأمان. إلا أنه بعد فترة قصيرة من عودته، ظهرت عصابة على باب منزله وقتلته.

وقد اتهمته العصابة بالتجسس على جيرانه، مما تسبب في إعدامهم أو سجنهم. وأكدت العائلة أنها ترى معظم القتلة يومياً لكنها تخشى مواجهتهم، وبدأت تفكر في الانتقال إلى حي آخر.

القتيل بشار عبدو

 

”معروف بتعاونه مع النظام“

وفيما يتعلق بجريمة القتل، أعلن جهاز الشرطة التابع للإدارة السورية الجديدة في إدلب أنهم فتحوا تحقيقاً في الحادثة، لكنهم أشاروا إلى أن عائلة عبده “معروفة بتعاونها مع النظام”.

ومع ذلك، أكد جهاز الشرطة أنه “لا يحق لأي شخص الاعتداء على الآخرين”. وحتى الآن، لم يتم اعتقال أي شخص.

وقد نفت عائلة عبده أي صلة لها بالنظام، وأوضحت أنه لو كان شقيقهم يعمل لصالح النظام لما كان ليعود إلى المنزل.

وبدموع غلبتها الغضب، صرخت شقيقة عبده البالغة من العمر 32 عاماً قائلة: “إذا لم تحقق الحكومة العدالة، فإننا نتعهد بالتعامل معهم بأنفسنا”.
وأثناء حديثها، ضربت بقبضتها على السجادة التي غسلتها هي وشقيقاتها مراراً لإزالة دم شقيقهم، مشيرة إلى أن آثار الدم لا تزال على الجدران وفي المطبخ.

وأضافت: “لن نسمح لدمه أن يُهدر دون الحصول على إجابات”.

على الجانب الآخر، يحاول آخرون بذل كل ما بوسعهم لتجنب الانجرار إلى دائرة الانتقام هذه.

وصرح المتحدث باسم الحكومة الجديدة، محمد الأسمر، أنه أرسل وثيقة إلى سكان قريته قباني الواقعة في محافظة حماة لتسجيل شكاواهم ضد أي قرويين.
وأوضح الأسمر أن الحكومة بادرت بهذا الإجراء بعد سماع تقارير عن عودة بعض الأشخاص الذين اعتمد عليهم النظام السابق لترويع السوريين وترهيبهم إلى منازلهم بعد سقوط الأسد.

”سأحقق العدالة بيدي“

ويعترف المسؤولون في وزارة العدل الجديدة بأنه عندما أطلقوا الهجوم في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، لم يكونوا مستعدين لتولي إدارة أجزاء كبيرة من البلاد.
حاليًا، تقتصر جهود الحفاظ على الهدوء على تصريحات علنية أو خطب من الأئمة تدعو الناس إلى التزام ضبط النفس.

وقال أحمد هلال، كبير قضاة محكمة حلب الجديدة: “بصراحة، نحن تحت ضغط هائل وسيكون هناك عنف”. وأضاف أن أولئك الغاضبين من جرائم نظام الأسد “لا يريدون انتظار تحرك المحاكم، بل يريدون أخذ العدالة بأيديهم”.

هذه المعركة لتحقيق العدالة تثير القلق، إذ إن السوريين الذين قد تُوجه لهم اتهامات بارتكاب مثل هذه الجرائم يعودون إلى منازلهم في كل مدينة وقرية.

وعندما سقطت حكومة الأسد، عاد علاء الخطيب إلى قريته تفتناز في محافظة إدلب. وسارعت عائلته إلى إبلاغ الناس بأنه لم يكن جزءًا من نظام الأسد، مشيرة إلى أنه أمضى سنوات في الفرار من الجيش وحاول الهروب مرتين.

وقال الخطيب، البالغ من العمر 25 عامًا، والمتزوج ولديه ثلاثة أطفال: “أعلم أنني لم أفعل شيئًا”.

ومع ذلك، ورغم محاولاته إقناع سكان قريته، لا يزال يواجه شكوكًا. حتى أدنى الرتب العسكرية تُتهم، سواء كان ذلك صحيحًا أم لا، بارتكاب جرائم.

حتى أحد أقرباء الخطيب، صلاح الخطيب البالغ من العمر 67 عامًا، لم يكن متأكدًا مما إذا كان يجب أن يقول له “مرحبًا” أم لا.

وقال صلاح: “إنه ابن عمي، وكنت أتساءل عما إذا كان يجب عليَّ قبوله أم لا”. وأضاف: “قد يفكر آخرون في الانتقام”.

إعداد وتحرير: عبد الجواد أمين حميد

أحمد الشرعإدلبالإدارة السورية الجديدةالانتقام من جنود نظام الأسدالانتقام من مرتكبي جرائم نظام الأسدالحكومة السورية الجديدةالسوريون في إدلبالقتيل بشار عبدوالمتورطين في جرائم نظام الأسدبشار عبدهبشار عبدوجرائم نظام الأسدجرائم نظام بشار الأسدجريمة قتل بشار عبده في إدلبسورياسوريا بعد الأسدسوريا بعد نظام الأسدشرطة إدلبمحاسبة المتورطين في جرائم نظام الأسدمحاكمة المتورطين في جرائم نظام الأسدمنتسي الجيش السوريهيئة تحرير الشاموزارة العدل السورية