في المحادثات الأخيرة التي جمعت الرئيس السوري أحمد الشرع بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان والوفدين المرافقين لهما في أنقرة، برز موضوع تعزيز التعاون العسكري بين تركيا وسوريا كأحد المحاور الأساسية.
ووفقاً لما نقله وترجمه فريق تحرير منصة كوزال نت عن “BBC Türkçe“، اشتملت نقاشات التعاون العسكري بين تركيا وسوريا قضايا تتعلق بإعادة بناء الجيش السوري، وتزويده بالمعدات العسكرية، إضافة إلى توفير برامج تدريبية.
كما يجري بحث احتمال إنشاء قواعد عسكرية تركية داخل الأراضي السورية.
ورغم أن مصادر في وزارة الدفاع التركية أرسلت إشارات إيجابية بشأن التعاون العسكري بين تركيا وسوريا، فإنها لم تؤكد حتى الآن إمكانية إنشاء هذه القواعد.
من جهة أخرى، يُتوقع أن يلعب احتمال انسحاب القوات الأمريكية، إلى جانب إنشاء آلية إقليمية جديدة لمكافحة تنظيم داعش، دورًا حاسمًا في تشكيل ملامح التعاون العسكري بين تركيا وسوريا.
كيف تطور العلاقات والتعاون العسكري بين تركيا وسوريا؟
شكل التعاون العسكري بين تركيا وسوريا بالإضافة إلى التعاون الأمني المحور الأبرز في المحادثات بين أنقرة ودمشق خلال الفترة الأخيرة.
وكان وزير الدفاع التركي، يشار غولر، قد أدلى بأول تصريح رسمي حول هذا الملف في 15 ديسمبر/كانون الأول 2024، مؤكداً استعداد بلاده لتقديم الدعم اللازم لسوريا في هذا المجال حال طلبت ذلك.
وشهد شهر يناير/كانون الثاني 2025 تكثيف الاتصالات بين الجانبين، حيث زار وزير الدفاع السوري، “مرهف أبو قسرة”، العاصمة التركية أنقرة في 15 يناير/كانون الثاني، برفقة وزير الخارجية ورئيس جهاز الاستخبارات السوري، والتقى نظيره التركي يشار غولر.
وفي إطار القرارات التي تم التوصل إليها خلال هذه الاجتماعات، قام وفد رفيع المستوى من وزارة الدفاع التركية بزيارة فنية إلى دمشق يومي 29 و30 يناير/كانون الثاني، بهدف تقييم الاحتياجات اللازمة لتعزيز القدرات الدفاعية والأمنية السورية.
وضم الوفد خمسة جنرالات من القوات البرية والجوية والبحرية، برئاسة اللواء إلكاي ألتينداغ، المدير العام للأمن والدفاع، وفق ما أفادت به وسائل الإعلام.
ومن المتوقع أن تسفر هذه المباحثات عن وضع الأسس اللازمة حول التعاون العسكري بين تركيا وسوريا، إلى جانب تحديد خارطة طريق لتعزيز التعاون الدفاعي والأمني بما يتماشى مع احتياجات الجانب السوري.
”خارطة طريق مشتركة”
وتُعد تركيا ثاني أكبر قوة عسكرية في حلف الناتو، وتتميز ببنيتها العسكرية القوية، مما يجعلها شريكاً مهماً في التعاون العسكري مع العديد من الدول، خصوصاً في إفريقيا والبلقان.
وفي إطار هذه الشراكات، تبدأ تركيا عادةً بتوقيع اتفاقية إطارية عامة للتعاون العسكري، ومن ثم تعمل على تنفيذ مشاريع تعاون محددة بناءً على احتياجات ومتطلبات الدولة المعنية.
وكان وزير الدفاع التركي، يشار غولر، قد أشار إلى هذا النهج في تصريح أدلى به في 15 ديسمبر/كانون الأول 2024، مؤكداً: “نحن مستعدون لتقديم الدعم اللازم في حال طلبت الإدارة الجديدة ذلك”.
وتشير التقارير إلى أن هذا الموضوع طُرح أيضاً خلال زيارة الرئيس السوري “الشرع” إلى أنقرة في 4 فبراير/شباط 2025.
وخلال مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أكد الشرع عزم بلاده على رفع مستوى العلاقات مع تركيا إلى مستوى “الشراكة الاستراتيجية”، قائلاً:
“نعمل معاً على بلورة استراتيجية مشتركة لمواجهة التهديدات الأمنية في المنطقة، إلى جانب التعاون في ملفات استراتيجية أخرى كبرى. هذه الجهود تهدف إلى تحقيق أمن واستقرار مستدام لكل من سوريا وتركيا.”
من جانبها، أفادت مصادر في وزارة الدفاع التركية بأن المحادثات بين الوفود العسكرية أسفرت عن اتفاق على وضع “خارطة طريق مشتركة” لتعزيز قدرات الجيش السوري.
ملامح واحتمالات التعاون العسكري بين تركيا وسوريا
في إطار الاتفاقيات المزمع توقيعها، يُتوقع اتخاذ خطوات لتعزيز التعاون العسكري بين تركيا وسوريا، تشمل تأسيس جيش جديد، وتحسين البنية التحتية القائمة، ومراجعة المعدات العسكرية الحالية، إلى جانب تزويد سوريا بالمعدات العسكرية اللازمة من تركيا وتوفير برامج تدريبية متخصصة.
ورغم هذا التوجه، لا تزال هناك تساؤلات حول ما إذا كان التعاون سيصل إلى حد مساهمة تركيا المباشرة في أمن سوريا أو حتى إنشاء قواعد عسكرية مستقلة على أراضيها، وهو أحد أبرز المواضيع المطروحة للنقاش.
وفي سياق التقارير الدولية التي أشارت إلى احتمال إقامة قواعد عسكرية تركية برية وجوية في سوريا، أكدت مصادر في وزارة الدفاع التركية على ضرورة التعامل بحذر مع هذه الأخبار، مشددة على أن “من المبكر الحديث عن مثل هذه الخطط، وينبغي قراءة هذه التقارير وتحليلها بعناية”.
وتتمركز القوات التركية في عدة مناطق على امتداد الحدود الشمالية لسوريا، حيث تواصل عملياتها العسكرية. كما تحافظ القوات المسلحة التركية على وجودها في منطقة “خفض التصعيد” في إدلب، بالتنسيق مع روسيا وإيران.
وتشير مصادر في وزارة الدفاع إلى أن أعداد القوات التركية في سوريا تتغير وفقاً للمتطلبات الميدانية، مع إمكانية إعادة توزيع القوات بين المواقع المختلفة حسب الحاجة.
وتعتبر أنقرة أن الجماعات الكردية المصنفة لديها بـ”الإرهابية”، تشكل تهديداً أمنياً في شمال سوريا، مؤكدة أنها ستواصل وجودها العسكري هناك حتى القضاء على هذا التهديد.
ويعد تحالف مليشيات قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، الذي تمثل وحدات حماية الشعب (YPG) عموده الفقري، القوة المهيمنة في شمال شرق سوريا.
في المقابل، تواصل الولايات المتحدة دعم قسد ضمن إطار عملياتها ضد تنظيم داعش، مما يضيف بُعداً آخر لتعقيدات المشهد الأمني في المنطقة.
كيف ستتطور مكافحة داعش؟
يُشار إلى أن مستقبل الوجود العسكري التركي في سوريا، بما في ذلك إمكانية إقامة قواعد عسكرية، يعتمد بشكل كبير على كيفية تشكيل السياسات الأمريكية تجاه المنطقة.
من المعروف أن الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة دونالد ترامب قد أجرت تقييمات بشأن سحب القوات الأمريكية من سوريا، إلا أنه لم يتم التوصل إلى قرار نهائي بعد.
وفي حال انسحاب الولايات المتحدة، ستسعى تركيا وسوريا، بالتعاون مع الأردن والعراق، إلى إنشاء آلية إقليمية لضمان عدم تعثر جهود مكافحة تنظيم داعش.
ويتم التحضير لعقد اجتماع قريب بين وزراء الخارجية والدفاع ورؤساء أجهزة الاستخبارات من الدول الأربع في الأردن، بهدف اتخاذ خطوات ملموسة في هذا الاتجاه.
وفي حال تنفيذ هذه الخطوات، يُتوقع أن تزداد الحاجة إلى تشكيل هيكل عسكري أكثر شمولاً داخل الأراضي السورية.
من جهة أخرى، تلعب قوات سوريا الديمقراطية (SDG) دوراً مهماً في السيطرة على معسكرات داعش في سوريا، وفقاً للمزاعم الأمريكية.
إعداد وتحرير: عبد الجواد أمين حميد