الصراع الذي بدأه الكيان الصهيوني عبر مقاتلاته الحربية والطائرات المسيّرة وصواريخ كروز، وردّت عليه إيران بصواريخ باليستية وطائرات انتحارية من دون طيار، أعاد إلى الأذهان تساؤلاً جوهرياً: ما مدى فاعلية أنظمة الدفاع الجوي التركية؟
من جديد، يتردد صدى الصواريخ والقذائف في أرجاء الشرق الأوسط.
ووفقاً لمتابعة فريق تحرير منصة كوزال نت، فإن الهجمات التي تستخدم فيها صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة لا تزال تتواصل في أجواء مدن يقطنها ملايين السكان في إيران والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، ما يسلّط الضوء مجدداً على حقيقة أن خط الدفاع الأول لأي دولة يبدأ من السماء.
فما مدى فاعلية أنظمة الدفاع الجوي التركية؟
الباحث في جامعة “حسان قليونجو” الدكتور مراد أصلان أفاد لموقع “NTV” قائلاً: “نحن نعيش في جغرافيا حساسة للغاية، فعندما تختلف دولتان في المنطقة وتبدآن بتبادل الهجمات، فإن الصواريخ والطائرات التي تطلقها إحداهما تمر حتماً فوق المجال الجوي التركي أو بمحاذاته”.
وأضاف: “لا نملك رفاهية الجلوس ومراقبة ما يجري”، مشدداً على أن “الاكتفاء بالمشاهدة يعني السماح بوجود غرباء يتجولون باستمرار داخل منزلك”.
سنوات الحرب الباردة
شرقاً إيران، جنوباً سوريا والعراق والكيان الصهيوني، وشمالاً خط أوكرانيا – روسيا.
تركيا، التي تقع في قلب جغرافيا محاطة بالأزمات من ثلاث جهات، بدأت سعيها لإيجاد حلّ فعال للدفاع الجوي منذ سنوات الحرب الباردة.
بصفتها دولة على الجناح الشرقي لحلف الناتو، أدرجت تركيا أولاً منظومة “نايك هيركول” الأمريكية في ترسانتها، لحماية المجال الجوي فوق المضائق بشكل خاص.
لاحقاً، جرى استخدام صواريخ “هوك”، ومحطات الرادار، وأنظمة القيادة التابعة للناتو. وفي مطلع التسعينيات، أضيفت صواريخ “ستنغر” المحمولة على الكتف إلى المنظومة الدفاعية لمواجهة التهديدات على الارتفاعات المنخفضة.
أما أول تهديد صاروخي حقيقي واجهته تركيا فكان خلال حرب الخليج في أوائل التسعينيات، حيث أُطلقت صواريخ “سكود” التابعة لنظام صدام حسين، ما استدعى نشر بطاريات “باتريوت” الأمريكية في تركيا للمرة الأولى.
وفي عام 2012، وبسبب اندلاع الثورة وقمعها الوحشي من قبل نظام الأسد البائد في سوريا، نُشرت بطاريات “باتريوت” مجدداً في تركيا تحت قيادة الناتو.
وقد ساهمت بطاريات الدفاع الجوي التابعة لإسبانيا وإيطاليا وهولندا وألمانيا والولايات المتحدة في حماية المدن التركية القريبة من الحدود السورية من التهديدات الجوية.
وفي عام 2013، أعلنت تركيا اختيارها منظومة الدفاع الجوي الصينية “FD-2000” بعد طرح مناقصة لتطوير نظام دفاعي خاص بها. غير أن الشركة الصينية الفائزة كانت مدرجة على قائمة العقوبات الأمريكية، كما واجهت الصفقة اعتراضات من حلف الناتو.
وفي عام 2015، أُلغيت المناقصة التي فازت بها الصين.
النظام الرئيسي في أنظمة الدفاع الجوي التركية: منظومة “S 400” الروسية!
بسبب دوافع سياسية أو قيود تتعلق بتقاسم التكنولوجيا، لم تتمكن تركيا من شراء منظومة دفاع جوي من حلفائها، فلجأت إلى روسيا لتلبية احتياجها العاجل في هذا المجال.
وفي عام 2017، وقّعت تركيا اتفاقية مع روسيا لشراء منظومة الدفاع الجوي “إس-400″، التي وصلت إلى أنقرة عام 2019. ونتيجة لهذا الخيار، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على تركيا، كما تم استبعادها من مشروع مقاتلات “F-35” الذي كانت شريكاً فيه.
وتُعد منظومة “إس-400” أطول منظومة مدى ضمن شبكة الدفاع الجوي التابعة للقوات المسلحة التركية.
ورغم عدم صدور أي إعلان رسمي، فإنه من المعروف أن بطاريات “إس-400” متمركزة في أنقرة. وتبعاً لنوع الصاروخ المستخدم، فإن مداها يتراوح بين 40 و400 كيلومتر، وتتمتع بقدرة على رصد أهداف على مسافة تصل إلى 600 كيلومتر. كما تستطيع تتبع 80 هدفاً في آنٍ واحد، وإطلاق صواريخ على 36 هدفاً جوياً في الوقت نفسه.
يوفّر نظام الدفاع الجوي “إس-400” حماية كاملة ضد الطائرات الحربية، والصواريخ المجنحة، والصواريخ الباليستية، والطائرات المسيّرة، حتى ارتفاع 30 كيلومتراً.
غير أن هذا النظام لا يمكن ربطه بشبكة القيادة والسيطرة المتكاملة التابعة لحلف الناتو، التي تُعد تركيا عضواً فيها، مما يجعله يعمل بشكل مستقل.
وفي هذا السياق، قال الدكتور مراد أصلان: “ينبغي إنشاء نظام قادر على إعطاء إنذار مبكر لجميع منظومات الدفاع الجوي عندما يكون التهديد بعيداً جداً. ومع اقتراب الخطر، يجب أن تبدأ أنظمة الأسلحة المختلفة بالعمل بشكل متكامل ومنسّق تدريجياً من الأطول مدى إلى الأقصر”.
أنظمة الدفاع الجوي التركية
يُعد “سيبر” (SİPER) أول نظام وطني تركي في أنظمة الدفاع الجوي التركية بعيد المدى ومرتفع الارتفاع، وهو لا يزال في مرحلة التطوير.
ويجري تطوير منظومة “سيبر” من قبل شركات “أسيلسان” و”روكيتسان” ومؤسسة “توبيتاك – ساج”، وتتمتع بمدى يتجاوز 100 كيلومتر.
يصل ارتفاع الاشتباك للمنظومة إلى 20 كيلومتراً، بينما يستطيع رادار التتبع الخاص بها رصد الأهداف من مسافة تصل إلى 450 كيلومتراً، كما تملك القدرة على إطلاق صواريخ على 20 هدفاً في آنٍ واحد.
ومع حلول عام 2024، اكتملت الاختبارات على المنظومة، ودخلت المرحلة الأولى من “سيبر” إلى مخزون القوات المسلحة التركية.
وتتواصل الاختبارات على نسختي “سيبر-2” و”سيبر-3″، المصممتين لتوفير حماية على مدى أطول وارتفاع أعلى.
ومع النسخ الرابعة والخامسة والسادسة من “سيبر”، ستتطور المنظومة لتؤمّن الحماية ضد الصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى، وكذلك ضد الصواريخ فرط الصوتية، لتنتقل تركيا بذلك إلى مرحلة منظومة الدفاع الجوي والصاروخي المتكاملة.
حصار (HİSAR)
تشكل منظومات “حصار” (HİSAR)، التي تطورها شركتا “أسيلسان” و”روكيتسان”، أحد مكونات أنظمة الدفاع الجوي التركية متعددة الطبقات ذات المدى القصير والمتوسط.
يوفر نظام “حصار-أ” (HİSAR-A) حماية ضد الطائرات دون طيار، وصواريخ الكروز، والمروحيات، على ارتفاع يصل إلى 5 كيلومترات.
ويُستخدم “حصار-أ” بشكل أساسي لحماية العديد من الوحدات العسكرية التكتيكية من التهديدات الجوية، في حين يتولى “حصار-أو” (HİSAR-O) حماية القواعد العسكرية والمنشآت الحيوية من على ارتفاع يصل إلى 15 كيلومتراً.
كوركوت (KORKUT)
يُعد “كوركوت” (KORKUT) من أنظمة الدفاع الجوي التركية المحلية التي تُستخدم منذ سنوات في الدفاع الجوي على الارتفاعات المنخفضة.
وبفضل ذخائره المتشظية، يوفّر “كوركوت” الحماية للوحدات الميكانيكية والقوافل العسكرية من التهديدات الجوية، وخاصة الطائرات دون طيار والمُسيّرات.
ولتشكيل مظلة حماية متكاملة تجمع القدرات المتنوعة لأنظمة الدفاع الجوي المختلفة ضد التهديدات الجوية المتعددة، يجري حالياً تطوير مشروع “القبة الفولاذية” (Çelik KUBBE).
وستقوم “القبة الفولاذية” بربط أنظمة الدفاع الجوي التركية العاملة على الارتفاعات المنخفضة والمتوسطة والعالية، من خلال تأمين التنسيق بينها وتوفير صورة جوية مشتركة في مواجهة التهديدات.
إعداد وتحرير: عبد الجواد أمين حميد
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.