كاتب تركي : كل دولة في العالم تقريباً لديها ظاهرة “السوريين” الخاصة بها!

نشر الكاتب التركي “بيرجان توتار”  يوم الخميس الماضي مقالة بعنوان ” الذين هجروا عقلهم وروحهم ” حول قضية اللاجئين في العالم ، في جريدة صباح التركية .

……………………………………………………………..

بيرجان توتار

نحن في عصر الهجرة على مستوى العالم. فوفقاً لآخر  بيانات الأمم المتحدة (الأمم المتحدة), فإن عدد المهاجرين في العالم يقترب 300 مليون.

إذا عبرنا عن ذلك قياساً ، ليس تركيا فقط بل يمكننا القول أن كل دولة في العالم تقريبا ، ، لديها ظاهرة “السوريين” الخاصة بها.

على الترتيب نستطيع أن نرى أن سُوريِ بريطانيا  هم الهنود والباكستانيين ، وأن سُوري الولايات المتحدة الأمريكية هم اللاجئين من أصل إسباني ، والجزائريين ، والتونسيين والمغاربة في فرنسا ، والأتراك في ألمانيا ، والأفغان في إيران ، و الأفارقة في المغرب ، والفنزويليين في كولومبيا ، وأخيرا سوري بولندا هم الأوكرانيين.

وفقا لأحدث تقرير لمكتب المفوض السامي للأمم المتحدة ومنظمة الهجرة ، فإن 82 مليون و 400 ألف من أصل 281 مليون مهاجر في العالم، هم أشخاص نزحوا قسرا لأسباب مثل التعذيب والصراع والعنف وانتهاكات حقوق الإنسان والتهديد بالاضطهاد الخطير. كما يحاول 34 مليون شخص التمسك بشروط حياتهم كلاجئين أو طالبي لجوء في بلدان مختلفة.

وعندما نضيف إلى ذلك ملايين المهاجرين الجدد بسبب الحرب في أوكرانيا ، تتضخم الأرقام الحالية كثيرا.

تركيا ، التي تضم 3 ملايين 700 ألف سوري تحت ‘الحماية المؤقتة’ داخل حدودها ، استضافت لاجئين من معظم دول العالم على مدى السنوات الثماني الماضية.

في الآونة الأخيرة ، لوحظ بشكل واضح محاولات مكثفة للتلاعب في السياسة الداخلية والخارجية لتركيا نحو اللاجئين السوريين.

بلا شك ، بشكل عام ينقسم الناس والدول إلى قطبين في تعريف ” السوريين ” الموجودين في دول مختلفة في العالم. فالبعض يرى اللاجئين والمهاجرين واقعاً لا مفر منه والبعض الآخر يراهم مشكلة أساسية.

القطب الذي لديه وجهة نظر سلبية إقصائية ومدمرة, ينظر للمهاجرين كمصدر أساسي للمشكلة. أما القطب الذي لديه وجهة نظر إيجابية فهو ينظر للاجئين كناس لديهم مشاكل ، وليس للاجئين بحد ذاتهم كمشكلة. لأن المهاجرين واقع يجب النظر إليه من خلال إدارة استراتيجية للهجرة الإنسانية بدلا من كونه قضية أو مشكلة.

فلطالما تعاملت تركيا مع ظاهرة الهجرة بعقلانية بناءة تنتج الحلول ، سواء كان  المهاجرين هم الأتراك في ألمانيا أو المسلمون في أوروبا ؛أو  الأفارقة و الأراكان و اللاتينيون في الولايات المتحدة.

لأن المنطق العنصري والشوفيني لطالما ألقى باللوم على المهاجرين على أنهم المشكلة الرئيسية. فالأمريكيون يدينون المكسيكيين ، والألمان يدينون الأتراك ، والفرنسيون يدينون الأفارقة ، والبريطانيون يدينون الهنود ، والإيرانيون يدينون الأفغان ، والأتراك كذلك يدينون السوريون .

وفقا لهذا المنطق و النهج اليعقوبي ، في تركيا القديمة ، تم وصف المسلمين بأنهم رجعيون بالجملة ، ووصف الأكراد بأنهم انفصاليون بالجملة. ومع ذلك ، فإن سياسة حزب العدالة والتنمية المحفوظة غيرت هذه التعريفات أولا ثم غيرت العقليات.

لكن العالم ، للأسف ، يتراجع فيما يتعلق بموضوع المهاجرين. فعلى المستوى العالمي ، تم استبدال مصطلح عملية “التكيف'” للأجانب في الغرب في 1980 بـ “الاندماج “في عام  1990 ،وبـ “الاستيعاب” بعد  عام2000 .

فمن الملاحظ أن هناك وباء فاشي عالمي ينتشر حول موضوع الهجرة. فالآن الغرب لا يقبل أي شخص ، حتى لو تمت الموافقة على استيعابه ، باستثناء الأشخاص الشُقر ذوي العيون الزرقاء!

فعندما يتعذر التوصل إلى الحلول الإنسانية والاقتصادية لمشكلة الهجرة ، تتصاعد اليوم الأيديولوجيات العنصرية التي تصور المهاجرين على أنهم مصدر “الخطر والخوف والجريمة”.

إن الخطاب الذي يهدد “بالترحيل وإلغاء الجنسية والاعتقال ” ،ينظم  ويغذي العنصرية والتمييز ، ويحول المهاجرين إلى ” أقليات قانونية ” محرومة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.

إن الشوفينية الاجتماعية للشرائح الليبرالية الغربية ، التي تصف نفسها بأنها إنسانية ، تؤدي أيضا إلى خلق الأحياء اليهودية والمجتمع الموازي والمستعمرات العرقية. ومع ذلك, تعمل تركيا كبجعة سوداء تُعطل كيمياء العقلية الفاشية والعنصرية الغربية مع استراتيجية الهجرة الموجهة نحو الحلول.

إنها تُعلم  الغرب درسا في الإنسانية ، هذا الغرب الذي يدعي مراعاته لحقوق الإنسان. في هذا السياق ، أعادت تركيا تسجيل نفسها ك”قوة أخلاقية عظمى” في العالم، كما رأينا في الأزمة الأوكرانية بعد سوريا.

فمكاسب هذه الاستراتيجية هي كبيرة و لا تحصى. ولهذا السبب لا تحيد تركيا عن مسارها ولن تحيد بثبات كامل ، أمام البؤر الداخلية والخارجية التي تهجر عقلها وروحها عندما ترى قضية المهاجرين.

التعليقات مغلقة.