في جلسة محكمة العدل الدولية الخاصة بقضية “الإبادة الجماعية في غزة”، والتي ترافع فيها محامون يمثلون دول جنوب أفريقيا، وُجهت اتهامات إلى الاحتلال الإسرائيلي بأنها قامت بـ”أفعال متعمدة تجاه سكان غزة تثبت نية الإبادة الجماعية”.
ووفقاً لما ترجمه فريق كوزال نت نقلاً عن وكالة الأناضول التركية الرسمية، بدأت الخميس 11 يناير/كانون الثاني 2024، جلسة الاستماع بشأن طلبات اتخاذ تدابير مؤقتة في القضية التي رفعتها جمهورية جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية على أساس أن الاحتلال الإسرائيلي انتهكت اتفاقية الإبادة الجماعية بأفعالها في غزة.
دولة جنوب أفريقيا تباشر عملها لإثبات نية الاحتلال الإسرائيلي إرتكاب الإبادة الجماعية في غزة
وفي اليوم الأول من الجلسة في محكمة العدل الدولية، قدم الجانب الجنوب أفريقي اتهاماته لالاحتلال الإسرائيلي أمام المحكمة بوساطة الحجج والدلائل والبراهين.
وقد بدأت الجلسة بأداء القضاة الفرديين الذين تم تعيينهم فقط لهذه القضية من قبل جنوب أفريقيا والاحتلال الإسرائيلي، ثم قام أمين المحكمة في الدائرة فيليب جوتييه بقراءة طلبات الإجراءات الاحترازية المقدمة من جنوب أفريقيا.
وكان أول من تحدث نيابة عن الجانب الجنوب أفريقي هو سفير هذا البلد لدى هولندا، فوسيموزي مادونسيلا، الذي قال: “إن الإفلات من العقاب على انتهاكات حقوق الإنسان واسعة النطاق لعقود من الزمن قد شجع الاحتلال الإسرائيلي على ارتكاب الإبادة الجماعية في غزة”.
وفي الجلسة، وجه المحامون الذين يمثلون الجانب الجنوب أفريقي اتهامات إلى الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدين أن الأفعال المستهدفة للفلسطينيين في غزة تثبت نية ارتكاب جريمة الإبادة.
عُرضت صور التقطها مصورو وكالة الأناضول التركية في غزة كدليل
وقد تحدث فريق المحاماة الجنوب أفريقي في أولى جلسات القضية التي اتُهمت فيها الاحتلال الإسرائيلي بجريمة الإبادة الجماعية في غزة، حيث قدموا صورًا التُقطت من قبل مصوري وكالة الأناضول التركية الرسمية في غزة كدليل أمام محكمة العدل الدولية.
وأشارت المحامية التي تمثل جنوب أفريقيا، أديلا حسيم، إلى أن دلائل الإبادة متاحة في ملف التقديم وجرى تسجيلها أيضًا من قبل وكالات الأمم المتحدة، قائلة: “(أفعال الاحتلال الإسرائيلي) تظهر نمط سلوكي منتظم يمكن أن يشير إلى نية ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في غزة.”
وأكدت حسيم أن عدد الأشخاص الذين قتلوا بواسطة الاحتلال الإسرائيلي يظهر أنه “لا يوجد مكان آمن في غزة”، مشيرة إلى أن بعض سكان غزة قتلوا في المناطق التي أعلنت عنها الاحتلال الإسرائيلي “كممر آمن”.
وقالت حسيم: “الاحتلال الإسرائيلي قتل عددًا فريدًا ولا مثيل له من المدنيين الفلسطينيين، مدركة تمامًا لعدد الحيوات التي قد تكون قد فقدت بكل قنبلة.”
من جهة أخرى، أكدت حسيم أن الاحتلال الإسرائيلي ما زال تعترض “بإصرار” على تقديم المساعدات الإنسانية إلى غزة، حيث لا يمكن توفير ما يكفي من الطعام والملابس ومستلزمات النظافة، وأشارت إلى أنه جرى منع الفلسطينيين في غزة من الوصول إلى مياه نظيفة.
ودعت حسيم المحكمة الدولية إلى اتخاذ تدابير احترازية لحماية السكان المدنيين في غزة.
“جنوب أفريقيا ليست وحدها في اتهامات الاحتلال الإسرائيلي عن الإبادة الجماعية في غزة ضد الفلسطينيين”
تعليقًا على المحكمة الدولية، أكد المحامي تمبيكا نجكوكايتوبي، الذي يمثل جنوب أفريقيا، أن المحكمة لا تحتاج إلى الاعتراف بوقوع “جريمة الإبادة الجماعية في غزة” وإنما تحتاج إلى النظر في “تهديد وقوع جريمة الإبادة الجماعية في غزة” بناءً على الأدلة الحالية لقبول طلبات الإجراءات الاحترازية المقدمة من جانب جنوب أفريقيا.
وأشار نجكوكايتوبي إلى تصريحات المحققين الخاصين للأمم المتحدة وأعضاء مجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة (21 عضوًا) الذين حذروا من وقوع جريمة الإبادة الجماعية في غزة.
وأكد أن مسؤولين الاحتلال الإسرائيلي قد قاموا بتصريحات تفضح نية الإبادة، معربًا عن رغبتهم في القضاء على السكان في غزة وتدميرها بالكامل.
وأثناء استراحة المحكمة، تحدث ماكس دو بليسيس، المحامي الذي يمثل جنوب أفريقيا، معتبرًا أنه من المعقول رؤية أن الإجراءات المتخذة لمنع الاحتلال الإسرائيلي عن جريمة الإبادة ومعاقبتها كانت غير كافية.
ودعا المحكمة الدولية قائلًا: “لا يجب أن تقر المحكمة بوجوب وجود “جريمة إبادة” بشكل قاطع لاتخاذ إجراءات احترازية، بل يكفي وجود تهديد بوقوع جريمة الإبادة. منع جريمة الإبادة هو مسؤولية لجميع الدول الأطراف في الاتفاق. ونحن نقوم بمسؤوليتنا نيابة عن المجتمع الدولي وجنوب أفريقيا جماعيًا.”
وشدد دو بليسيس على أن حياة سكان غزة ليست أقل قيمة من حياة السكان في القضايا الأخرى التي اعتبرتها المحكمة الدولية مؤهلة لاتخاذ إجراءات احترازية، مثل قضية روسيا وأوكرانيا، داعيًا المحكمة إلى القيام بدورها الواجب لحماية السكان المدنيين في غزة.
“لا يمكن أن يكون الوضع أكثر إلحاحا من هذا”
المحامية بلين ني غرالاي، التي تمثل جنوب أفريقيا، أشارت إلى خطورة الوضع الإنساني في غزة، مؤكدة على اقتراب حدوث المجاعة وأن غزة أصبحت مكانًا لا يمكن العيش فيه.
وأوضحت ني غرالاي أن بعض الجثث تمزقت من قبل الحيوانات في الشوارع، وأن الناس يحاولون استخراج أقاربهم من الأنقاض بأيديهم العارية.
وأفادت بأن الأطفال المصابين في غزة يخضعون لعمليات جراحية دون تخدير، وأن المنازل تهدمت، وتطرقت إلى استهداف العاملين في مجال الصحة.
وأشارت المحامية ني غرالاي إلى أنه يجري قتل ما يقرب من موظف صحي واحد يوميًا في المتوسط، معلقة: “لم تجد نداءات الهدنة الإنسانية من الأمم المتحدة استجابة. الوضع لا يمكن أن يكون أكثر إلحاحًا من ذلك.”
“كانت أول إبادة جماعية ينشرها الضحايا”
ني غرالاي، حذرت من أنه في حالة عدم قضاء المحكمة بتأكيد الإجراءات الوقائية، سيكون ذلك موقفًا يتنافى مع الأحكام السابقة وأن الميزان سيكون في الكف الآخر من ناحية التصديق على القانون الدولي.
وأضافت ني غرالاي: “على الرغم من رعب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، والتي يتم نقلها على هواتفنا الخلوية وأجهزتنا الحاسوبية وشاشات التلفزيون على الهواء مباشرة، كانت هذه هي أول إبادة جماعية في التاريخ تُبث بشكل مباشر من قبل ضحاياها في وقت واحد، وذلك بأمل أن يكون للعالم قدرة على القيام بشيء ما لمساعدتهم في هلاكهم.”
“لا شيء يمكن أن يبرر الإبادة الجماعية في غزة”
وأشار أحد المحاميين “واوغان لو” إلى أن الطريقة الوحيدة لوصول المساعدات الإنسانية إلى غزة هي “وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة على الفور”.
يشرح لو أهمية التسع إجراءات وقائية التي طلبتها جنوب أفريقيا من المحكمة ، مشيرًا إلى أن أفعال كيان الاحتلال الإسرائيلي تحدث في أرض تحت الاحتلال وأن هذا الوضع لا يندرج ضمن حق “الدفاع الشرعي” المنصوص عليه في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة الذي يدعي الاحتلال الإسرائيلي التزامه به.
ويقول لو” إن الحكومة والجيش وإدارة الاحتلال الإسرائيلي هي التي قامت بتصريحات الإبادة الجماعية وكشفت عن نية الإبادة الجماعية في غزة، مؤكدًا أن “منع الإبادة الجماعية قاعدة قانونية مطلقة وقاعدة قانونية إلزامية، لا شيء يمكن أن يبرر الإبادة الجماعية”.
التدابير الاحترازية التي طلبتها جنوب أفريقيا
وكانت جمهورية ودولة جنوب أفريقيا قد تقدمت في 29 ديسمبر/كانون الأول 2023، طلبًا كتابيًا تطالب فيه المحكمة بالفصل بتسعة إجراءات وقائية ضد كيان الاحتلال الإسرائيلي.
ومن بين الإجراءات الوقائية التي طلبتها جنوب أفريقيا من المحكمة:
- توقف العمليات العسكرية للاحتلال الإسرائيلي في غزة فورًا.
- اتخاذ إجراءات ضرورية لمنع الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين.
- السماح للنازحين بالعودة إلى منازلهم .
- ضمان وصول المساعدات الإنسانية بما في ذلك الطعام والماء والوقود والمواد الطبية ومستلزمات النظافة والإقامة والملابس.
- اتخاذ الإجراءات اللازمة لمعاقبة المتورطين في الإبادة الجماعية.
- المحافظة على أدلة الإبادة الجماعية في غزة.
- تقديم تقارير دورية إلى المحكمة تفيد بتنفيذ الإجراءات المحكمية المقررة.
وتُعتبرمحكمة العدل الدولية منظمة فرعية للأمم المتحدة وتقوم بدور قضائي في حل المسائل ذات الصلة بالاتفاقيات الدولية والمعاهدات الدولية.
جنوب أفريقيا: لقد حققنا نصرا عظيما للفلسطينيين وللإنسانية
وأعلنت جنوب أفريقيا أنه بغض النظر عن الحكم الذي ستصدره محكمة العدل الدولية (ICJ) في قضية الإبادة الجماعية المقامة ضد الاحتلال الإسرائيلي، فإن ذلك يعتبر انتصارًا كبيرًا لحقوق الإنسان والشعب الفلسطيني.
وصرح المتحدث باسم وزارة العلاقات الدولية والتعاون في جنوب أفريقيا، كلايسون مونيلا، عبر منصة التواصل الاجتماعي X، بأن الأدلة التي قدمت للمحكمة يجب ألا تُغفَل.
وقال مونيلا: “بغض النظر عن نتيجة القضية، حققت جنوب أفريقيا انتصارًا كبيرًا للفلسطينيين وحقوق الإنسان. لقد قدمنا صوتًا لهم أمام أعلى محكمة في العالم. لا يمكن تجاهل الأدلة التي قُدمت لقضاة المحكمة الدولية وللمتابعين في جميع أنحاء العالم.”
وقد انتهت أمس جلسة المحكمة الدولية للعدالة حول الدعوى التي قدمتها جنوب أفريقيا ضد الاحتلال الإسرائيلي بتهمة ارتكاب جرائم إبادة في قطاع غزة، والتي تتعلق بطلبات التدابير الاحترازية في القضية.
وفي جلسة الاستماع اليوم الجمعة، سيقدم وفد الاحتلال الإسرائيلي دفاعه.
“قضية الإبادة الجماعية في غزة” التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد الاحتلال الإسرائيلي في محكمة العدل الدولية
وبموجب المادة 9 من اتفاقية منع الإبادة والمعاقبة على جرائم الإبادة التي تعود إلى عام 1948، يحق لأي دولة ضمن الاتفاقية أن تقوم بمقاضاة أي دولة أخرى تنتهك أحكام الاتفاقية أمام محكمة العدل الدولية.
وفي هذا السياق، قامت جمهورية جنوب أفريقيا بتقديم دعوى قضائية أمام المحكمة الدولية ضد إسرائيل في 29 ديسمبر/كانون الأول 2024، مطالبة باتخاذ إجراءات احترازية ضدها، بناءً على اتهامها بانتهاك اتفاقية منع الإبادة في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وقد طلبت جنوب أفريقيا تحديد قرار احترازي من قبل المحكمة الدولية نظرًا للطابع العاجل للقضية.
وبعد استكمال جلسات المحكمة، ستقوم المحكمة بدراسة البيانات والأدلة المقدمة من الطرفين وبدء المشاورات لاتخاذ القرار.
وعلى الرغم من عدم وجود موعد نهائي يربط القضاة بالإعلان عن القرار، يظهر أن هذه الفترة تستغرق عدة أسابيع في حالات الطوارئ مثل القضايا ذات الطابع العاجل كالقضايا المتعلقة بالإبادة.
إعداد وتحرير وترجمة: عبد الجواد حميد