زادت التوقعات بإعادة إحياء عملية التطبيع بين تركيا والنظام السوري التي توقفت في منتصف عام 2023، وذلك بعد التصريحات المتبادلة على أعلى مستوى من تركيا والنظام السوري.
ووفقاً لما نقله وترجمه فريق تحرير منصة كوزال نت عن “بي بي سي بالتركية“، فإن اللقاء المزمع عقده بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يلعب دور “الميسر” في العملية، والرئيس رجب طيب أردوغان هذا الأسبوع يُعتبر مهمًا من هذه الناحية أيضًا. وسيتحدد مستقبل العملية بناءً على مدى تخفيف النظام السوري لشرطها المسبق “انسحاب القوات التركية من أراضي سوريا”.
هل نحن على وشك بدء مرحلة جديدة في عملية التطبيع بين تركيا والنظام السوري؟
أظهرت تصريحات الرئيس أردوغان والرئيس السوري بشار الأسد الأسبوع الماضي إمكانية بدء مرحلة جديدة في عملية التطبيع بين أنقرة ودمشق التي بدأت في نهاية عام 2022 ولكن توقفت العام الماضي.
ذكرت وكالة الأنباء السورية التابعة لنظام الأسد (سانا) في تقرير حول لقاء الأسد مع المبعوث الخاص الروسي إلى الشرق الأوسط ألكسندر لافرنتييف في 26 يونيو/حزيران 2024، أن الطرفين ناقشا أيضًا عملية التطبيع بين تركيا والنظام السوري. وأبرز التقرير قول الأسد إنه “مفتوح لأي مبادرة تتعلق بالعلاقة بين سوريا وتركيا”.
وبحسب التقرير نفسه، أكد الأسد أن المفاوضات مع تركيا يجب أن تُبنى على مبادئ استعادة سيادة الدولة السورية على جميع أراضيها والتركيز على “مكافحة الإرهاب”. كما أشار الأسد إلى أن “نجاح وكفاءة أي مبادرة مرتبطان باحترام سيادة واستقرار الدول”.
ولاحظت التصريحات الصادرة عن الزعيم السوري عدم الإشارة إلى شرط “انسحاب القوات التركية”، بل تم التركيز على “احترام السيادة”، وهو ما كان لافتًا.
جاء الرد على تصريحات الأسد بعد يومين، من الرئيس أردوغان خلال إجابته على أسئلة الصحفيين.
أردوغان أكد أنه لا يوجد أي سبب لعدم إقامة علاقات دبلوماسية مع النظام السوري، وقال: “أي أننا، كما كنا في الماضي، سنتحرك معًا لتطوير هذه العلاقات مع سوريا. وليس لدينا أي نية أو هدف للتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا”.
تصريح أردوغان القصير والذي تضمن تكراره مرتين “أنه لا يوجد لديهم أي هدف للتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا”، فُسِّر على أنه رسالة موجهة إلى حكومة دمشق.
روسيا تركز على التوقيت
موسكو، التي كانت تدخل على خط العلاقات والتطبيع بين تركيا والنظام السوري لتحسينها لعدة سنوات، ركزت على التوقيت والظروف المتغيرة.
خلال اجتماع لافرنتييف مع الأسد، جرى الإشارة في التقارير الصحفية إلى أن الشروط لنجاح الوساطة أصبحت ملائمة أكثر من أي وقت مضى، وأن روسيا مستعدة للعمل.
وكانت روسيا قد نظمت أول محادثات مباشرة بين تركيا والنظام السوري في الأيام الأخيرة من عام 2022.
وبعد لقاء وزيري الدفاع التركي والسوري في موسكو، أُشركت إيران في العملية، وعُقد الاجتماع الثاني رفيع المستوى في مايو/آيار 2023 بمشاركة وزراء خارجية الدول الأربع. ومع ذلك، توقفت العملية بعد انتهاء الانتخابات في تركيا وتشكيل أردوغان لحكومته الجديدة.
السبب الأهم لتوقف العملية كان شرط النظام السوري بانسحاب القوات التركية من سوريا قبل الانتقال إلى المفاوضات السياسية.
هل سيبقى شرط النظام السوري “انسحاب الجيش التركي أولاً” على الطاولة؟
تركيا كانت قد أشارت إلى استمرار المشكلات الأمنية، وبالتالي عدم قدرتها على سحب قواتها في هذه المرحلة، وأكدت أنها ترغب في التقدم في هذه العملية بالتعاون مع دمشق في مجال “مكافحة الإرهاب”.
تحقيق السلام والاستقرار الكاملين في سوريا هو أحد العناصر التي يذكرها المسؤولون الحكوميون الأتراك بشكل متكرر كشرط لإنهاء الوجود العسكري التركي.
وفي التقييمات التي أجريت في أنقرة، يُلاحظ أن التقدم في العملية الجديدة، حتى لو بدأت، سيكون مرتبطًا بمدى مرونة سوريا في شرط سحب الجيش التركي.
ومن المعروف أن تركيا ترغب في حل المشكلات الأمنية وضمان عودة حوالي 4 ملايين لاجئ سوري إلى بلادهم من خلال عملية التطبيع مع سوريا.
كما تتوقع تركيا من حكومة النظام السوري اتخاذ خطوات وفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، بما في ذلك كتابة دستور جديد وإجراء انتخابات بالتعاون مع المعارضة في البلاد.
خطر توسع الحرب، ومبادرة وحدات حماية الشعب الكردية لعقد الانتخابات
وتشير التقييمات التي أجريت في أنقرة إلى أن التغيرات التي أشار إليها المسؤول الروسي قد أثرت على تخفيف موقف حكومة الأسد.
وفي هذا السياق، تبرز أربعة تطورات مهمة:
- يُعتبر تزايد خطر انتشار حرب الكيان الصهيوني مع حماس في غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى المنطقة، وخاصة إلى لبنان، أحد العوامل الرئيسية التي تدفع النظام السوري لبدء عملية جديدة مع تركيا.
كما يُلاحظ أن اعتداءات وهجمات الكيان الصهيوني ليست مقتصرة على لبنان فقط، بل يشمل الوجود العسكري الإيراني والقادة الكبار في الأراضي السورية، مما يجعل حكومة النظام السوري تشعر بحاجة أكبر للتقارب مع تركيا من الناحية الأمنية.
- التطور الثاني يتعلق بوحدات حماية الشعب الكردية (YPG) التي تتلقى دعماً عسكرياً وسياسياً من الولايات المتحدة، حيث قامت بتنظيم انتخابات محلية في شمال سوريا وسعت لكتابة دستور لتعزيز إدارتها الذاتية. وبعد معارضة حازمة من تركيا، جرى تأجيل الانتخابات إلى أغسطس/آب 2024، وقد ترغب حكومة النظام السوري في زيادة التعاون مع تركيا بشأن هذه المسألة.
- العنصر الثالث يتعلق بإيران. تركيا ترى أن النظام السوري يقع تحت ضغوط روسيا وإيران في عمليات اتخاذ القرار، وخاصة أن النهج السلبي لإيران كان عاملاً مهماً في تقدم عملية التطبيع بين تركيا والنظام السوري.
ويُعتقد أن الاهتمام الإيراني بسوريا قد يتراجع لفترة من الوقت نتيجة انتخابات تجرى بعد وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي في حادث تحطم مروحية، مما قد يمنح دمشق حرية أكبر في اتخاذ القرارات.
- العنصر الآخر هو الانتخابات المقبلة في الولايات المتحدة وإمكانية حدوث تغيير في السلطة، مما قد يؤدي إلى انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، إذ تتوقع حكومة النظام السوري أن تفضل إدارة هذه العملية بالتعاون مع تركيا خلال هذه الفترة.
كيف ستسير عملية إحياء التطبيع بين تركيا والنظام السوري؟
من المتوقع أن يتم تناول شكل عملية أنقرة-دمشق المستقبلي في الاجتماع الثنائي بين أردوغان وبوتين المزمع عقده في قمة منظمة شنغهاي للتعاون التي ستعقد في أستانا في 3-4 يوليو/تموز 2024.
ووفقًا للتفاهمات التي ستنتج عن هذا الاجتماع بين الزعيمين، سيتم التخطيط لمسار العملية.
وقد بدأت محادثات أنقرة-دمشق في الأساس بمحادثات بين أجهزة الاستخبارات في البلدين. وبعد أن وصلت هذه المحادثات إلى درجة معينة من النضج، انتقلت إلى الحكومات وتسلمها وزراء الدفاع والخارجية.
وإذا قرر الطرفان استئناف محادثات التطبيع، فمن المتوقع أن يظهر في الأيام القادمة ما إذا كانوا سيبدأون من الصفر أو سيواصلون من النقطة التي توقفوا عندها في العام الماضي.
إعداد وتحرير: عبد الجواد أمين حميد
التعليقات مغلقة.