بعد شهرين من سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، اجتمع ممثلو قوى إقليمية مثل تركيا والسعودية ولبنان، إلى جانب دول غربية، في باريس، حيث تعهدوا بالتعاون من أجل دعم إعادة إعمار سوريا، وحماية المرحلة الانتقالية في سوريا لا سيما في مواجهة التحديات الأمنية والتدخلات الخارجية.
ووفقاً لما نقله وترجمه فريق تحرير منصة كوزال نت نقلاً عن موقع “VOA TÜRKÇE“، شهد المؤتمر الدولي، الذي استضافته فرنسا وسط حالة من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، مشاركة وزير الخارجية السوري، أسعد حسن الشيباني، في أول حضور رسمي له على الساحة الدولية بعد سقوط النظام.
المؤتمر الثالث من نوعه الذي يبحث المرحلة الانتقالية في سوريا!
وجاء هذا الاجتماع بعد انعقاد مبادرة العقبة في الأردن، ثم مؤتمر الرياض، ليكون مؤتمر باريس ثالث محطة ضمن الجهود الدولية لتنسيق دعم المرحلة الانتقالية في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.
وشارك في المؤتمر ممثلون عن تركيا والسعودية ولبنان، إضافة إلى ممثلي دول غربية. ومثّل تركيا نائب وزير الخارجية، نوح يلماز، فيما حضر المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، ووزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، بينما تابعت الولايات المتحدة المؤتمر على مستوى دائرة شؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأمريكية.
واختار وزير الخارجية السوري، أسعد حسن الشيباني، باريس كأول وجهة أوروبية رسمية له بعد مشاركته الشهر الماضي في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، وذلك عقب سيطرة المعارضة السورية على الحكم في سوريا في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.
وفي كلمته الافتتاحية للمؤتمر، وصف وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، إعادة التواصل مع سوريا بعد سنوات من العزلة الدولية بأنها “فرصة مهمة”، مؤكداً أن الهدف الأساسي للمؤتمر هو “تنسيق الدعم الدولي نحو تعزيز المرحلة الانتقالية في سوريا، وتحفيز الدول القادرة على تقديم المساعدات الإنسانية والدعم الاقتصادي، ومساندة الإدارة السورية خلال هذه الفترة الحساسة، ومنع أي تدخل خارجي قد يعطل عملية الانتقال”.
من جهته، شدد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في كلمته الختامية على أهمية الأمن خلال المرحلة الانتقالية في سوريا، مؤكداً أن “محاربة تنظيم داعش تظل أولوية مطلقة بالنسبة لنا”. ودعا الحكومة الانتقالية في سوريا إلى التعاون مع التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، مشدداً على استعداد فرنسا لدعم “أي جهود مشتركة تحترم سيادة سوريا، وتكافح التنظيمات الإرهابية، وتسهم في حماية لبنان وجنوبه”.
كما وجه ماكرون دعوة إلى الرئيس المؤقت لسوريا، أحمد الشرع، وحكومته، لحماية وحدة البلاد وضمان اندماج قوات سوريا الديمقراطية في العملية الانتقالية بشكل كامل، مؤكداً أن هذا الاندماج ضروري للحفاظ على الاستقرار.
وفي ختام المؤتمر، عقد وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، مؤتمراً صحفياً دعا فيه إلى وقف شامل لإطلاق النار في جميع أنحاء سوريا، مشدداً على ضرورة إنهاء التدخلات الخارجية. وقال: “يجب أن تصمت الأسلحة في كل أنحاء سوريا، وخاصة في الشمال والشمال الشرقي”.
وأضاف بارو أن الاتحاد الأوروبي يعمل بشكل مكثف على رفع العقوبات الاقتصادية عن بعض القطاعات الحيوية في سوريا، مشيراً إلى أن فرنسا تعهدت بتقديم 50 مليون يورو كمساعدات إنسانية لسوريا في عام 2025.
تركيا: ”يجب تطهير سوريا بالكامل من العناصر الإرهابية“
وأكد نائب وزير الخارجية التركي، نوح يلماز، الذي مثّل تركيا في المؤتمر، على أهمية دعم الإدارة السورية لضمان استقرار البلاد في المرحلة الانتقالية في سوريا، مشيرًا إلى أن التحديات التي تواجه تحقيق الأمن والاستقرار في سوريا يمكن تجاوزها عبر إصرار السوريين أنفسهم، إلى جانب دعم المجتمع الدولي.
وجدد يلماز تأكيد التزام تركيا بـ”تطهير سوريا من كافة العناصر الإرهابية”، مشددًا على ضرورة أن تعود الموارد الطبيعية في شمال شرق سوريا إلى سيطرة الإدارة السورية، بحيث تُستخدم بما يخدم مصالح الشعب السوري. كما دعا إلى رفع العقوبات المفروضة على سوريا دون أي شروط مسبقة، معتبرًا أن ذلك أمر ضروري لتعزيز الاستقرار في البلاد.
الولايات المتحدة لم توقع على البيان الختامي!
وأعلنت 20 دولة ومنظمة دولية، في البيان الختامي المشترك للمؤتمر، التزامها بـ”العمل معًا لمساعدة سوريا في إعادة الإعمار، وحماية المرحلة الانتقالية في سوريا من التحديات الأمنية والتدخلات الخارجية”.
وشدد البيان على ضرورة تحقيق انتقال سياسي شامل يضم جميع مكونات المجتمع السوري، مع التأكيد على دعم الحكومة الانتقالية السورية في “مكافحة كافة أشكال الإرهاب والتطرف”.
من جانبه، أوضح وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، أن وزير الخارجية السوري، أسعد حسن شيباني، جدد خلال المؤتمر تعهده أمام نظرائه الدوليين بأن تكون الحكومة، التي سيُعلن عنها في الأول من مارس/آذار، “حكومة شاملة تعكس تنوع البلاد”.
بدورها، أكدت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، على أهمية تشكيل حكومة “تضم جميع الأطراف الفاعلة، مع تمثيل واضح للنساء”.
وشمل التوقيع على البيان الختامي دولًا عربية بارزة، إلى جانب تركيا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا واليونان، بالإضافة إلى أعضاء مجموعة السبع مثل كندا واليابان.
ومع ذلك، امتنعت الولايات المتحدة عن التوقيع على البيان، كما فعلت خلال قمة “الذكاء الاصطناعي” في باريس هذا الأسبوع.
ونقلت مصادر دبلوماسية فرنسية للصحفيين أن موقف الإدارة الأميركية من الملف السوري لم يتضح بعد، وهو ما يفسر عدم انضمام واشنطن إلى الاتفاق.
الجدبر بالذكر أن التقارير تشير إلى أن معظم الأراضي السورية تعرضت لأضرار جسيمة، فيما تراجع الاقتصاد الوطني السوري بنسبة 85% منذ اندلاع الثورة السورية وما أعقبها من حرب ضروس شنها النظام الإجرامي البائد ضد الشعب السوري، فيما يعيش نحو 70% من السكان تحت خط الفقر، بينما تؤكد الأمم المتحدة أن 80% من السوريين بحاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية عاجلة. وتأمل فرنسا أن يُسهم هذا المؤتمر في تنسيق الجهود الإنسانية بشكل أكثر فاعلية.
إعداد وتحرير: عبد الجواد أمين حميد