النفط السوري: تاريخ من صراع السيطرة والتفاهمات!

لطالما شكّل النفط السوري دعامة أساسية للاقتصاد الوطني السوري ولعب دوراً محورياً في تعزيز مكانة البلاد إقليمياً، إلا أن هذا المورد الاستراتيجي شهد سلسلة من التحولات الجذرية منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، بعد أن انتقلت السيطرة عليه بين أطراف متعددة وتعرض لأزمات عميقة بفعل الصراع، العقوبات، وتدمير البنى التحتية.

وفقاً للمعلومات التي جمعها فريق تحرير منصة كوزال نت، بدأت عمليات التنقيب عن النفط في سوريا عام 1933، بعد اكتشاف شركة النفط العراقية لحقول كركوك في العراق، والتي تمتد جيولوجياً حتى دير الزور شرقي سوريا، وبحسب مصادر وزارة النفط السورية قد سُجل أول تدفق تجاري للنفط السوري عام 1956.

النفط السوري قبل الثورة: مسيرة الإنتاج والتحديات

اقتصر نشاط التنقيب عن النفط في سوريا، على شركات غربية إلى أن أُسست الهيئة العامة السورية للبترول عام 1958، لتتولى مهام التنقيب والإنتاج والتكرير والنقل، إلى جانب استيراد المشتقات النفطية.

ومع استيلاء حزب البعث “البائد” على السلطة عام 1963، صدر المرسوم التشريعي رقم 132 في العام التالي، مانعاً الشركات الأجنبية من الحصول على تراخيص التنقيب والاستثمار، لِتقتصر هذه الصلاحيات على الدولة.

وقد بدأ الإنتاج الفعلي للنفط في مايو/أيار 1968، حين نُقل أول برميل إلى ميناء طرطوس قادماً من محطة الضخ في تل عدس شمال شرق البلاد، عبر مصفاة حمص.

وفي عام 1974، تأسست الشركة السورية للنفط إلى جانب شركات متخصصة في التكرير والنقل، وجميعها تحت إشراف وزارة النفط والثروة المعدنية، وقد تولت الشركة الإشراف الكامل على قطاعي النفط والغاز، الذي شكّل حينها أكثر من 50% من إجمالي الناتج القومي السوري.

كما دخلت عدة شركات أجنبية في شراكات مع النظام السوري، أبرزها “شل” الهولندية البريطانية و”توتال” الفرنسية.

وفي عام 1980، تأسست شركة الفرات للبترول بملكية مشتركة امتلكت فيها الحكومة السورية 65% من الأسهم، بينما امتلكت شركات أجنبية بقيادة  شركة “شل ” الدولية 35%.

وفي العام نفسه، بدأت “بترو-كندا” الكندية عملياتها في حقل الشاعر، وأقامت مصنعاً للغاز في حقل الفرقلس، قبل أن تستحوذ عليها لاحقاً شركة “صنكور إنرجي” عام 2009.

أما شركة توتال الفرنسية، فقد دخلت السوق السورية في أوائل التسعينيات، ثم انسحبت لاحقاً نتيجة توتر العلاقات الثنائية، قبل أن تعود لفترة قصيرة بين عامي 2007 و2011.

 في المقابل، بدأ الحضور الأميركي في القطاع النفطي السوري بالتراجع منذ الثمانينيات.

وبحلول عام 2010، تراجع الإنتاج إلى نحو 385 ألف برميل يومياً نتيجة تقادم الحقول ونقص الاستثمار في التكنولوجيا، فيما كانت سوريا تُصدِّرُ حوالي 150 ألف برميل يومياً، غالبيتها إلى فرنسا وإيطاليا، فيما يُستهلك الباقي محلياً.

ورغم أن عمليات الإنتاج كانت تُدار من قبل الشركة السورية للنفط (SPC) بالتعاون مع الشركات الأجنبية، فإن القطاع واجه صعوبات متراكمة، من بينها انخفاض الاحتياطات، ضعف الإدارة، والعقوبات الأميركية المفروضة منذ عام 2004، التي أعاقت الاستثمارات والتحديث.

بلغ إنتاج النفط في سوريا ذروته عام 1996 نحو 600 ألف برميل يومياً، ثم بدأ بالانخفاض ليصل إلى نحو 400 ألف برميل يومياً بحلول 2010.

 ومع بداية الثورة الشعبية السورية وفرض العقوبات عام 2011، توقفت شركات النفط الأجنبية عن العمل داخل سوريا.

النفط السوري في زمن الحرب والتحالفات المتغيرة 

بحلول عام 2013، فقد النظام السوري السيطرة على العديد من الحقول النفطية بعد استيلاء قوات المعارضة السورية عليها.

 وفي عام 2014، سيطر تنظيم داعش على الحقول الرئيسية في دير الزور والرقة، واستخدم مبيعات النفط كمصدر رئيسي للتمويل، إذ كان ينتج ما بين 40 ألفاً و50 ألف برميل يومياً ويبيع النفط في السوق السوداء.

في وقت لاحق، استهدف التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة منشآت النفط بغارات جوية مباشرة لإضعاف مصادر تمويل داعش، وتوقفت صادرات النفط بفعل العقوبات الغربية.

وبالتزامن مع ذلك، نشأت شبكات تهريب واسعة وصلت إلى تركيا والعراق وحتى مناطق سيطرة النظام، ما أسهم في ولادة اقتصاد جديد غير مشروع.

في أواخر 2015، وبعد التدخل العسكري الروسي والإيراني في الأراضي السورية، استعاد النظام السوري السيطرة على عدة حقول صغيرة في المنطقة الوسطى، مثل الشاعر، الهيل، آراك، حيان، جحار، المهر، وأبو رباح في تدمر.

ووقّعت شركات روسية عقوداً مع جهات سورية للاستثمار في قطاعي النفط والغاز، كما تعاقد النظام مع شركة “إيفرو بوليس”، المرتبطة برجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوجين، لحماية منشآت النفط والغاز، بما في ذلك حقل الشاعر التابع لشركة “صنكور”، مقابل حصة 25% من العائدات.

من جانب آخر، دعمت واشنطن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لحماية الحقول شرق الفرات، ما أدى إلى معارك بارزة مع قوات مدعومة من النظام السوري.

وقد سيطرت قسد على أبرز الحقول النفطية في شرق سوريا ومنها رميلان، الجبيسة، العمر، التنّك، وكونيكو في دير الزور.

وابتداءاً من عام 2017، احتفظت إيران بنفوذها على آبار في ريف البوكمال، فيما سيطرت ميليشيات مدعومة منها لفترات قصيرة على مواقع في دير الزور وريف الرقة.

لاحقاً، تدخلت قوات موالية لروسيا بدعم من الشرطة العسكرية الروسية لطرد القوات الإيرانية، وانتقلت السيطرة إلى فصائل مدعومة من موسكو، من بينها الفيلق الخامس وعناصر من مرتزقة روسية خاصة تُعرف باسم “فاغنر”، التي أعيد تنظيمها جزئياً بعد تفككها.

 وقد شملت مناطق النفوذ الروسي حينها حقول الثورة، الورد، التيم، وطوينان للغاز في ريفي دير الزور والرقة.

وبحلول عام 2018، تراجع إنتاج النفط إلى 24 ألف برميل يومياً فقط، مقارنة بـ385 ألف برميل في 2010.

مقايضات داخلية بين قسد والنظام السوري

في عام 2019، توصّل النظام السوري وقسد إلى اتفاق مقايضة للنفط الخام والخدمات. 

وبحسب ما ذكره موقع ” عربي 21“، حصل النظام على 100 برميل من النفط الخام مقابل 75 برميلاً من المازوت المكرر، إضافة إلى تقديم الكهرباء والخدمات لمناطق سيطرة “قسد.

وجرى تنفيذ الاتفاق عبر مجموعة حسام القاطرجي المتعاونة مع نظام الأسد البائد في حينه، حيث نُقل النفط من حقلي العمر والتنك إلى حقل التيم ثم إلى مصفاة حمص، في حين نُقل الغاز إلى معمل كونيكو ومنه إلى محطة جندر الحرارية جنوب حمص.

وبحسب الترتيب المالي، حصل النظام على 65% من الإيرادات، وقسد على 35%، إلى جانب إعادة تفعيل الدوائر الرسمية في الحسكة والرقة، كمرحلة أولى، ثم في دير الزور والضفة الشرقية للفرات لاحقاً.

وبحسب تصريحات وزير الكهرباء السابق في النظام السوري البائد غسان الزامل، تكبّد قطاع الكهرباء في سوريا على مدى ثلاثة عشر عاماً من الحرب خسائر مباشرة تُقدّر بـ40 مليار دولار، فيما تجاوزت الأضرار غير المباشرة 80 مليار دولار، نتيجة تدمير البنية التحتية وشبكات النقل، ونقص إمدادات الغاز لمحطات التوليد.

النفط السوري بعد سقوط النظام: التحديات والفرص ( 2024-2025)

منذ سقوط النظام السوري في كانون الأول/ديسمبر 2024، شهد قطاع الطاقة تحولات غير مسبوقة.

وفي آذار/مارس 2025، أعلنت الحكومة السورية الانتقالية عن تأسيس وزارة الطاقة الموحدة بعد دمج وزارات النفط والكهرباء والموارد المائية، لتحسين إدارة الموارد الاستراتيجية.

أعقب ذلك رفع تدريجي للعقوبات الأميركية والأوروبية، ما فتح الباب أمام استثمارات أجنبية جديدة. وفي أيار/مايو 2025، وقّعت الحكومة مذكرات تفاهم مع تحالف استثماري يضم شركات من قطر وتركيا والولايات المتحدة، بقيمة 7 مليارات دولار، تضمنت الاتفاقيات إنشاء أربع محطات غازية ومحطة طاقة شمسية بقدرة 1,000 ميغاواط.

 كما أعلنت تركيا عن مشروع ربط كهربائي لنقل 80 ميغاواط إلى الشمال السوري، إضافة إلى خط غاز يربط ولاية كيليس بمدينة حلب لنقل 6 ملايين متر مكعب يومياً.

أما قطر، فقد بدأت في آذار/مارس 2025 بضخ 2 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي يومياً إلى محطة دير علي عبر الأردن، في إطار اتفاق ثنائي لتحسين البنية التحتية.

وفي حزيران/يونيو 2025، جرى الإعلان عن خطة قطرية شاملة لإعادة بناء شبكة الكهرباء بميزانية تجاوزت 7 مليارات دولار.

وفي ختام هذه المرحلة، شهد الشهر نفسه توقيع اتفاق للطاقة بين وزارة الطاقة وقوات سوريا الديمقراطية، يهدف إلى تعزيز التعاون في مجال الكهرباء، حماية سد الفرات، وتلبية احتياجات المنطقة، ما يحمل دلالات سياسية واقتصادية في ظل واقع جديد تشكّل بعد سنوات من الانقسام والتجاذب.

ولكن يبقى السؤال الذي يرادو وجدان كل السوريين: متى ستعود كل الثروات النفطية لصاحبها الحقيقي “الشعب السوري”؟، وهل ستتمكن الدولة السورية الجديدة من بسط سيطرتها على الحقول النفطية التي تقع تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في مناطق “الجزيرة السورية”؟

آبار النفط شرق سورياآبار النفط في سورياأزمة المحروقات في سورياأزمة النفط في سورياأزمة الوقودأزمة الوقود في سورياإعادة إعمار سورياإعادة إعمار سوريا 2025إنتاج النفطإنتاج النفط السوريإنتاج النفط في سورياإنتاج النفط في سوريا 2025إنتاج سوريا من النفطاستثمارات النفطالإدارة الذاتيةالاستثمار النفطيالاقتصاد السوريالبنية التحتيةالتنقيب عن النفط في سورياالشركات النفطيةالشركات النفطية الأجنبية في سورياالشركة السورية للنفطالصراع على النفطالصراع على النفط في سورياالطاقة في سورياالغاز الطبيعيالكهرباء في سورياالموارد النفطية في سورياالنطام السوريالنفط السوريالنفط السوري في زمن الحربالنفط في سورياالنفط والغازالوقود السوريتهريب النفطحقول النفط في سورياسوريا والطاقةقسدقطاع النفط السوريقطاع النفط في سورياقوات سوريا الديمقراطيةمشاريع الطاقةمصفاة حمصمن يسيطر على النفط في سوريا