قدم وزير الخارجية التركي هاكان فيدان تقيماً للتطورات الأخيرة على الساحتين الإقليمية والدولية، مشيرًا إلى خطوات التطبيع من النظام السوري بقوله: “أظهرنا حسن نيتنا”.
ووفقاً لما نقله وترجمه فريق تحرير منصة كوزال نت عن صحيفة “hurriyet” التركية التركية، في تعليق له حول فوز دونالد ترامب بالسباق الرئاسي الأمريكي الـ60، أكد فيدان أن السياسات التي نفّذها ترامب خلال ولايته الأولى لا يمكن أن تكون مؤشرًا دقيقًا لتحليل سياساته المستقبلية، كما أجاب على أسئلة الصحفيين حول آخر المستجدات حيال خطوات التطبيع مع النظام السوري.
وخلال تصريحاته للصحفيين حول المستجدات منذ شهر يناير/كانون الثاني وحتى الآن، أشار فيدان إلى استمرار أزمات متعددة مثل الحرب الأوكرانية-الروسية والمجازر التي تحدث في غزة، قائلًا: “ما زالت الحرب الأوكرانية-الروسية مستمرة، كما أن المجازر في غزة تتواصل. ومع تصاعد التوتر بعد اعتداء إسرائيل على لبنان، اتخذت الأزمة في المنطقة بعدًا جديدًا، بينما لا يزال خطر الحرب مع إيران قائمًا”.
كما تطرق فيدان إلى نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة التي حسمت في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، مشيرًا إلى أن ترامب حقق تفوقًا كبيرًا بحصوله على الأغلبية في كلا مجلسي الكونغرس، وهو ما وصفه بـ”ميزة نادرة لا تتحقق لأي زعيم بسهولة”.
وأضاف أن الحزب الديمقراطي بحاجة إلى مراجعة أدائه وتحليل أسباب الخسائر الكبيرة التي مُني بها.
وأشار فيدان إلى أن فوز ترامب قد يسهم في توضيح بعض الأزمات الجيوسياسية التي تشغل الأجندة الدولية حاليًا، داعيًا إلى دراسة الظروف التي أثّرت على اختيارات الناخب الأمريكي بموضوعية شاملة.
وقد أجاب الوزير هاكان فيدان على أسئلة الصحفيين الأتراك، بما فيها الأسئلة حول خطوات التطبيع مع النظام السوري ومستقبل سوريا في عهد حكومة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب على النحو التالي:
ما هي توقعاتك بشأن سوريا في عهد ترامب؟ هل ستستمر علاقة الولايات المتحدة مع حزب العمال الكردستاني/حزب الاتحاد الديمقراطي “المليشيات الكردية الإرهابية”؟
ورداً على هذا السؤال، أكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن الرؤية الحالية تجاه ما يمكن أن يفعله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في سوريا ما زالت غامضة، مشيرًا إلى أن هناك بعض التوقعات المستندة إلى سياساته خلال ولايته الأولى. ومع ذلك، شدد فيدان على أن الاعتماد فقط على هذه المؤشرات قد لا يكون تحليلًا دقيقًا.
وأوضح فيدان أن استمرار التعاون بين الولايات المتحدة والتنظيمات الإرهابية مثل YPG/PKK في سوريا سيظل يشكل نقطة خلاف استراتيجية مع تركيا، مضيفًا أن السياسة الخارجية الأمريكية التي تركز على الأمن كان ينبغي أن تجعلها أكثر تفهمًا للمخاوف التركية.
وأشار إلى أن تركيا تحتاج إلى توضيح موقفها بجلاء من خلال التحركات الدبلوماسية والموقف الميداني.
وتحدث فيدان عن تجربة إدارة ترامب السابقة في سوريا، حيث أعرب ترامب حينها عن رغبته في سحب القوات الأمريكية من سوريا، إلا أن النظام السياسي الأمريكي لم يتجاوب مع هذا القرار. وأضاف أن الدفاع البيروقراطي في الولايات المتحدة أظهر أن أوامر الرئيس المباشرة لم تكن ذات وزن كبير في تلك المرحلة.
وأشار فيدان إلى أن ترامب يبدو أنه قد استخلص الدروس من التجارب السابقة، حيث يسعى الآن لتشكيل فرق عمل أكثر ولاءً له لتجنب تكرار الأحداث الماضية. وقال إن هذا التوجه يعكس حرص ترامب على فرض رؤيته السياسية بشكل أكبر خلال ولايته الحالية.
يبدو أن سوريا ليست على جدول أعمال ترامب في الوقت الحالي. ما الذي تعتقد أن الولايات المتحدة ستفعله في سوريا في عهد ترامب؟ ماذا سيكون مسار كفاحنا ضد العناصر الإرهابية في شمال سوريا؟
وفي معرض إجابته عن هذا السؤال، أوضح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن الولايات المتحدة تدرس حاليًا عدة قضايا تتعلق بسوريا، من بينها مستقبل تنظيم داعش، ومصير الأفراد المحتجزين في مخيم الهول، والخطط المتعلقة بهم.
وأشار فيدان إلى أن أحد الموضوعات الرئيسية أيضًا يتعلق بوضع سوريا في سياق الحرب النشطة التي تشنها إسرائيل في المنطقة.
وأضاف فيدان أن إسرائيل تعتبر عاملًا محوريًا في الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط، وأن الولايات المتحدة ستأخذ بعين الاعتبار مدى تأثير سوريا على أمن إسرائيل، وهو أمر يتوقع أن يُناقش بجدية على طاولة صنع القرار.
وحول العلاقة بين الولايات المتحدة والتنظيمات الإرهابية مثل PKK/PYD، أشار فيدان إلى أنه يتوقع أن تعيد واشنطن النظر في هذا التعاون.
وأوضح أن تركيا لطالما أكدت للولايات المتحدة، في كل مناسبة، مدى جدية موقفها من هذه المسألة. وأشار إلى أن الديمقراطيين في الولايات المتحدة بدأوا مؤخرًا يدركون أن هذا التعاون غير مستدام، حيث إنه بدأ كحل مؤقت لكنه استمر لفترة أطول من اللازم، مما أدى إلى دفع تركيا، حليف الناتو، نحو مواقف أكثر تصعيدًا.
وأكد فيدان أن تركيا أوضحت أنها لن تتسامح مع هذا الوضع، وأن عليها الاستمرار في موقفها الواضح بهذا الشأن. وأشار إلى أنه قد تظهر سيناريوهات مختلفة في المرحلة المقبلة، ولكن الأهم هو استمرار الحوار.
وأوضح أن تركيا ثابتة في موقفها، سواء على الأرض من خلال عمليات مكافحة الإرهاب أو على طاولة المفاوضات الدبلوماسية. وأضاف أن أنقرة تواصل تقديم اقتراحات جديدة والتأكيد على استعدادها لاتخاذ كل الخطوات الضرورية لحماية أمنها.
وختم فيدان إجابته بالقول إن الولايات المتحدة تدرك توقعات تركيا بشأن التغييرات في مواقفها تجاه بعض القضايا. وأكد أنه إذا دعت الضرورة إلى عمليات من نوع مختلف على الأرض، فإن تركيا مستعدة لاتخاذ الإجراءات المناسبة، مشيرًا إلى أن الرئيس التركي قد أوضح أن بلاده لن تتردد في القيام بما يلزم لضمان أمنها ومصالحها.
هل يمكن أن تنسحب الولايات المتحدة من سوريا خلال إدارة ترامب؟
وأوضح الوزير هاكان فيدان بأن محاولة إدارة ترامب الأولى لسحب القوات الأمريكية من سوريا تعثرت بسبب مقاومة البيروقراطيين في وزارة الدفاع الأمريكية.
وأوضح أن القرار الجمهوري بشأن الانسحاب من أفغانستان كان منوطًا بتنفيذه إلى الديمقراطيين، الذين واجهوا تحديات كبيرة خلال العملية، ما تسبب في خسائر سياسية كبيرة داخلية. نتيجة لذلك، تخلى الديمقراطيون عن فكرة الانسحاب من سوريا لتجنب تكرار هذه الخسائر.
وأشار هاكان فيدان إلى أن إبقاء 800 جندي أمريكي في سوريا لا يقدم فائدة كبيرة للولايات المتحدة، بل يعوق العمليات العسكرية الأمريكية، خاصة في مواجهة الميليشيات الإيرانية. وأوضح أن القوات الأمريكية في العراق وسوريا تُستخدم كأداة ضغط في أي مواجهة مع إيران، حيث تصبح هذه القوات أهدافًا مباشرة لهجمات انتقامية، مما يخلق حالة من التوتر المستمر.
وأضاف أن إدارة بايدن تجنبت تكرار سيناريو الانسحاب من أفغانستان في سوريا، ولكن مع عودة الجمهوريين إلى السلطة، قد يصبح تنفيذ الانسحاب مجددًا مطروحًا. وأعرب عن اعتقاده بأن خطوة إيجابية بهذا الاتجاه قد تكون ممكنة.
هل يمكن لتركيا تقديم عرض جديد للولايات المتحدة بشأن مكافحة الإرهاب في سوريا؟
أكد هاكان فيدان أن الموقف التركي واضح جدًا، حيث تنقل أنقرة باستمرار خلال اللقاءات الثنائية مع المسؤولين الأمريكيين، أنها مستعدة لدعم أي عمليات مكافحة إرهاب في المنطقة. وشدد على أن التعاون الأمريكي مع تنظيم PKK/PYD لمكافحة تنظيم داعش أمر غير مقبول، وغير ضروري أيضًا.
وأشار إلى أن أنقرة ترى أن إصرار الولايات المتحدة على هذا التعاون يمثل خطأً كبيرًا، إلا أن هذه المسألة تظل واحدة من التحديات الرئيسية في العلاقة الثنائية بين البلدين.
هل هناك مفاوضات محتملة بين الإدارة الأمريكية الجديدة وروسيا حول سوريا؟ وكيف تنعكس على تركيا؟
أوضح هاكان فيدان أن أي تهدئة أو تجميد للحرب بين روسيا وأوكرانيا قد يفتح المجال لمناقشة قضايا أخرى، بما في ذلك الملف السوري. وبيّن أن الولايات المتحدة قد تسعى خلال انسحابها من المنطقة إلى حماية حلفائها المحليين الذين استثمرت فيهم.
وشدد على أن تركيا تتابع التطورات عن كثب وتستعد لجميع السيناريوهات المحتملة، مع التأكيد على أهمية الحفاظ على موقف واضح ومتماسك تجاه أي مفاوضات قد تجري بين القوى الدولية بشأن سوريا.
حول خطوات التطبيع مع النظام السوري..هل هناك أي تواصل دبلوماسي بين تركيا ونظام الأسد، وما احتمالية اجتماع القيادات؟
أشار هاكان فيدان إلى أن الرئيس التركي كان قد قدم مقترحًا مهمًا بهذا الشأن، لكن النظام السوري يبدو غير مستعد لمناقشة قضايا معينة في هذه المرحلة. وأكد أن تركيا لا تشترط اتفاق النظام السوري مع المعارضة مسبقًا، لكنها ترى أن التوصل إلى مثل هذا الاتفاق سيكون خطوة عملية لحل المشكلات القائمة في إطار خطوات التطبيع مع النظام السوري.
وأضاف أن انسحاب تركيا من المناطق الحدودية بناءً على وعود النظام السوري بمكافحة الإرهاب لا يمثل حلًا واقعيًا، حيث إن التجارب السابقة تشير إلى أن مثل هذه الخطوات قد تؤدي إلى موجات جديدة من اللاجئين وعدم الاستقرار. وأوضح أن الآلية الحالية التي تديرها تركيا من خلال عملية أستانا توفر وقفًا فعالًا لإطلاق النار بين الأطراف المتصارعة، ولا يمكن تغييرها إلا بمقترح بديل عملي وقابل للتنفيذ.
كيف تؤثر العمليات الإسرائيلية في لبنان وسوريا على مستقبل سوريا؟
وصرح هاكان فيدان بأن سوريا تخضع حاليًا لضغوط مكثفة من إسرائيل، حيث يتبنى النظام السوري موقفًا محايدًا تجاه الصراع بين إسرائيل والميليشيات الإيرانية.
وأوضح أن النظام السوري يحاول تجنب استهداف بنيته التحتية أو قواته من خلال تركيز الصراع بين الطرفين.
وأشار إلى أن بعض الدول العربية التي تدعم عودة سوريا إلى الجامعة العربية تعتقد أن هذا الأمر قد يسهم في تقليل النفوذ الإيراني في سوريا. ومع ذلك، أوضح أن العلاقة بين دمشق وطهران عميقة ومتداخلة، مما يجعل هذه التوقعات غير واقعية.
وأكد أن هناك تحولًا في الموقف داخل سوريا والعراق، حيث تسعى الدولتان إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع إيران، ولكن دون السماح لها بالتأثير المباشر على سيادتهما.
ولفت إلى أن الوضع الحالي قد يتطور بناءً على تغير الظروف الإقليمية، خاصة مع ترقب بعض الجهات لعودة ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة.
خطوات التطبيع مع النظام السوري
على الرغم من عدم وجود رد ملموس من دمشق على دعوة الرئيس الأسد للقاء مع أردوغان حتى الآن، هل يمكن أن تلعب روسيا أو إيران دوراً في خطوات التطبيع مع النظام السوري؟
وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، رد على السؤال بخصوص خطوات التطبيع مع النظام السوري بأن الوضع في سوريا مرتبط بشكل جزئي بتوجهات روسيا وإيران تجاه القضية السورية.
وأوضح فيدان أن إيران لا تضع في أولوياتها تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا، بينما يرى الجانب الروسي أن الوضع الحالي في المنطقة يشهد هدنة ولا توجد تهديدات جدية، لذلك لا يتم مناقشة خطوات التطبيع مع النظام السوري من قبلهم بشكل جدي في الوقت الحالي.
وأكد فيدان أن تركيا تواصل تقديم حسن نيتها في هذا الملف، مشيرًا إلى أن أنقرة ليس لديها أي نية للتصرف بشكل عدواني أو احتلال أراضٍ وأنها جادة في اتخاذ إجراءات ملموسة وخطوات التطبيع مع النظام السوري، كما أنها لا تسعى لتغيير النظام في سوريا.
وأضاف أن تركيا لا تولد حالة من التنبيه أو القلق لدى الأطراف الأخرى عندما تضع هذه النقاط بشكل واضح.
وتابع فيدان أن تركيا تواصل اهتمامها بالقضايا الأخرى في المنطقة، مؤكدًا أن تركيا تعتبر أن استمرار عملية أستانا كافٍ في الوقت الحالي، إلا أن هناك قضية تتعلق باستدامة هذه العملية. وأشار إلى أن هناك تهديدًا متزايدًا في سوريا، حيث لم تُتخذ خطوات كافية في مكافحة الإرهاب أو معالجة قضايا اللاجئين، مما قد يجعل التهديدات تتطور مع مرور الوقت.
وذكر فيدان أن تركيا تبحث عن حلول لهذه التهديدات، وبالتأكيد إذا لم تتمكن من الحصول على إجابات دبلوماسية أو بناءة، فإنها ستضطر إلى اتخاذ خطوات أخرى عندما يحين الوقت لذلك.
إعداد وتحرير: عبد الجواد أمين حميد