ما خلفية قصف الاحتلال الإسرائيلي لسوريا دعماً للدروز؟

استهدف جيش الاحتلال الصهيوني أولاً جنود الجيش السوري المتمركزين في الأحياء الدرزية بمدينة السويداء، ثم وسّع نطاق هجماته لتصل إلى العاصمة دمشق، مدعياً عبر ما أعلنه أن قصف الاحتلال الإسرائيلي لسوريا هو حماية للدروز.
لكن، لماذا يقصف الكيان الصهيوني جارته سوريا بذريعة حماية الدروز؟ وما أهمية الدروز بالنسبة لها؟

وفقاً لما نقله فريق تحرير منصة كوزال نت عن موقع “BBC Türkçe“، يشكّل الدروز نحو 3% من سكان سوريا. 

ووفقًا لآخر تعداد سكاني قبل اندلاع الانتفاضة الشعبية ضد نظام الأسد البائد، فإن عددهم في البلاد يُقدّر بـ700 ألف نسمة، ويتمركز معظمهم في مدينة السويداء جنوب البلاد، ومرتفعات الجولان، وريف دمشق.

وفي المناطق الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي من الجولان ومحيطها، تعيش العديد من العائلات الدرزية التي تحمل الجنسية الإسرائيلية وتؤدي الخدمة العسكرية الإلزامية.

وخلال سنوات الحرب في سوريا، لم يتخذ الدروز موقفًا صريحًا لصالح أي طرف، بل لجؤوا إلى التسلح للدفاع عن مناطقهم، دون إعلان انحيازهم للنظام أو المعارضة.

الباحث “أحمد شراوي”، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط والباحث في مؤسسة “دفاع الديمقراطيات”، شرح أسباب قصف الاحتلال الإسرائيلي لسوريا.

أوضح أن الدروز أنشؤوا مليشياتهم المحلية مع تفاقم الأحداث الداخلية الدامية في سوريا، لكن هدفهم لم يكن القتال ضد النظام أو السعي لتغييره، بل حماية مجتمعهم المحلي فقط.

أما الصحفية والكاتبة “عائشة كرابات”، التي عاشت سنوات طويلة في المنطقة ولها مؤلفات حول الشرق الأوسط، فتقول إن الدروز يتبنون سياسة واحدة وواضحة:

“هدف الدروز الأساسي هو البقاء، وهم على استعداد لفعل أي شيء يضمن استمرار وجودهم. القيادة الدرزية تختلف من دولة إلى أخرى، فحتى لو لم يكن الدروز في سوريا راضين عن النظام، إلا أنهم لم يفكروا بالانضمام إلى المعارضة، ولم يدخلوا في صدام مع النظام ولا مع خصومه.”

وتتابع:

“الدروز يسألون أنفسهم سؤالًا واحدًا فقط: كيف يمكن لهذا المجتمع أن يصمد ويستمر؟”

وخلال الحرب التي أعقبت الثورة السورية، وقعت عدة صدامات بين الدروز وبعض عشائر البدو في المنطقة. أما الجولة الأخيرة من التصعيد، فقد بدأت الأسبوع الماضي بين أحياء تضم سكانًا من الدروز والبدو، وامتدت في 13 يوليو/تموز 2025 إلى معظم أنحاء مدينة السويداء.

وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد تجاوز عدد القتلى منذ 13 يوليو/تموز عتبة الـ500 قتيل.

وفي 15 يوليو/تموز، دخلت القوات التابعة للحكومة السورية إلى الأحياء الدرزية.

وبعد إرسال دمشق تعزيزات عسكرية تشمل قوات وأسلحة ووحدات مدرعة إلى المنطقة، شنت طائرات الاحتلال الصهيوني ضربات على مواقع الجيش السوري في محيط السويداء.

ثم وسّعت ضرباتها لتستهدف مدخل مقر هيئة الأركان العامة في دمشق، ونقطة عسكرية قريبة من القصر الجمهوري.
وفي مساء 16 يوليو/تموز، أُعلن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

 

كيف ولماذا تدخل الكيان الصهيوني في هذه الصراعات؟

لم تكن هذه أول مواجهة بين الدروز والقوات التابعة للإدارة الجديدة في سوريا، كما أنها لم تكن المرة الأولى التي يتدخل فيه الكيان الصهيوني.

في 29 أبريل/نيسان 2025، اندلعت اشتباكات في ريف دمشق بين مجموعات مسلحة سنّية وأخرى درزية، ثم امتدت الاشتباكات إلى أحياء متعددة في ريف دمشق، قبل أن تصل إلى محافظة السويداء.

انتشار وحدات الجيش السوري في السويداء، 15 يوليو 2025

 

وعقب امتداد الاشتباكات إلى السويداء، أرسلت الحكومة السورية قوات من الجيش إلى المنطقة.

وكما حدث هذا الأسبوع، فإن طائرات الاحتلال الصهيوني سارعت في ذلك الوقت إلى تنفيذ غارتين جويتين ضد القوات الحكومية الجديدة في سوريا بمجرد دخولها المنطقة.

بعدها صرّح رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو قائلاً:

“لن نسمح بنشر قوات في جنوب دمشق أو بتهديد مجتمعنا الدرزي.”

فهل السبب الحقيقي وراء قصف الاحتلال الإسرائيلي لسوريا هو انتشار القوات في السويداء؟ أم حماية الدروز؟ أم أن الأمرين مرتبطان ببعضهما البعض؟

ما السبب الحقيقي وراء قصف الاحتلال الإسرائيلي لسوريا؟

الصحفي والأكاديمي الصهيوني “سيث فرانتزمان”، صاحب مؤلفات حول المنطقة، يزعم أن التزام الكيان الصهيوني تجاه الطائفة الدرزية داخل حدوده يلعب دورًا أساسيًا في تدخله لحماية دروز سوريا، ويضيف:

“هناك علاقة فريدة تربط بين اليهود والدروز تعود إلى ما قبل تأسيس دولة الكيان الصهيوني.
بعد سقوط نظام الأسد، تعتقد الحكومة الصهيونية أن الجماعات الراديكالية التي تدعم الحكومة الجديدة في دمشق تشكّل تهديدًا على الدروز في جنوب سوريا. كما أن الدروز داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 طالبوا الدولة بحماية أقاربهم هناك، ولذلك نفذت الطائرات الصهيونية قصفًا على دمشق.”


تجمع زعماء دينيون دروز في مرتفعات الجولان الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي، 16 تموز/يوليو 2025.

 

الدروز طوروا علاقات براغماتية لضمان البقاء

استطاع الدروز الحفاظ على ثقافتهم وعقيدتهم من خلال بنية اجتماعية مغلقة ترفض الزواج بين المذاهب وتحرّم تغيير الدين، وفي الوقت نفسه أبدوا قدرة كبيرة على قراءة التوازنات الجيوسياسية وعقد تحالفات قوية، ما مكّنهم من الاستمرار في العيش ضمن أكثر دول المنطقة تعقيدًا واضطرابًا، مثل لبنان وسوريا وفلسطين المحتلة.

ومن بين هذه التحالفات، العلاقة الخاصة التي نشأت مع الكيان الصهيوني.

“أحمد شراوي” يوضح أن هذه الطائفة، ورغم أنها تتحدث العربية، فإنها وعلى عكس باقي الأقليات الناطقة بالعربية في الكيان الصهيوني، تبنت الدولة العبرية منذ تأسيسها عام 1948 وأقامت معها علاقات متينة، ويضيف:

“الدروز في منطقة الهلال الخصيب، بحكم كونهم أقلية صغيرة جدًا، فإن سياساتهم وغاياتهم تتركز حول البقاء. وعلى مر التاريخ، تبنوا سياسة قبول السلطات القائمة في البلدان التي يعيشون فيها. وعندما تأسس الكيان الصهيوني، أدركوا أنه يمكنهم البقاء إذا أقاموا علاقة جيدة مع المجتمع اليهودي، ولهذا تبنوا الدولة الصهيونية.”

ويشير “شراوي” إلى أن الدروز في لبنان، على سبيل المثال، تبنوا موقفًا معاديًا للكيان الصهيوني، بما يتوافق مع السياق المحلي هناك.

أما “عائشة كرابات”، فترى أن الدروز لا يملكون القوة للاعتراض على وجود الكيان الصهيوني، وتقول:

“بدلًا من الاعتراض، أدوا واجباتهم كمواطنين واكتسبوا مكانة متميزة. فهم المجموعة الأكثر تميزًا بين المواطنين العرب في الكيان الصهيوني.”

وتضيف أن الدعم الصهيوني للدروز يتجلى أحيانًا بفتح الحدود مؤقتًا بين جانبي الجولان لأفراد الطائفة المقيمين على طرفي الحدود.

وتشرح الوضع الحدودي بالقول:

“رغم وجود حدود، تحدث زيجات بين الدروز في فلسطين المحتلة وسوريا. هناك تواصل مستمر، والطريقة الوحيدة لاستمراره هي الحفاظ على علاقات جيدة مع الكيان الصهيوني. هم مجتمع يُحسن قراءة الأوضاع السياسية، ويسعى للبقاء كدروز، وهذه هي قضيته الجوهرية.”

مجموعة منقسمة سياسياً
يُشير “شراوي” إلى أن سقوط “الأسد” خلال أيام قليلة، وتشكُّل إدارة جديدة في دمشق تنتمي لجماعة إسلامية متشددة، أثار قلق الدروز ودفعهم إلى الانقسام بين اتجاهين: الأول يواصل الثقة بالحكم المركزي كما اعتاد تاريخياً، والثاني يبحث عن سُبل أخرى للدفاع عن أنفسهم.

ويقول شراوي:
“حين دخل الجيش السوري إلى المنطقة، رحّب به بعض الدروز، بينما رفضته مجموعات أخرى تماماً ووصفت (أحمد الشرع) بالإرهابي”.

بعض الفصائل ترى أن تجربتها في التسلّح خلال سنوات الثورة السورية علمتها الاعتماد على نفسها، وترى أن الجماعات الإسلامية التي تشكل الحكومة الجديدة لا يمكن الوثوق بها، لذا تسعى إلى إنشاء إدارة ذاتية مستقلة.
فصائل أخرى تفضّل التفاهم مع المركز والحفاظ على بنية الدولة القديمة، بل وتثق بالإدارة الجديدة في دمشق.
أما اتجاه ثالث، فيسعى للتوصل إلى تفاهم مع الكيان الصهيوني من أجل أن تتولى تأمين الحماية له، وهو خيار بالغ الحساسية، إذ توجد فصائل داخل السويداء تعارض بشدة هذا التوجه وتعتقد أن للكيان الصهيوني مصالح لا تصب في مصلحة الدروز.

تجدر الإشارة إلى أنه بعد سقوط الأسد وتغيير السلطة في دمشق في ديسمبر/كانون الأول 2024، أقدمت القوات الصهيونية على خطوة غير مسبوقة، حيث دفعت بقواتها داخل مرتفعات الجولان المحتلة أصلاً بحجة حماية “الأقلية الدرزية”، وهو ما اعتبر انتهاكاً جديداً للقانون الدولي.
واليوم، ثمة خشية من أن تُقدم على فعل مشابه داخل الأراضي السورية وتحديداً في السويداء.

في 14 مارس/آذار، زار وفد يضم مئة زعيم ديني درزي من سوريا مرتفعات الجولان ثم انتقل إلى الكيان الصهيوني، حيث التقى بزعماء الطائفة هناك، في زيارة وُصفت بالتاريخية كونها الأولى منذ خمسين عاماً، وتمت برعاية صهيونية.
وحملت الزيارة دلالة رمزية قوية على ما يُعتقد أنه تعاون آخذ في التنامي بين بعض الدروز والكيان الصهيوني، الأمر الذي أثار استياء فصائل درزية داخل السويداء فور عودة الوفد.

وفي هذا السياق، صرّح “وليد جنبلاط” أحد أبرز الزعماء الدروز في لبنان بأن الحل لا يكمن في الاعتماد على الكيان الصهيوني، بل في التوصل إلى تفاهم داخلي بين الدروز أنفسهم يجنّبهم الصراع، مشدداً على ضرورة الحوار مع الحكومة السورية الجديدة، وهو ما قام به بنفسه في دمشق مؤخراً.

ما المصلحة من قصف الاحتلال الإسرائيلي لسوريا؟

ويرى الصحفي والباحث الصهيوني “سيث فرانتزمان” أيضاً أن ليس كل دروز سوريا يرحّبون بالدعم الصهيوني، موضحاً:
“هناك من يرى هذا التدخل إيجابياً، لكن لا يمكن القول إن جميع الدروز موحّدون حوله. ما يتفقون عليه هو حماية مجتمعهم، والحفاظ على استقلالهم الذاتي، وضمان أمنهم”.


العلاقات الوثيقة بين الدروز والكيان الصهيوني تعززت عبر سنوات من التجنيد داخل الجيش الصهيوني، ووصول بعضهم إلى مناصب عليا.
ويشير “شراوي” و”فرانتزمان” إلى أن الكيان الصهيوني يشعر بأنه مدينة بالوفاء لهذا المجتمع الذي أبدى ولاءً استثنائياً للدولة.

السبب الحقيقي وراء قصف الاحتلال الإسرائيلي لسوريا وتدخله فيها

لكن “شراوي” يؤكد أن الدافع الصهيوني لا يقتصر على الوفاء، ويقول:
“منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لم يعد الكيان الصهيوني يكتفي بالرد على الأخطار، بل يعتمد سياسة دفاع استباقية. فهو يرفض انتشار جيش (أحمد الشرع) في الجنوب السوري، وتعتبر وجود قوات ذات خلفية جهادية في السويداء خطراً أمنياً مستقبلياً عليها”.

أما “كرابات”، فيرى أن هذا الموقف يمنح الكيان الصهيوني ذريعة دائمة لتكرار قصف الاحتلال الإسرائيلي لسوريا وللتدخل في الشأن السوري متى أراد، تحت غطاء “حماية الدروز”، مضيفاً:
“ما يسعى إليه الكيان الصهيوني هو منع نشوء دولة سورية قوية على حدوده مرة أخرى. يريد تحقيق توازن دقيق: لا لسوريا المستقرة القوية، ولا لوجود جماعات معادية لها على الحدود. ولتحقيق ذلك، تختار جماعة حليفة وتعلن حمايتها، فتضمن إبعاد باقي القوى عن حدودها، وبذلك تستطيع تل أبيب تبرير قصف الاحتلال الإسرائيلي لسوريا باستمرار”.

وماذا بعد؟
توصل الدروز حالياً إلى تفاهم مع دمشق، ينص على تمركز بعض وحدات الجيش السوري خارج مدينة السويداء لتوفير الحماية الأمنية، بينما تواصل الميليشيات الدرزية المحلية وجودها داخل المدينة بالتنسيق مع الحكومة في دمشق.

ويشترط هذا الاتفاق ألا تضمّ القوات العسكرية المتمركزة حول السويداء أي عناصر سبق أن انتموا إلى جماعات إسلامية مثل “هيئة تحرير الشام” (HTŞ).

ويقول “شراوي”: “أعتقد أننا سنشهد تشكيل وحدة أمنية تضم مقاتلين دروزاً إلى جانب أفراد نالوا ثقة السكان المحليين في السويداء”.
ويضيف أن مثل هذا الترتيب سيُسقط أي ذريعة قد تدفع إلى التدخل وإلى تكرر قصف الاحتلال الإسرائيلي لسوريا.

إعداد وتحرير: عبد الجواد أمين حميد

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.