قال الكاتب اللبناني والباحث د. علي باكير أنه قبل الحديث عن مستقبل غزة ما بعد الحرب وسيناريوهات ما بعد الحرب، يجدر الإشارة إلى أن السلام المستدام في المنطقة يعتمد على محاسبة الكيان الصهيوني على الجرائم التي ارتكبتها ضد الإنسانية، ومنع الإفلات من العقوبة الذي تقدمه الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، وتقديم تل أبيب إلى الاعتبار الدولي.
ووفقاً لما ترجمه فريق كوزال نت، فقد كتب الباحث الدكتور في معهد الدوحة للدراسات العليا القطري علي باكير تحليلاً عن من يمكنه تولي إدارة غزة في خضم مستقبل غزة بعد الحرب.وقد نُشر تحليل ورأي الكاتب السياسي د. علي بكير باللغة التركية والإنجليزية على وكالة الأناضول التركية الرسمية بعنوان “مستقبل غزة: سيناريوهات ما بعد الحرب”.
مستقبل غزة ما بعد الحرب، سيناريوهات مختلفة
النزاع الذي وقع في غزة في عام 2023 أثار تكهنات حول من سيكون له السيطرة على مستقبل غزة بعد الحرب، وذلك بعد تهدئة الغبار الناتجة عن الهجوم الإسرائيلي.
هذه الأسئلة لا تكون مهمة فقط لمستقبل غزة والفلسطينيين بشكل عام، ولكن أيضًا لها نتائج واسعة النطاق للشؤون الدبلوماسية في الشرق الأوسط وعلى الساحة الدولية.
ففي قلب الكارثة المنبثقة، يتمثل مصير حركة حماس، التي تتولى السلطة الفعلية في غزة بعد انتخابات عام 2006، إذ يقول مسؤولون إسرائيليون إن هدفهم من إرسال القوات إلى غزة في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023 هو “تدمير” حركة حماس، ومع ذلك، يصعب تحقيق “تدمير حماس” لأنه لم يتم تحديد كيفية تحقيق هذا الهدف.
ومع ذلك، بغض النظر عن هذا الهدف المعلن، أعلنت تل أبيب بصوت عالٍ أنها تفكر في طرد الفلسطينيين اللاجئين القادمين من مناطق مختلفة في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى صحراء سيناء في مصر، وبعد هذه العملية العسكرية، تظهر مجموعة من السيناريوهات، كل منها يحمل تعقيدات وتحديات فريدة.
السيناريو الأول حول مستقبل غزة ما بعد الحرب :عودة حكم السلطة الفلسطينية
عند النظر إلى نفوذ إسرائيل على السلطة الفلسطينية وتدهور سمعة حكومة محمود عباس بين الفلسطينيين، فإن هذا الخيار غير ممكن. لقد قامت حكومة الاحتلال الإسرائيلي بتعطيل وإضعاف السلطة الفلسطينية بشكل مستمر ومستمر لتشويه صورتها في عيون الفلسطينيين وللزعم بعدم وجود شريك كافٍ في الجانب الفلسطيني، سواءً لتحريف حلٍ يقوم على حل الدولتين أو للإدعاء بعدم وجود شريك كافٍ في الجانب الفلسطيني.
حكومة الرئيس الأمريكي جو بايدن في الولايات المتحدة عبرت عن رغبتها في رؤية عودة “إحياء” حكومة فلسطينية في غزة. ومع ذلك، يُشكك في قابلية تنفيذ مثل هذا الاقتراح بالإضافة إلى إمكانية قبوله. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر النموذج “إحياء” غامضًا وقد يؤدي في نهاية المطاف إلى وضع الاحتلال الإسرائيلي في موقع قوي لتعيين دمية تحت سيطرتها لتكون رأس حكومة فلسطين.
وفي هذا السياق، جرى تداول بعض الخطط في السنوات الأخيرة لتعيين محمد دحلان بدلاً من محمود عباس، وبعد هجوم الاحتلال الإسرائيلي على غزة، نشرت مجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية تحليلًا يهدف إلى تقديم دحلان كخيار محتمل لما بعد الحرب في غزة.
ومع ذلك، رفض دحلان تحمل هذا الدور، بالفعل، يعتبر معظم الفلسطينيين دحلان عنصرًا فاسدًا يتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي.
مستقبل غزة ما بعد الحرب: السيناريو الثاني، “تتزايد قدرة حركة حماس على الصمود وشعبيتها”
حماس هي منظمة فلسطينية وحركة إسلامية تأسست في عام 1987 عقب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى ردًا على الاحتلال الإسرائيلي، وتتمتع حماس بتأثير كبير في المجتمع والسياسة الفلسطينية، ومن الغير واقعي تمامًا توقع إزالة حماس بشكل كامل.
وبالإضافة إلى ذلك، يُشار إلى أن شعبية حماس قد ارتفعت بعد الهجمات المستمرة للاحتلال الصهيوني على الفلسطينيين في غزة. وهذا يظهر أن حماس لا تزال تحتفظ بتأثير ودعم كبير داخل المجتمع الفلسطيني كقوة تقاوم الاحتلال الإسرائيلي.
وفي هذا السيناريو، يبدو أن انضمام حماس إلى السلطة الفلسطينية المحيطة قد يكون أكثر إمكانية في حال تولي الزعيم الوطني الفلسطيني والقيادة في حركة فتح، مروان البرغوثي، الذي اُسر منذ عام 2002 من قبل الاحتلال الإسرائيلي، دور القيادة في منظمة التحرير الفلسطينية (منظمة التحرير الفلسطينية) والسلطة الفلسطينية. وفي هذه الحالة، سيتعين فورًا الاعتراف بفلسطين كدولة حرة ومستقلة من قبل الولايات المتحدة وأوروبا، وتنفيذ ذلك بفعالية.
مستقبل غزة ما بعد الحرب، السيناريو الثالث: المشاركة الأجنبية
أثناء الحرب التي يخوضها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، طرح العديد من اللاعبين فكرة وجود عسكري دولي أو عربي في غزة بعد انتهاء الحرب.
وقد رفضت الحكومات العربية هذا الاقتراح مشددة على أن العرب لن يدخلوا إلى غزة وراء دبابة إسرائيلية، ولكن قد يكون هناك أفكار أخرى مثل دور حكومات اتفاقيات أبراهام في اجتماعات تمت خلف الأبواب المغلقة.
وقبل عدة أيام، أعلن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في لجنة الكنيست أن السعودية والإمارات العربية المتحدة ستمولان إعادة إعمار غزة بعد الحرب، بينما أعلنت الإمارات أن الدعم المالي والسياسي لإعادة إعمار غزة سيكون مرهونًا بتقدم مبادرة أمريكية داعمة لحل الدولتين.
من جانب آخر، قدمت تركيا نموذجًا للضمان حيث تكون الدول في المنطقة وخارجها ضامنة للفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: “نحن مستعدون لنكون إحدى الضامنين للجانب الفلسطيني بوجودنا الإنساني والسياسي والعسكري”، مضيفًا: “ندعو الدول ذات الإرادة القوية للنظر في اقتراحنا.”
لكن الكاتب بكير أشار إلى أن التحدي الرئيسي فيما يتعلق بجميع هذه الطرق للتدخل يكمن في عدم استعداد أي دولة، بدءًا من الولايات المتحدة وصولاً إلى الدول الأوروبية، لردع الاحتلال الإسرائيلي بشكل فعّال، أي أنها غير عازمة على معاقبتها أو مطالبتها بالمساءلة أو تنفيذ عواقب عند انتهاكها لأي اتفاق أو قرارات من مجلس الأمن الدولي (الأمم المتحدة).
مستقبل غزة ما بعد الحرب، السيناريو الرابع: الاحتلال العسكري الإسرائيلي المباشر لقطاع غزة!
إسرائيل ادعت في عام 2005 أنها أنهت الاحتلال في غزة، ومع ذلك، كانت هذه التصريحات المضللة تتعارض مع الوقائع على الأرض حيث كان لدى الاحتلال الإسرائيلي “سيطرة فعّالة” على غزة.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2023، أعلن الاحتلال الإسرائيلي عن نيته السيطرة على الأمن العام في غزة بعد الاحتلال البري، إذ يمكن أن يظهر هذا السيناريو بأشكال مختلفة، بما في ذلك تقليص غزة وسكانها.
وفي هذا السياق، قدمت إسرائيل فكرة إنشاء منطقة عازلة من الشمال إلى الجنوب بين غزة وحدودها بهدف منع “هجمات مفاجئة” في المستقبل، وسيكون هذا الاقتراح جزءًا من عملية ثلاثية المراحل تتضمن القضاء على حماس، وتطهير غزة من المقاتلين، وتطهير المنطقة من التطرف.
ولقد جرب الكيان الصهيوني هذه الخطط في وقت سابق في فلسطين ولبنان وفشلت، لأن المقاومة ستظل موجودة طالما استمر الاحتلال. وقد أكد الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي هذا في تصريح له.
وبحسب البرغوثي، يهدف نتنياهو إلى تطهير غزة عرقيًا والتحكم فيها بوجود جيش دون وجود شعب غزة.
مستقبل غزة ما بعد الحرب: خاتمة
أيًا كانت السيناريوهات التي قد تحدث بعد الحرب في غزة، يجب علينا أن نقبل السياق الأوسع للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، والذي يتضمن الاحتلال، وتوسيع المستوطنات، وإنكار حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.
وبالإضافة إلى ذلك، يعتمد تحقيق سلام دائم في المنطقة على محاسبة إسرائيل على الجرائم التي ارتكبتها ضد الإنسانية، ومنع الإفلات من العقوبة الذي يوفره بعض البلدان الأوروبية والولايات المتحدة، وهذا يشمل أيضًا تقديم تل أبيب للمسائلة الدولية.
علاوة على ذلك، إذا لم يؤدي النزاع الحالي الذي تشنه إسرائيل ضد الفلسطينيين إلى إقامة دولة فلسطينية حرة ومستقلة وذات سيادة، فيجب علينا أن نعتبر أن هناك سيناريوهات أسوأ للمستقبل.
ترجمة وتحرير: عبد الجواد حميد.