الجدل حول ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا يعود إلى الواجهة مجددًا

أصبح ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا قضية محورية تمسّ مستقبل العلاقات بين البلدين، في ظلّ ارتباطها الوثيق بمسائل السيادة، والأمن، والتغيرات الإقليمية المتسارعة.

ووفقاً لما نقله وترجمه فريق تحرير منصة كوزال نت عن وكالة الأناضول التركية الرسمية، في سياق التطورات السياسية والأمنية التي يشهدها الشرق الأوسط، عاد ملف ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا إلى الواجهة، وسط تصاعد الجدل حول ضرورة إعادة تنظيم العلاقات الحدودية بين البلدين.

ويزداد الاحتياج اليوم أكثر من أي وقت مضى لاتخاذ خطوات ملموسة تُنهي حالة الغموض في العديد من النقاط الحدودية بين البلدين، نتيجة عدم إحراز تقدم في ترسيخ الأمن على الحدود، وعدم تطبيق الأطر القانونية بالشكل المطلوب.

ويكتسب ملف ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا أهمية متزايدة، كونه سيسهم في رسم معالم السيادة والعلاقات السياسية والاقتصادية المستقبلية بين لبنان وسوريا، لا سيما في فترة تتسم بتسارع التغيرات في المشهد الإقليمي.

ويبلغ طول الحدود بين لبنان وسوريا نحو 375 كيلومتراً، وتتخللها معابر غير رسمية تُستخدم في الغالب لتهريب الأشخاص والبضائع والأسلحة. 

وفي مارس/آذار 2025، شهدت الحدود بين البلدين توتراً أمنياً أسفر عن سقوط قتلى من الجانبين.

وبحسب ما صرّح به مسؤول لبناني لوكالة الأناضول في 2 يوليو/تموز 2025، فإن المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توم باراك، زار لبنان في 19 يونيو/حزيران 2025، وطرح على المسؤولين اللبنانيين مجموعة من المقترحات تتضمن تحسين العلاقات مع سوريا على المستويين الأمني والسياسي، ضبط الحدود وترسيمها بوضوح، وتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية.

وأوضح المسؤول اللبناني، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، أن المقترحات التي قدمها باراك تمحورت حول ثلاثة محاور رئيسية، أولها يتمثل في “حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية فقط”.

أما المحور الثاني، بحسب المصدر ذاته، فيتعلق بـ”تنفيذ إصلاحات مالية واقتصادية، وضبط الحدود، والحد من التهريب، وزيادة عائدات الجمارك، وتشديد الرقابة على المعابر والمنشآت العامة”.

فيما يركز المحور الثالث على “إعادة بناء العلاقات مع سوريا على مستويات مختلفة، أمنية وسياسية، وضبط الحدود، والوصول إلى اتفاق نهائي بشأن  ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، إلى جانب تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية”.

وأكد المسؤول ذاته: “حتى الآن لا معلومات واضحة حول موقف حزب الله من مسألة تسليم السلاح إلى الدولة، ونترقب صدور موقف رسمي بهذا الخصوص خلال الأيام المقبلة”، لافتاً إلى أن “باراك سيزور لبنان مجددًا الأسبوع المقبل”.

يُشار إلى أن حزب الله كان قد أعلن في وقت سابق أنه لن يبحث في مسألة تسليم سلاحه ما لم يتم تقديم ضمانات واضحة تتعلق بسيادة الدولة اللبنانية.

جذور الخلاف حول ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا تعود إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى

يعود أصل النزاع حول ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا إلى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى، حين خضعت المنطقة للانتداب الفرنسي، وتمّ ترسيم الحدود بين “دولة لبنان الكبير” (1920) وسوريا.

وبعد استقلال لبنان عام 1943، تم اعتماد هذه الحدود رسميًا، إلا أن بعض المناطق بقيت غير محددة بدقة أو محل خلاف.

من أبرز المناطق المتنازع عليها “مزارع شبعا”، إذ لا يزال الكيان الصهيوني يحتلّها رغم انسحابها من جنوب لبنان عام 2000، وتدّعي أنها أراضٍ سورية، بينما تؤكد بيروت أنها لبنانية بالكامل.

كما أن غموض خطوط ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، تسبب في نشوء خلافات في مناطق كـ “قمّوعة” و”عديسة” و”الهرمل” الواقعة شرق لبنان، حيث ما زالت بعض الأراضي محل نزاع.

أما الحدود البحرية فلم يتم ترسيمها بعد، ما أدى إلى نشوء نزاعات حول حقوق التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي. ويؤكد الخبراء أن ترسيم الحدود البحرية يجب أن يستند إلى “خط المنتصف” بين السواحل اللبنانية والسورية وفقًا للقانون الدولي.

وفي عام 2008، أعلنت سوريا ولبنان نيتهما تشكيل لجنة مشتركة لترسيم الحدود، لكن التوترات السياسية والأمنية حالت دون تحقيق أي تقدم يُذكر. ومع اندلاع الأزمة السورية عام 2011، وتحوّل الثورة ضد نظام بشار الأسد إلى نزاع مسلح، توقفت الجهود الرسمية في هذا السياق.

وبعد سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 وتسلّم الإدارة السورية الجديدة مقاليد الحكم، عاد ملف ترسيم الحدود مع لبنان إلى الواجهة مجددًا. 

وفي 29 يناير/كانون الثاني 2025، أعلنت الإدارة السورية المؤقتة أحمد الشَرَع رئيسًا للبلاد خلال المرحلة الانتقالية الممتدة لخمس سنوات.

وفي تطوّر لافت، أعلنت وكالة الأنباء السعودية (SPA) في 28 مارس 2025 أن وزيري الدفاع اللبناني والسوري وقّعا في مدينة جدة اتفاقًا لتعزيز التنسيق الأمني وترتيب خطوات أولية لترسيم الحدود. جاء هذا الاتفاق بعد مواجهات عنيفة مطلع الشهر نفسه بين الجيش السوري ومجموعات تابعة لحزب الله على الحدود المشتركة.

الاتفاق لم يتضمّن ترسيمًا مباشرًا للحدود، لكنه مثّل خطوة تمهيدية، إذ اتفق الطرفان على تشكيل لجان قانونية وفنية مشتركة وتفعيل آليات للتنسيق في مواجهة التهديدات الأمنية.

وفي هذا السياق، أكد رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام في 2 يوليو/تموز 2025 أن حكومته تسعى إلى بسط السيادة الكاملة على جميع أراضي الدولة اللبنانية، وضمان احتكار الدولة وحدها للسلاح، مشيرًا إلى أن هذه الجهود مستمرة ومتكاملة.

وأضاف سلام أن حكومته أطلقت تعاونًا مباشرًا مع الجانب السوري لضبط الحدود، ومنع التهريب، وتأمين عودة اللاجئين السوريين من لبنان بطريقة آمنة وكريمة.

وفي 14 أبريل/نيسان، التقى سلام بالرئيس السوري أحمد الشرع في العاصمة دمشق، وناقش معه مجموعة من الملفات، على رأسها ترسيم الحدود البرية والبحرية. 

وأوضح سلام أنه تم التوصل إلى اتفاق على تشكيل لجنة وزارية لمتابعة القضايا ذات الاهتمام المشترك.

وبعد الحرب الأخيرة بين حزب الله والكيان الصهيوني، جرى انتخاب جوزيف عون رئيسًا للبنان، وشكّل حكومة جديدة برئاسة نواف سلام، تعهدت بتطبيق القرارات الدولية، لا سيما قرار مجلس الأمن رقم 1680 الصادر عام 2006 قبيل حرب الـ34 يومًا، والذي دعا سوريا إلى التجاوب مع مطالب لبنان بشأن ترسيم الحدود، وإقامة علاقات دبلوماسية، ومنع التهريب.

ورغم ذلك، لم يكتمل بعد ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، لا سيما في المناطق المتداخلة جغرافيًا وديموغرافيًا، حيث يعيش لبنانيون في أراضٍ سورية، وسوريون في أراضٍ لبنانية، ما يزيد من تعقيدات الترسيم.

“على الحكومة اللبنانية إعطاء الأولوية للعلاقات مع الإدارة السورية الجديدة”

وفي هذا الإطار، شددت لوري هايتايان، الخبيرة في شؤون النفط والغاز في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، على ضرورة أن تكون العلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية مع سوريا أولوية بالنسبة للحكومة اللبنانية والرئيس جوزيف عون.

وقالت هايتايان، المديرة الإقليمية لمعهد إدارة الموارد الطبيعية (NRGI)، إن المنطقة تشهد تحوّلات متسارعة، ولبنان جزء من هذه المتغيّرات، مشيرة إلى أن العديد من الدول تسعى للتواصل مع الإدارة السورية الجديدة، وإن كان ذلك مشروطًا أو بتحفّظات.

ودعت هايتايان الحكومة اللبنانية إلى أن تكون من بين الحكومات التي تتواصل مع الإدارة السورية الجديدة، خصوصًا بعد الاشتباكات الحدودية الأخيرة بين العشائر اللبنانية والجيش السوري، مؤكدة أهمية فتح قنوات النقاش حول القضايا الثنائية العالقة.

وأضافت: “ينبغي للدولة اللبنانية أن تتعامل بجدية مع السلطات السورية القائمة حاليًا”.

“يجب تحديث اتفاقيات الحدود بين البلدين”

كما أكدت هايتايان على ضرورة مراجعة وتحديث الاتفاقيات المبرمة خلال فترة حكم الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، لا سيما تلك المتعلقة بترسيم الحدود البرية والبحرية.

وشددت على ضرورة إعادة بناء الثقة الدبلوماسية مع الجانب السوري من أجل إحراز تقدم فعلي في هذه الملفات، قائلة: “اليوم، سوريا تولي اهتمامًا متزايدًا لأنشطة التنقيب عن النفط والغاز في شرق المتوسط، وهذا يُحتّم على لبنان اتخاذ خطوات حازمة لترسيم حدوده البحرية كجزء من اتفاقيات أشمل”.

إعداد وتحرير: عبد الجواد أمين حميد

 

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.