بعد جلسة الاستماع الإسرائيلية.. ما القرارت التي يتوقع أن تتخذها محكمة العدل الدولية؟

يبدو أن ادعاءات دولة جنوب أفريقيا والأدلة التي قدمتها هي دقيقة ومرضية للغاية بشأن ثبوت نية الإبادة الجماعية في الحرب على قطاع غزة، فيما أن الدفاع عن الكيان الصهيوني، فلم يتجاوز توقعات الجميع في محكمة العدل الدولية.

ووفقاً لما ترجمه ونقله فريق كوزال نت، فقد كتب أستاذ مساعد في كلية الحقوق بجامعة إسطنبول ميديبول الدكتور عبد الله مصعب شاهين، تحليلًا حول بيانات جنوب أفريقيا والدفاع الإسرائيلي، وذلك لوكالة الأناضول التركية الرسمية.

ماذا سينتج عن جلسة الاستماع الصهيونية في محكمة العدل الدولية؟

وخلال الأسبوعيين الماضيين، وبعد تقديم جنوب أفريقيا طلبًا في 29 ديسمبر/كانون الأول 2023 إلى محكمة العدل الدولية (ICJ) ضد الكيان الصهيوني، جرى عقد جلسات قضائية عاجلة بشأن الإجراءات المؤقتة المطلوبة. 

وتمت مناقشة إجراءات الطلب وفقًا للتشريعات المتبعة في المحكمة قبل التفكير في المسؤولية الفعلية للكيان الصهيوني بموجب اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة عام 1948. وخلال الجلسات التي عُقدت بشكل فردي، قدمت جنوب أفريقيا بياناتها الشفوية يوم الخميس 11 يناير/كانون الثاني بينما قدمت ما تُسمى بـ “إسرائيل” الدفاع الخاص بها يوم الجمعة 12 يناير/كانون الثاني 204.

و من المتوقع أن تعلن محكمة العدل الدولية “ICJ” قرارها بشأن طلبات الإجراءات المؤقتة في الأيام القليلة المقبلة.

ويمكن تقييم هذا الطلب من قبل جنوب أفريقيا وجلسات المحكمة من منظور سياسي وتاريخي وقانوني بطرق متنوعة.

فمن الناحية السياسية، يبرز تميز جنوب أفريقيا، التي عاشت تجربة نظام عنصري لعدة سنوات، بأنها تخرج إلى الواجهة لصالح نزاع بعيد جغرافيًا. 

وعلاوة على ذلك، يمكن اعتبار هذا الدعوى، التي تستهدف نظامًا آخر ذي طابع عنصري، مفصلًا تاريخيًا في العلاقات بين الدول العربية وكيان الاحتلال الصهيوني في المنطقة. 

ومن الناحية القانونية، يظهر أن فريق جنوب أفريقيا قد قدم ملفه بأدلة قوية.و يعتبر كلٌ من المرافعة الشفهية لفريق جنوب إفريقيا ومشاركة إسرائيل في الجلسات، من الأمور التي كان لها أهمية خاصة. 

وبعد بيانات الجلسات، يمكن التوقع أن تتخذ محكمة العدل الدولية قرارًا بشأن الإجراءات المؤقتة وفقًا لطلب جنوب أفريقيا.

مطالب جنوب أفريقيا من محكمة العدل الدولية

في الطلب، أشارت جنوب أفريقيا إلى حقائق مثل التمييز النظامي الذي تمارسه دولة الكيان الصهيوني بشكل منتظم، والتهجير، والاستيطان، ورفض حقوق تقرير المصير والعودة، واستخدمت عبارة “النكبة المستمرة منذ عام 1948” للرجوع إلى الأفعال المستمرة حتى تاريخ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ويعتبر استخدام هذا التعبير هامًا لأنه يشير إلى أن القضية المقامة تتعلق بأفعال قبل تاريخ ذلك.

وقد جرى تبرير الطلب الذي تم تقديمه في الجلسة من النواحي الأخلاقية والقانونية.

فمن الناحية الأخلاقية، جرى التأكيد على وعي جنوب أفريقيا بأنها جزء من الإنسانية وجرت الإشارة إلى رئيس الدولة السابق نيلسون مانديلا. 

ومن الناحية القانونية، جرت إعادة ذكر المادة المتعلقة باتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة بشكل مباشر، وكدولة طرف في هذه الاتفاقية، أشارت جنوب أفريقيا إلى التزامها بمنع هذه الجريمة وفقًا لتوجيهات الاتفاقية.

في الجلسة، قدمت جنوب أفريقيا بياناتها الشفوية بشكل منظم حول الإجراءات المؤقتة. في وفي البداية، جرى توضيح أفعال كيان دولة الاحتلال الصهيوني التي تشكل جرائم إبادة بدعم من مجموعة من الصور.

وقد أُوردت بعض الأمثلة مثل استهداف المدنيين في غزة دون تمييز، والهجمات على المستشفيات ودور العبادة، وتدمير البنية التحتية. 

وقدمت جنوب أفريقيا أيضًا اتهامًا للكيان الصهيوني بتنفيذ هذه الأعمال بواسطة الدولة وعدم اتخاذ تدابير لمنع هذه الأعمال.

ثم ركزت البيانات على العنصر العمد الضروري للاعتراف بجريمة الإبادة، إذ يتعين أن يكون هناك نية للقضاء على مجموعة تمتاز بخصائص خاصة مع الأفعال التي تشكل جريمة إبادة.

وقد كررت جنوب أفريقيا تصريحات سياسيين وجنود صهاينة وأعضاء الكنيست الصهيوني لإظهار نية القضاء على المجموعة المستهدفة، مما دفع إلى اتهامها بأنها سياسة رسمية للدولة الصهيونية.

وفي الجزء المستمر من المرافعة الشفهية، جرى تسليط الضوء على حقوق المتضررين بسبب هجمات الاحتلال الصهيوني وبالتالي ضرورة اتخاذ إجراءات مؤقتة. 

وقد عبرت جنوب أفريقيا عن الارتباط بين الإجراءات المؤقتة وحقوق يجب حمايتها بناءً على السجلات القضائية السابقة للمحكمة،كما ورد بوضوح أن الضرر الذي لا يمكن إصلاحه يقع كلما تأخر القرار الاحترازي.

دفاعات الفريق الصهيوني عن نفسه أمام محكمة العدل الدولية

وبعد رفع القضية من قبل جنوب أفريقيا ضد الكيان الصهيوني في محكمة العدل الدولية، أثير الجدل حول مشاركة الكيان الصهيوني في الجلسات القضائية. توقعت الأغلبية أن دول الاحتلال الصهيوني لن تشارك في عملية المحاكمة.

وكان من المفاجئ أن تشارك دولة الاحتلال وأن تقدم دفاعًا مفصلًا في الجلسات، وهو ما لفت انتباه الجميع، خاصةً في ظل سجل الكيان الصهيوني السابق بمقاطعة المحكمات والقرارات الدولية. 

وقد بدأت دولة الاحتلال الصهيوني في دفاعها في محكمة العدل الدولية باستشهادها بـ “الهولوكوست”.

وأكدت على أن الشعب الصهيوني يدرك تمامًا سبب صياغة اتفاقية منع جرائم الإبادة وتوثيق قتل ستة ملايين يهودي بطريقة منهجية في الذاكرة الجماعية، واستندت دولة الاحتلال إلى الادعاء بأن جنوب أفريقيا استندت في قضيتها إلى ادعاءات محرفة.

وزعم الجانب الإسرائيلي أن جنوب أفريقيا لم تصدر إدانات واضحة لحماس على ما حدث يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، ضمن نطاق ملف طلبها وفي بياناتها الشفهية.

ويضاف إلى هذا الخطاب الادعاء بأن علاقة جنوب أفريقيا بحماس مستمرة منذ سنوات، وهكذا انعكست الانتقادات الموجهة إلى السياسيين في جنوب إفريقيا في جلسات الاستماع لفترة من الوقت.

وزعم الفريق الصهيوني أن حماس هي سبب الأحداث، وبالتالي، إذا كانت هناك إبادة جماعية، فهي ضد الشعب اليهودي، كما حدث في الماضي. 

وقيل إن حماس هاجمتهم، وبالتالي ينبغي اعتبار الإجراءات الإسرائيلية المستمرة في نطاق الدفاع المشروع. 

وتشير هذه التصريحات إلى محاولة خلق تصور بأن الصراع يدور بين الكيان الصهيوني وحماس.

وفيما يتعلق بالتدابير المؤقتة، أكدت دولة الاحتلال الصهيوني على رفضها لها، مشيرةً إلى أنها قد منحت إذنًا للمساعدة الإنسانية في المنطقة، وبالتالي لم يحدث أي أذى لا يمكن التراجع عنه.

 أيضًا، تنبه محاميو الكيان الصهيوني إلى أن أي قرار بفرض إجراءات وقائية قد يجعل الكيان الصهيوني عاجزاً عن الدفاع عن نفسه ضد تهديدات حماس، وبالتالي قد لا يتم إنقاذ الرهائن في حال حدوث أي تحرك.

 

التطورات المحتملة

وقد انتهت جلسات تقديم الأدلة والدفاع، ويظهر أن ادعاءات جنوب أفريقيا والأدلة التي قدمتها كانت مفصلة ومرضية للغاية.

 أما الدفاع الإسرائيلي، فلم يتجاوز توقعات الجميع، إذ بدأ الدفاع الإسرائيلي بالإشارة إلى “الهولوكوست”، محاولًا تذكير الجماهير بأن جرائم الإبادة يجب أن تفهم على أنها جرائم تستهدف اليهود فقط، وهو تصوير ضيق للجريمة. 

كما أن رد الجنوب الأفريقي على كل من الدفاع الإسرائيلي حول الولاءات الوطنية وحق الدفاع الشرعي جرى توقعه بشكل كامل في أولى جلسات المحكمة.

ويُقال إن القضاة في محكمة العدل الدولية نظرياً مستقلون، ويتوقع أن لا يتخذوا قرارات بناءً على سياسات الدول التي ينتمون إليها.

ومع ذلك، نظرًا لأن عملية التعيين لها طابع سياسي في محكمة العدل الدولية، يتحرك القضاة عادةً وفقًا لتفضيلات الدولة التي ينتمون إليها من الناحية السياسية. 

ونظرًا للتأثيرات المحتملة لمصير الدعوى على مدى الأيام القليلة المقبلة، يمكن توقع أن تعلن محكمة العدل الدولية عن إجراءات وقائية بعد وقت قصير، فيما قد تستغرق الجلسات حول تحديد ما إذا كانت جرائم الإبادة قد وقعت أم لا وقتًا طويلاً يزيد عن عامين.

وليس من المتوقع أن تكون إجراءات الوقاية ذات صلة بوقف إطلاق النار.

هناك قلق في الرأي العام من أن إسرائيل قد لا تلتزم بقرار الإجراءات الوقائية المحتمل. ومن الناحية العملية، يبدو أن هذا القلق مبرراً في البداية نظرًا لعدم وجود عقوبات عملية في حالة عدم الامتثال لقرارات المحكمة الدولية. 

ومع ذلك، يمكن توقع في المستقبل أن تنضم دول أخرى إلى القضية إلى جانب جنوب أفريقيا. 

وسيؤدي هذا إلى زيادة الضغط على الكيان الصهيوني، وبجانب هذا العنصر من الضغط، يجب أن نتذكر تنظيمات القوانين الداخلية في الدول الأوروبية. 

يعلم الجميع أنه في الماضي جرى حظر بيع الأسلحة إلى مختلف الدول وتم قطع العلاقات التجارية والدبلوماسية بناءً على تنظيمات القانون الداخلي. 

وفي حالة عدم الامتثال من قبل إسرائيل لقرارات الإجراءات الوقائية الصادرة عن المحكمة الدولية، قد تحدث تطورات متنوعة في المستقبل، خاصة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة حيث يوجد بالفعل قضايا قائمة أو محتملة ضد السياسيين والحكومات. 

وستؤثر قرارات الإجراءات الوقائية أيضًا على القضاء الداخلي، مما قد يؤدي إلى إعادة تنظيم العلاقات مع إسرائيل. 

ويُظهر القانون الدولي في كثير من الأحيان كونه لعبة غير أخلاقية وغير منصفة تشمل السياسة، ولذلك يجب أن تكون هناك طرق أخرى لتحقيق العدالة. 

يُظهر أنه من الممكن زيادة الضغط على إسرائيل من خلال وسائل متنوعة، ولهذا قد تضطر إسرائيل للامتثال لقرارات الإجراءات الوقائية.

 

إعداد وتحرير وترجمة: عبد الجواد حميد

"ثبوت نية الإبادة الجماعية في غزة"الإحتلال الصهيونيالحرب على غزةالحرب على غزة 2023الحرب على قطاع غزة 2023العدل الدوليةالكيان الصهيوني يمثل أمام محكمة العدل الدوليةجرائم الإبادة الجماعية في غزةجنوب أفريقياجنوب إفريقيادعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيلدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدوليةكيان الاحتلال الصهيونيما هي قرارات محكمة العدل الدولية نحو الكيان الصهيونيمحكمة العدل الدولية