أضحت التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول السيطرة على غزة، العنوان الأبرز على الساحة السياسية العالمية.
ووفقاً لما نقله وترجمه فريق تحرير منصة كوزال نت عن “بي بي سي بالتركية“، فقد أعلن ترامب أن الولايات المتحدة ستتولى “السيطرة على غزة”، مشيرًا إلى أن على سكان غزة “الانتقال إلى مكان آخر”، لكنه لم يقدم أي تفاصيل واضحة حول الخطة التي يتحدث عنها.
أثارت هذه التصريحات موجة من الاستنكار والاعتراض على مستوى العالم، حيث جاءت ردود فعل غاضبة من السلطة الفلسطينية، وحركة حماس، والعديد من القادة العرب، في حين أعرب حلفاء الولايات المتحدة عن تحفظاتهم تجاه الخطة، مؤكدين رفضهم لها.
ولكن، لماذا أدلى ترامب بهذه التصريحات؟ ولماذا يريد السيطرة على غزة؟ وهل من الممكن تنفيذ الخطة التي أشار إليها؟
في هذا التقرير، نستعرض تحليلات مراسلي BBC للإجابة عن هذه التساؤلات الأساسية.
لماذا أدلى ترامب بهذه التصريحات بخصوص السيطرة على غزة؟
بحسب كبير مراسلي BBC، جيريمي بوين، فإن أسلوب دونالد ترامب في الإدلاء بمثل هذه التصريحات يستوجب الانتباه.
فحين يطرح ترامب قضية ما، فإنه لا يعبر بالضرورة عن هدفه الحقيقي أو عن خطة فعلية يسعى لتنفيذها، بل قد يستخدم هذه التصريحات كتكتيك تفاوضي.
يرى بوين أن ترامب يتصرف كما لو كان يجري “المزايدة الأولى في صفقة عقارية”، مما يعني أن تصريحاته حول غزة قد لا تعكس السياسة الحقيقية للولايات المتحدة.
كما يلفت إلى أن ترامب قد يكون تعمد إثارة الارتباك أثناء العمل على خطة أخرى، مشيرًا إلى تزامن هذه التصريحات مع إعلانه السعي إلى “اتفاق سلام نووي” مع إيران.
ويضيف أن إسرائيل، وخاصة نتنياهو والتيار اليميني المتشدد، لن يكونوا راضين عن أي اتفاق مع إيران. لذا، إذا كان ترامب قد أدلى بهذه التصريحات بشأن غزة لإرضائهم، فيبدو أنه نجح في ذلك.
لكن بوين يحذر من أن هذه التصريحات تزيد من حالة الغموض وعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، التي تعيش بالفعل توترات متصاعدة.
أما مراسل BBC المتخصص في الشؤون الدبلوماسية بول آدامز، فيشير إلى أن التصريحات الأخيرة تؤكد فشل الدبلوماسية الأمريكية في إيجاد حل للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي على مدى عقود.
كما يلفت آدامز إلى أن مسيرة ترامب في قطاع العقارات تجعله يدرك أن إعادة إعمار غزة ستكون مهمة ضخمة، حيث يتطلب الأمر إعادة بناء البنية التحتية، والمدارس، والمستشفيات من الصفر.
من جانبه، يرى المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف أن العيش في غزة قد لا يكون ممكنًا على الإطلاق لمدة لا تقل عن 10 سنوات.
ما هي تأثيرات تصريحات ترامب حيال السيطرة على غزة في وقف إطلاق النار الحالي؟
وفقًا لجيريمي بوين، فإن تصريحات دونالد ترامب قد تزيد من هشاشة وقف إطلاق النار في غزة، حيث يرى البعض أنها قد تؤدي حتى إلى إنهائه تمامًا.
يُشكل الغموض حول الجهة التي ستدير غزة مستقبلًا نقطة ضعف رئيسية في الاتفاق الحالي، لكن تصريحات ترامب أضافت عاملًا جديدًا يُزيد من هذا الضعف. حتى لو لم يُنفذ هذا الطرح فعليًا، فإنه سيظل عنصرًا مؤثرًا في المشهد الفلسطيني-الإسرائيلي.
ويبدو أن تصريحات ترامب قد أنعشت طموحات القوميين الإسرائيليين الساعين إلى بسط سيطرتهم على ما يعتبرونه “أرض الميعاد”.
وفي هذا السياق، صرح وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، بأن ترامب قد حسم مسألة مستقبل غزة، مؤكدًا أن إسرائيل باتت في “المرحلة النهائية من القضاء على فكرة الدولة الفلسطينية”.
على الجانب الآخر، يرى الفلسطينيون أن إسرائيل استغلت حرب غزة منذ البداية كذريعة لتهجير الفلسطينيين من القطاع، وهو ما أكد عليه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، حيث رفض أي مخطط يهدف إلى إخراج الفلسطينيين من غزة، واصفًا تصريحات ترامب بأنها “انتهاك صارخ للقوانين الدولية”.
وأضاف عباس: “لن نسمح بأي شكل من الأشكال بالمساس بحقوق شعبنا التي ناضل من أجلها لعقود”.
في المقابل، قد يكون لحديث ترامب عن “السيطرة على غزة” أثر عكسي، إذ يمكن أن يُستخدم كوسيلة للحفاظ على وقف إطلاق النار، خصوصًا وأن تصريحاته قد أرضت اليمين الإسرائيلي المتطرف، مما قد يُخفف من اعتراضاتهم على استمرار التهدئة.
هل يستطيع ترامب تحقيق هذه خطة السيطرة على غزة؟
وفقًا لبول آدامز، مراسل الشؤون الدبلوماسية في بي بي سي، ليس للولايات المتحدة أي أساس قانوني يتيح لها المطالبة بالسيطرة على غزة، كما أن ترامب لم يوضح كيفية فرض السيادة الأمريكية هناك.
تمامًا كما حدث مع غرينلاند وقناة بنما، لا يُمكن الجزم ما إذا كان ترامب جادًا في تصريحاته أم أنه يناور لتحقيق مكاسب تفاوضية.
على مدار الأشهر الماضية، طُرحت عدة سيناريوهات حول مستقبل إدارة غزة بعد الحرب، حيث شكلت حركتا حماس وفتح لجنة مشتركة في ديسمبر/كانون الأول 2024 الماضي لبحث إدارة القطاع، لكن هذه الجهود لم تسفر عن أي نتائج.
كما شملت بعض المقترحات نشر قوة حفظ سلام دولية تتألف من جنود عرب. وفي الشهر الماضي، أفادت وكالة رويترز بأن الإمارات والولايات المتحدة والكيان الصهيوني ناقشوا إنشاء إدارة مؤقتة لغزة، إلى حين تمكين السلطة الفلسطينية من السيطرة على القطاع.
لكن رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو سبق أن أكد بوضوح أن السلطة الفلسطينية لن يكون لها أي دور في غزة بعد الحرب.
ورغم ذلك، فإن هناك عناصر أمنية أمريكية موجودة بالفعل في غزة بقدرة محدودة. فبحسب التقارير، يوجد نحو 100 فرد يعملون لصالح شركة أمنية أمريكية خاصة، بعد أن خدموا سابقًا في القوات الخاصة الأمريكية. هؤلاء يقومون بتفتيش المركبات القادمة من جنوب القطاع إلى مدينة غزة.
كما تم رصد قوات أمنية مصرية في نفس النقطة الأمنية، مما قد يشير إلى بداية تشكيل قوة دولية بقيادة أمريكية في غزة.
ومع ذلك، فإن الحديث عن سيطرة أمريكية مباشرة على القطاع يبدو بعيدًا جدًا عن الواقع. فمثل هذا السيناريو يتطلب تدخلًا عسكريًا أمريكيًا واسع النطاق في الشرق الأوسط، وهو ما يتناقض تمامًا مع وعود ترامب الانتخابية التي تعهد فيها بعدم الانخراط في حروب جديدة.
ما هو وضع غزة الحالي؟
تذكر إثار شلبي، مراسلة بي بي سي العربية، أن قطاع غزة كان خاضعًا للانتداب البريطاني قبل قيام الكيان الصهيوني عام 1948.
بعد الإعلان عن قيام ما يُسمى بـ” إسرائيل”، تعرضت لهجوم من خمسة جيوش عربية. وبحلول عام 1949، ومع توقيع اتفاقيات الهدنة، كان الجيش الصهيوني قد سيطر على معظم الأراضي الفلسطينية.
تم إبرام اتفاقيات مع مصر، التي سيطرت قطاع غزة، ومع الأردن، التي سيطرت على الضفة الغربية والقدس الشرقية، بينما بقيت القدس الغربية تحت سيطرة الكيان الصهيوني.
في حرب 1967، أُجبرت مصر على الانسحاب من غزة، لتقع تحت الاحتلال الصهيوني، حيث بدأ الكيان الصهيوني في بناء المستوطنات وفرض الحكم العسكري على الفلسطينيين في القطاع.
في عام 2005، انسحب الكيان الصهيوني بشكل أحادي من غزة، وسحب مستوطنيه وجنوده، لكنه احتفظت بالسيطرة على الحدود، والمجال الجوي، والمياه الإقليمية للقطاع، مما جعل حركة الأفراد والبضائع مرتبطة بالقيود الإسرائيلية.
وبسبب هذا المستوى من السيطرة، لا تزال الأمم المتحدة تعتبر غزة تحت الاحتلال الصهيوني، وهو ما يتوافق مع القانون الدولي.
في انتخابات 2006، فازت حركة المقاومة الإسلامية السنية الفلسطينية-حماس بأغلبية المقاعد في المجلس التشريعي الفلسطيني. وبعد اشتباكات داخلية في العام التالي، بسطت حماس سيطرتها الكاملة على قطاع غزة، مما أدى إلى إغلاق إسرائيل ومصر للحدود وفرض حصار مشدد على القطاع.
منذ 2007، تدير حماس غزة، لكن بعض الدول الغربية والولايات المتحدة المنحازين للكيان الصهيوني زعموا أنها منظمة إرهابية، ورفضوا الاعتراف بنتائج انتخابات عام 2006 التي تمت برقابة أممية وشهادة عالية من كل المستويات بنزاهتها.
وقد شهدت السنوات التالية حروباً غادرة من الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، تخللها مواجهات عسكرية بين حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني، أبرزها في 2008-2009، 2012، 2014، ومايو/آيار 2021، الذي استمر 11 يومًا.
وفي 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أطلقت كتائب القسام الجناح المسلح للحركة معركة طوفان الأقصى انتصاراً للمسجد الأقصى ومخططات هدمه وتهويده المعلنة من قبل اليمين الصهيوني، ما أسفر عن مقتل 1,200 شخص وأسر أكثر من 250 آخرين.
وردًا على ذلك، شن الكيان الصهيوني حرب إبادة جماعية واسعة استمرت 15 شهرًا، أسفرت عن استشهاد 47 ألف و 540 فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في غزة.
هل توجد حقول طاقة في غزة؟
من خلال تقرير نشرته إيثار شلبي من بي بي سي العربية، نقلت عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD) أن هناك إمكانيات غير مستغلة من الغاز والنفط في الأراضي الفلسطينية حتى الآن.
وفقًا لتقرير UNCTAD لعام 2019، يُعتقد أن هناك احتياطيًا يبلغ 3 مليارات برميل في المنطقة.
ويذكر التقرير: “أكد الجيولوجيون والاقتصاديون الذين يعملون في مجال الموارد الطبيعية أن الأراضي الفلسطينية المحتلة تحتوي على احتياطات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي. بعض هذه الاحتياطات موجودة في الضفة الغربية، والبعض الآخر يقع تحت مياه البحر قبالة سواحل قطاع غزة”.
كما يوضح التقرير أن حوض البحر الأبيض المتوسط الشرقي، أو حوض المشرق، يحتوي على 453 مليار دولار من الغاز الطبيعي و71 مليار دولار من النفط وفقًا لأسعار 2017.
بينما يشير بعض الخبراء إلى أن خطة ترامب حيال السيطرة على غزة قد تكون مرتبطة بالنفط والغاز، فإن آخرين يرون أن الأهمية السياسية لغزة أكبر من أهميتها الاقتصادية.
وتقول الخبيرة في سياسات الطاقة في الشرق الأوسط، لوري حيطايان، إنه منذ عام 2000، كانت هناك رغبة في استخراج احتياطيات النفط والغاز قبالة سواحل غزة، وأن هذا قد يكون أحد العوامل في خطة ترامب بخصوص السيطرة على غزة، لكن لا يمكن أن يكون السبب الوحيد.
من جهته، أشار الخبير الاقتصادي الفلسطيني من غزة، ماهر طباع، إلى أن دول الخليج تمتلك احتياطيات أكبر، مؤكدًا أن المسألة الرئيسية في غزة هي مسألة سياسية.
أما الدبلوماسي الأمريكي السابق في إسرائيل، دينيس روس، فيرى أن دونالد ترامب ينظر إلى غزة كمشكلة “عقارية”: “أعتقد أنه عندما ينظر إلى المنطقة، يفكر في قول: ‘سنقوم بتطوير منطقة ظلت فقيرة طوال الوقت'”.
إعداد وتحرير: عبد الجواد أمين حميد