السوريون المقيمون في تركيا: نحن خائفون.. حتى موتانا ليسوا في أمان!

تحدث المواطنون السوريون المقيمون في تركيا عن تجاربهم في ظل الأحداث الأخيرة بعد أعمال الفوضى وتخريب الممتلكات التي أعقبت أحداث قيصري.

ووفقاً لما نقله وترجمه فريق تحرير منصة كوزال نت عن موقع “Duvar” ،وقال السوريون المقيمون في تركيا الذين تعرضوا لهجمات عنصرية، قالوا إنهم  لم يكونوا في مأمن حتى في الموت، وإنهم لا يستطيعون الذهاب لشراء الخبز، ويخافون من احتمال أن يجري إحراق منازلهم في أي لحظة.

السوريون المقيمون في تركيا تعرضوا للاعتداءات في ولايات عديدة!

في أعقاب الادعاءات بأن شاباً سوريًا اعتدى على طفلة في قيصري، نُظمت هجمات عنصرية ضد اللاجئين السوريين، في غازي عنتاب وهاتاي وأضنة وقيصري وشانلي أورفا وبورصة.

وفي ولاية غازي عنتاب، إحدى الولايات التي وقعت فيها الهجمات، في ليلة 1 يوليو/تموز 2024، تعرضت العديد من المحلات التجارية والمنازل التابعة للسوريين العرب والتركمان في أحياء نزيب، باراك، جنديريس وكارشي ياكا للرجم بالحجارة. 

وجرى تحطيم سيارة عامل سوري بالحجارة، وتعرض شاب سوري للطعن. 

بعد هذه الأحداث، بدأ السوريون المقيمون في تركيا ولا سيما في الولايات السالفة الذكر، يتجنبون الأماكن العامة والحدائق، ولم يفتحوا محلاتهم.

أمطروا السيارة الحجارة وهي متوقفة!

وفي حي كارشي ياكا في غازي عنتاب، تعرض منزل عائلة سورية للرشق بالحجارة، كما هاجم المعتدون سيارة العائلة وحطموا زجاجها.

آدم، الذي كان في المنزل أثناء رجم السيارة، وصف ما حدث قائلاً: “نحن نعيش هنا منذ 12 عاماً. في هذا الحي يعيش التركمان والعرب، ومعظم التجار من التركمان، وبعد الأحداث التي بدأت في قيصري، بدأت مجموعات بالتجمع والهجوم على أحياء اللاجئين هنا قبل يومين. في حوالي الساعة 18:00 مساءً، بينما كنت جالساً مع عائلتي في المنزل، سمعت صوتاً. نظرت من النافذة فرأيت شخصين بجانب سيارتنا المتوقفة. جاءوا بسيارة، كسروا النافذة وهربوا على الفور. لم نفهم ما الذي حدث، وبعد وصول صور من الأحياء الأخرى انتظرنا جميعاً في المنازل. في وقت متأخر من الليل، جاءت مجموعة إلى الحي ورجموا محلات جيراننا بالحجارة، وألقوا الحجارة على المنازل. وعند وصول الشرطة، جرى تفريق المجموعات”.

رأيت كل أنواع العنصرية، ماذا يمكن أن أرى أكثر من ذلك؟

يواصل آدم، البالغ من العمر 23 عاماً، حديثه قائلاً: “لم نعد نشعر بأي شيء تجاه ما يحدث. لأننا دائماً ما نكون الهدف الأول كلما حدث شيء في البلاد. سنبقى في المنزل لبضعة أيام أخرى، ولكن في النهاية سنضطر إلى الخروج والعمل. لماذا تهاجم السيارة المتوقفة؟ لماذا تحرق متجر هذا الرجل؟ هناك إجابة واحدة لهذه الأسئلة وهي الكراهية التي يشعرون بها تجاهنا. أنا الآن في الثالثة والعشرين من عمري، ولم أرَ شيئاً في حياتي سوى الحرب والفقر. لقد رأيت الزلازل، رأيت كل أنواع العنصرية، ماذا يمكن أن أرى أكثر من ذلك في هذا العمر؟ أريد فقط أن تستقر حياتي. اليوم أنا هنا وغداً قد لا أكون هنا، قد يهاجمونني في أي لحظة. أمي تودعنا في كل مرة نخرج فيها من المنزل، لأنها تحضر نفسها لاحتمالية عدم عودتنا. نحن فقط نريد أن نعيش.”

“في أي لحظة قد يشعل أحدهم النار في المنزل”

وحل فريق صحيفة “Duvar” ضيفاً على منزل عائلة تركمانية وعربية تعيش في حي كارشي ياكا… العائلة التي تعيش في تركيا منذ 10 سنوات لديها 5 أطفال. 

ويروي أحد أفراد العائلة، فصيح ما حدث قائلاً: “عندما سمعت عن الهجمات التي بدأت في غازي عنتاب، هرعت إلى المنزل. بعد أن بدأت الأحداث في ولايات أخرى بعد ما حدث في قيصري، غادرت العمل وذهبت إلى المنزل. لأنه ليس لدي شيء في هذه الحياة سوى حماية أطفالي الخمسة. عندما وصلت إلى المنزل، أغلقت الأبواب والنوافذ. الجو حار جداً، وليس لدينا مكيف، لذلك أرادت زوجتي فتح النافذة، لكنني لم أسمح لها لأننا لا نعرف ما قد يحدث، في أي لحظة قد يشعل أحدهم النار في المنزل أو يرمي حجراً أو يطلق رصاصة، وهذا ليس مستبعداً. بعد بضع ساعات، بدأنا نسمع أصواتاً من الحي. سمعنا شعارات مثل “ما أسعد من يقول أنا تركي” و”الله أكبر”، وسمعنا أيضاً صوت تكسير الزجاج.”

السوريون المقيمون في تركيا تحت تهديد فقدان مصادر رزقهم..إذا لم أعمل فلن أستطيع جلب كسرة الخبز لأطفالي

فصيح، الذي لم يغادر المنزل منذ الأحداث، يقول: “لم أذهب إلى العمل منذ يومين، أنا أعمل بنظام اليومية. إذا لم أذهب غداً أيضاً، فلن أستطيع جلب قوت أطفالي. يمكن أن نُقتل في أي زاوية في أي لحظة، هذه هي حقيقة واقعنا. لا أخاف من الموت، لقد رأيت عشرات الأشخاص يموتون أمام عيني، لم يعد لدي أي خوف. لكن كما قلت، لدي خمسة أطفال وأريد حمايتهم. خرجت لشراء الخبز ذات مرة وعدت بسرعة خوفاً. هذه ليست حياة، هذه حياة هروب. نحن نعيش في عنتاب منذ سنوات، لا نذهب إلى أي حديقة أو مكان آخر غير هذا الحي وهذا المتجر”.

السوريون المقيمون في تركيا: ‘نخاف لأنه حتى موتانا ليسوا في أمان!

وبعد الأحداث، تلقى فصيح اتصالاً من مالك المنزل يسأله عما إذا كان هناك أي ضرر في المنزل، ثم أبلغه أن الإيجار الذي كان يبلغ 5000 ليرة سيرتفع إلى 10000 ليرة تركية، وإذا لم يقبلوا فعليهم مغادرة المنزل. العديد من اللاجئين الذين يعيشون في الحي تلقوا أيضاً اتصالات من ملاك منازلهم أبلغوهم فيها بزيادة الإيجار.

يقول فصيح، الذي يواجه تهديد الطرد من المنزل: “في كل مرة يحدث فيها شيء، يتصل بنا ملاك منازلنا، إما يطلبون زيادة الإيجار أو يهددوننا بالطرد. بالطبع، نحن نعلم أننا لن نتمكن من العثور على منزل في مثل هذه الأوقات، لذا نضطر إلى قبول الزيادة. أما الذين تضررت متاجرهم بالحجارة، فسيضطرون إلى دفع التكاليف بأنفسهم. ومن كان سيدفع غيرهم؟ نحن نعاني كثيراً لفتح متجر صغير كهذا، نتمنى لو تعرفون. في هذا الحي، لا تزال 2-3 عائلات تعيش معاً. المنازل لا تدفأ ولا تبرد. نحن نعيش بالفعل في بؤس وفقر، فلماذا يأتون ويرمون حتى بقالياتنا بالحجارة؟ قبل 2-3 أيام، فقد شاب سوري هنا حياته في حادث دراجة نارية. تخيلوا، دفنت العائلة الجثمان لكنها لم تستطع حتى إعداد الحلوى، أو إقامة مجلس عزاء، أو تلاوة القرآن. نحن نخاف لأن حتى جنازتنا، وموتانا ليسوا في أمان”.

سوريون ينتظرون في طابور في مركز صحي في شانلي أورفا

 

أغلقت المتجر باكياً في الليل

السوري التركماني حسن، المقيم في الحي وصاحب البقالة، تعرض متجره للهجوم والتخريب ليلة 1 يوليو/تموز 2024 من قبل المعتدين. 

يقول حسن: “أنا تركماني قدمت إلى هنا من سوريا مع عائلتي. قبل يومين، بينما كنت في المتجر، تعرض متجري للهجوم والتخريب. لقد عملت لأشهر في مواقع البناء، وحملت الأثقال، وقمت بكل الأعمال التي يمكنكم تخيلها لأتمكن من فتح هذا المتجر. عندما جاءت الشرطة التركية، فر المعتدون. لولا مجيء الشرطة، ربما لم أكن لأكون هنا الآن. أغلقت المتجر باكياً في الليل وعدت إلى المنزل بسيارة أجرة. اليوم قلت لنفسي سأفتح المتجر، لكن جاء شخص ما وصرخ في وجهي قائلاً: ‘كيف تجرؤون على فتح المتجر؟’ تدخل الجيران وغادر الشخص، ولن أفتح المتجر لبضعة أيام أخرى.”

‘نحن إخوة مع اللاجئين هنا’

حسن، الذي يعيش بسلام مع العرب في الحي لسنوات، يقول: “جاءت الشرطة التركية أمس لتسجيل الضبط وقالوا لي إنه إذا حدث شيء كهذا مرة أخرى، قل إنك تركماني. لا أستطيع تصديق هذا، إذا كنت عربياً فهل هذا يعني أن ما حدث لي صحيح؟ نحن أيضاً هربنا من الحرب وجئنا هنا، تركنا عائلاتنا، منازلنا، حياتنا وجئنا. نحن إخوة مع كل لاجئ هنا. لأننا مررنا بنفس الظروف، ولأن السكان هنا يعتبروننا أيضاً لاجئين، مهاجرين، أعداء. كنا نفرح أنا وزوجتي عندما عبرنا الحدود وعدنا إلى الوطن، لكن الآن عندما ننظر نجد أنهم يروننا كأعداء.”

السوريون المقيمون في تركيا يتسائلون : ما الجريمة التي ارتكبناها؟’

بعد حديثنا مع حسن، استضافت عائشة الحلبية فريق “Duvar” في منزلها، وهي أم لثلاثة أطفال.

 تقول عائشة، التي لديها ابن يبلغ من العمر 17 عاماً: “كان من المقرر أن يذهب ابني إلى العمل اليوم لأنه لا يوجد لدي زوج أو أحد يعيلنا غيره. لكن الجميع كانوا يتحدثون عن شاب يبلغ من العمر 17 عاماً طُعن لأنه سوري. كيف أستطيع الآن إرسال هذا الطفل إلى العمل؟ نحن خائفون، لا نعرف ما هي جريمتنا. هل نحن مذنبون لأننا لم نمُت في الحرب؟ هل نحن مذنبون لأننا لم نمُت عندما قُصفت منازلنا وقُتل زوجي؟ هل نحن مذنبون لأننا جئنا هنا هرباً من الاغتصاب على يد العصابات؟ ما الجريمة التي ارتكبناها لدرجة أنهم يطعنون ويقتلون طفلاً صغيراً؟ فليخبرنا أحدهم.”

إعداد وتحرير: عبد الجواد أمين حميد

التعليقات مغلقة.