قام وزير الخارجية التركي هاكان فيدان اليوم بزيارة عمل قصيرة إلى سوريا، وهي الثالثة له خلال الأشهر التسعة الأخيرة، حيث التقى في دمشق رئيس الدولة السورية للفترة الانتقالية أحمد الشَرَع، فما أهمية زيارة هاكان فيدان إلى سوريا؟
ووفقاً لما نقله وترجمه فريق تحرير منصة كوزال نت عن موقع “بي بي سي بالتركية“، تشير التقييمات في أنقرة إلى أن زيارة هاكان فيدان إلى سوريا تكتسب أهمية خاصة من حيث توقيتها، ومن حيث القضايا الحساسة المطروحة على جدول الأعمال، وعلى رأسها ضمان التنفيذ الكامل والفوري للاتفاق المبرم في مارس بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية (قسد).
وفي تصريح عبر حسابه على وسائل التواصل الاجتماعي عقب اللقاء، أكد فيدان:
“نحن عازمون على تعميق التعاون بين تركيا وسوريا في جميع المجالات”، مضيفًا:“الشعب السوري يسعى لاستثمار الفرصة التاريخية المتاحة لبناء مستقبل أفضل.
الحكومة السورية تواجه في الوقت نفسه تحديات عديدة لضمان أمن البلاد واستقرارها وازدهارها، ويحظى هذا الجهد بدعم دولي كبير، وعلى رأسه الولايات المتحدة والدول الأوروبية”.
أهمية زيارة هاكان فيدان إلى سوريا
وبحسب مصادر في وزارة الخارجية التركية، فقد تركزت زيارة هاكان فيدان إلى سوريا على المحاور التالية:
- تقييم التقدم الذي أُحرز في العلاقات التركية-السورية خلال الأشهر الثمانية التي تلت سقوط نظام الأسد، وبحث سبل تعزيز التعاون الثنائي في ضوء هذا التقييم.
- تنسيق الجهود المتعلقة بإعادة إعمار سوريا وإنعاشها.
- الحفاظ على وحدة وسيادة الأراضي السورية، ومناقشة المخاوف الأمنية الوطنية لتركيا الناجمة عن شمال شرق سوريا، إضافة إلى تعزيز التعاون بين أنقرة ودمشق في مكافحة الإرهاب، وعلى رأسه “داعش” و”حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب”.
- بحث الأنشطة والتصريحات الصهيونية التي تُعد تهديدًا لاستقرار وأمن سوريا والمنطقة بأسرها.
أنقرة قلقة من الصدام بين قوات سوريا الديمقراطية والجيش السوري
وأشارت “بي بي سي” إلى أن أبرز محور في جدول أعمال زيارة هاكان فيدان إلى سوريا كان الملف الأمني.
ترى تركيا أن “وحدات حماية الشعب” (YPG)، التي تشكّل العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، هي الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني (PKK) وتُصنَّف كـ”منظمة إرهابية”.
وتنتظر أن يُطبَّق بالكامل اتفاق 10 آذار/مارس 2025، الذي ينص على دمج قسد في الجيش السوري الذي لا يزال في طور إعادة التشكيل. كما تحذر أنقرة من أنها ستتدخل إذا أقدمت قسد على أي خطوة تهدف إلى تقسيم سوريا.
كما تُبدي أنقرة قلقها من الاشتباكات المتقطعة بين قسد والجيش السوري في منبج وريف حلب منذ الأسبوع الماضي، ومن تباطؤ قسد في الالتزام باتفاق 10 آذار. وتحمل أنقرة قسد مسؤولية الاشتباكات الأخيرة، سواء في الجنوب بمنطقة السويداء أو في منبج، وترى أن هذه التطورات تصب ضمن سياسة الكيان الصهيوني الرامية إلى إبقاء سوريا ضعيفة وغير مستقرة.
ويُنظر إلى زيارة هاكان فيدان إلى سوريا التي جرت في فترة يمر فيها “الشرع” (القيادة المؤقتة في دمشق) بظروف صعبة، جراء الاشتباكات والضربات الصهيونية، على أنها رسالة دعم من أنقرة لتلك القيادة، وتأكيد لاستمرار الدعم التركي لها.
تبادل الاتهامات بين الجيش السوري وقسد
أفادت مصادر في وزارة الدفاع التركية، خلال إحاطة صحفية في 7 آب/أغسطس 2025، بأن قسد لا تلتزم بما نص عليه اتفاق 10 آذار على أرض الواقع. وأوضحت أن قسد تستمد زخماً من أحداث السويداء، وأن هجماتها الأخيرة على الحكومة السورية في منبج وريف حلب تُلحق الضرر بوحدة سوريا السياسية وسلامة أراضيها.
وفي مطلع آب، تبادل الطرفان الاتهامات؛ إذ ذكرت وزارة الدفاع السورية أن هجمات قسد أسفرت عن سقوط قتلى من المدنيين والعسكريين، بينما قالت قسد إنها ردّت على هجمات استهدفتها.
وينص الاتفاق المكوّن من ثماني مواد، المبرم بين دمشق وقسد، على دمج قوات الأخيرة في الجيش السوري بحلول نهاية عام 2025، دون تفصيل كيفية تنفيذ ذلك عملياً.
القائد العام لقسد، مظلوم عبدي، صرّح مؤخراً بأنهم يدعمون مبدأ “جيش واحد وعلم واحد” في سوريا، لكنهم يطالبون بنظام يمنح بعض الصلاحيات للإدارات المحلية. وأكد أنهم سينفذون الاتفاق مع دمشق، لكنهم بحاجة إلى الوقت لذلك، مضيفاً أن قسد لا تمثل تهديداً لتركيا وأنهم مستعدون للحوار معها.
جاءت تصريحات عبدي عقب كلام السفير الأمريكي في أنقرة والمبعوث الخاص إلى سوريا، توم باراك، الذي أكد أن الولايات المتحدة “لا تدين للأكراد السوريين بدولة”، وأنها تدعم سوريا موحدة جغرافياً، وهو موقف رحّبت به أنقرة.
مسار نزع سلاح حزب العمال الكردستاني (PKK)
وتكمن أهمية توقيت زيارة هاكان فيدان إلى سوريا أيضاً في تزامنها مع استمرار عملية تفكيك حزب العمال الكردستاني ونزع سلاحه. إذ عقدت اللجنة البرلمانية الخاصة أول اجتماعاتها في 5 آب.
كما وسّعت أنقرة المرحلة الأولى من مشروعها المسمى “تركيا بلا إرهاب” ليشمل مفهوم “منطقة بلا إرهاب”، معلنة عزمها على تطهير كل من سوريا والعراق من “المجموعات الإرهابية”.
وبما أن أنقرة تعتبر أن حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب جزء من تنظيم واحد، فهي تصر على أن تتخلى وحدات حماية الشعب الكردية عن سلاحها وتندمج في الجيش السوري، وفق اتفاق 10 آذار. وترى أن أي توتر محتمل مع قسد قد يؤثر سلباً على مسارها مع حزب العمال الكردستاني، ما يجعل إتمام عملية الدمج بسرعة وبلا عقبات أولوية بالنسبة لها.
إعداد وتحرير: عبد الجواد أمين حميد